شوف تشوف

الرأي

صندوق المقاصة ورهان الإصلاح (2/2)

إن إصلاح صندوق المقاصة ببلادنا، يتطلب من جهة إرادة حقيقية تحمل في طياتها إجراءات تقنية وعملية، هيكلية وشاملة، تهدف إلى التحكم في كلفته وجعله في مستوى تتحمله المالية العمومية. ومن جانب آخر، إلى إرادة إصلاحية تستهدف إعادة تأطير نظام المقاصة وفقا لمنطق العقلانية الاقتصادية، والاستهداف الاجتماعي للفئات الهشة، الفقيرة والمعوزة.
وفي هذا الإطار، فإصلاح منظومة المقاصة يجب أن يشارك فيه الجميع، وفق مقاربة تشاركية، تنخرط فيها مختلف القطاعات الوزارية والهيئات المعنية، ما يساهم في تقنين وتدبير هذا الصندوق. وأيضا ضرورة وجود نظام للمعلومات يمكن مقارنة الكميات المستوردة مع تلك التي تم نقلها وضبط التسديدات المرجعة على الفاتورات، والمتعلقة بحالات إرجاع المواد المقتناة سابقا.
وحسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات، فمن الملائم تطوير التفاعل الإيجابي بين مختلف الأجهزة المتدخلة في نظام المقاصة. في هذا الإطار، يوصى بإحداث لجنة لليقظة تتعلق بالمقاصة، ويتعين أن تتألف هذه اللجنة، بالإضافة إلى صندوق المقاصة، من المكتب الوطني للحبوب والقطاني، وممثلين عن الوزارات المكلفة بالطاقة والشؤون العامة والمالية والصناعة والفلاحة والنقل، وكذا ممثلي الهيئات المهنية المعنية، تتجلى مهمة هذه اللجنة في تقديم الاستشارة للحكومة حول الاستراتيجيات والآليات الواجب وضعها من أجل عقلنة نظام المقاصة.
أما فيما يتعلق بالجانب الضريبي، فما يوصى به، هو التنصيص قانونا على استثناء المساعدات المقدمة من طرف صندوق المقاصة من مجال تطبيق الضريبة على القيمة المضافة، والنص على إعفاء الرسوم شبه الضريبية على الاستيراد فيما يتعلق بالمواد الخاضعة للمقاصة وبالتالي إعادة النظر في بنية الأثمان، والنص على إجراءات ضريبية محفزة لتطوير الطاقات المتجددة والتكنولوجيات التي تتسم بالاقتصاد في الطاقة، خاصة من خلال اعفاءات على اقتناء التجهيزات.
ومن بين الاقتراحات التي جاءت في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، إنعاش الفعالية الطاقية وإنتاج الطاقات المتجددة من أجل خفض استهلاك غاز البوتان من خلال برامج كبرى، وهو ما تم بالفعل من خلال تدشين الملك محمد السادس مؤخرا لمحطة «نور1» للطاقة الشمسية، التي تعتبر الأكبر في العالم لإنتاج الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة، وتمتد على مساحة 450 هكتارا وفيها نصف مليون من المرايا العاكسة. ويتوقع أن تنتج نحو 160 ميغاوات من الكهرباء، وهي تهدف بعد الانتهاء من بناء نور 2 ونور 3 ونور 4، إلى إنتاج 580 ميغاوات من الكهرباء، وإمداد مليون منزل مغربي بالطاقة النظيفة. حيث يعتبر هذا المشروع نموذج تهدف من خلاله الدولة على تشجيع الحلول القائمة على الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية.
كما أكد صندوق النقد الدولي في تقرير له، على أن إصلاح نظام المقاصة أمر ملح ويطرح بشدة، رغم الصعوبات التي قد يواجهها هذا الورش، لكن المضي فيها من شأنه أن يؤدي إلى التوازن الاجتماعي بين الطبقات. سبق للبنك الدولي أن طالب المغرب في تقرير صادر في اكتوبر 1983 بالغاء دعم المواد الأساسية وبرر ذلك بارتفاع حجم مصاريف الدولة من الدعم دون أن يؤدي ذلك إلى تحسين استهلاك الفئات الأكثر فقرا وهو ما استجابت له الحكومة بإلغاء دعم مادتين أساسيتين (الحليب والزبدة) في نفس السنة. وفي مارس2001، اقترح البنك الدولي في وثيقة بعنوان «تحيين الفقر في المغرب»، على الحكومة تخفيض متوازي للحماية الجمركية ولدعم المواد الغذائية وإدراج مساعدات مالية مستهدفة للمجموعات ذات الدخل المنخفض.
وفي سنة 2013 خلال ندوة حول «السياسة الاقتصادية للحكومة» منظمة بالرباط، أوصى سيمون كراي مدير منطقة المغرب في البنك الدولي، المغرب بإصلاح نظام المقاصة لمواجهة عجز الميزانية وضمان توازن المالية العمومية. ووجه المسؤول الدولي المغرب نحو استهداف الفقراء بتحويلات مالية غير مشروطة مرفوقة بتقليص تصاعدي وانتقائي لنفقات دعم الأسعار.
وخلال شهري يناير ويونيو 2013 قامت لجنة من صندوق النقد الدولي بزيارتين للمغرب يهدف تقييم أداء الاقتصاد المغربي، والضغط على الحكومة للقيام بإصلاحات هيكلية، من بينها ما يهم المقاصة، بل وتم التهديد بوقف خط السيولة المفتوح بقيمة 6 مليارات دولار في حالة التأخر في انجاز الإصلاحات المطلوبة، وهو ما ينفي ما صرحت به الحكومة سابقا من أن القرض المفتوح بدون شروط، ونتيجة لثقة المؤسسات المالية الدولية في الاقتصاد المغربي.
إن إصلاح صندوق المقاصة يتطلب مواكبته بإصلاحات موازية تشمل القطاع الضريبي والصحي والاجتماعي وغيرها، وتفعيل الآليات والمبادئ والهيآت المرتبطة بالحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والرقابة، والجودة في التدبير المنصوص عليها في دستور 2011. فنجاح عملية إصلاح هذا الصندوق يتطلب وبإلحاح مباشرة الإصلاحات المأمولة وفق تصور شمولي ومقاربة تدريجية، ورسم الأهداف والغايات، وتحديد الفئات المستهدفة والمجالات والجهات المعنية بالدعم، ومن ثمة الشروع في تنزيل ذلك بصفة تدريجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى