شوف تشوف

ضمائر للبيع

سألت سيدة زميلها السابق في أحد مراكز النداء كيف استطاع أن يسرق 300 ألف أورو من مركز النداء الذي كان يشتغل به ويشتري فيلا ببوزنيقة ويؤسس شركة بالدار البيضاء وأن لا يقضي مع ذلك في السجن سوى ستة أشهر، فقال لها اللص المحترم إن الفضل يرجع إلى الفساد القضائي، فالأحكام المبنية على التخفيف والبراءة وموقوفة التنفيذ تباع حسب الأسعار المتداولة.
وما كشفه اعتقال القاضي رئيس الغرفة بمحكمة النقض ماء العينين متلبسا بأخذ رشوة خمسين مليونا، ليس سوى رأس جبل الجليد العائم لأن ما تحته لو كشف للعيان لما بقي مستثمر أجنبي واحد يغامر بالمجيء بأمواله إلى المغرب.
القاضي السابق كانت لديه علاقة متميزة مع عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المعين والمصطفى الرميد وزير العدل، إلى درجة أن بنكيران حضر دفن والد القاضي السابق ماء العينين وزاره في بيته، وهي معاملة لا يحظى بها سائر القضاة أو رؤساء الغرف بمحكمة النقض من طرف رئيس الحكومة المعين.
ولعل سر هذه العلاقة يوجد في استغلال القاضي السابق ماء العينين في اختراق محكمة النقض على مستوى المعلومات والملفات، ولذلك عندما تم توقيف القاضي متلبسا بتسلم رشوة خمسين مليونا سارع وزير العدل إلى مطالبته بتقديم استقالته حتى لا يضطر إلى عرضه على المجلس الأعلى للقضاء وعزله.
وفعلا اختار القاضي أن يقدم استقالته، فأصبح تبعا لذلك مواطنا عاديا لا يحظى بأي امتياز قضائي، فتقررت متابعته أمام المحكمة.
هنا سينشر أحد أقرباء القاضي السابق فيديو في موقع يوتوب يطالب فيه الملك بلغة تهديدية بإيقاف المتابعة في حق القاضي السابق ماء العينين وإلا فإن ذلك سيعرض المغرب لمشاكل كبرى بالنظر إلى موقع قبيلة ماء العينين في الصحراء.
بعدها تم اعتقال القاضي ماء العينين وتم إيداعه سجن الزاكي بسلا، قامت عائلته بالاحتجاج أمام بوابة السجن مطالبة بإطلاق سراحه.
وفي الغد أصدر القاضي السابق من زنزانته بيانا يوضح فيه تشبثه بالوحدة الوطنية واحترامه للملكية خاتما كلامه بالبيت الشعري الذي يقول: بلادي وإن جارت علي عزيزة // وقومي وإن ضنوا علي كرام.
القاضي السابق ماء العينين الذي لم يستطع طوال مراحل البحث معه أن يرد على كل التهم الموجهة إليه بخصوص ثروته فهم أن ملفه جنائي وليس سياسيا وأنه من الأفضل له أن يبقى داخل هذا الإطار.
أما استشهاده بهذا البيت الشعري فيبقى مردودا عليه لأن البلاد لم تجر عليه يوما بل أعطته كل شيء، وأوصلته إلى أعلى مراتب الشرف وهي مرتبة القاضي الذي ينطق بالأحكام، وقومه لم يضنوا عليه بشيء، فالملك عينه قاضيا مدى الحياة، ولم يقله أحد من منصبه بل أقال نفسه متحديا التعيين الملكي.
لذلك فالذي جار على البلاد وضن على قومه هو القاضي السابق ماء العينين، لأنه أولا عجز عن الإجابة على التهم الموجهة إليه واختار الهروب إلى الأمام بتقديمه للاستقالة معتقدا أنها ستطوي ملفه، ولأنه ثانيا لطخ اسما عائليا اقترن بالعلم والثقافة هو ماء العينين وربطه بالرشوة والفساد القضائي.
ويوما عن يوم يتضح أن مشكلة البلاد الكبرى هي الفساد الكبير الذي ينخر قطاع العدل، خصوصا في السنوات الخمس الأخيرة التي تحمل فيها مصطفى الرميد حقيبة العدل.
ورغم أن رئيس الحكومة المعين انبرى للدفاع عنه معتبرا أن هناك بعض وسائل الإعلام التي تحاربه، فإن الرميد نفسه اعترف بأنه هو وحده من يتحمل مسؤولية وضع القضاء، الذي أصبحت التقارير الدولية تشير إليه بأصابع الاتهام في ما يقع من تراجعات بالمغرب.
ورغم أن القوانين الجنائية واضحة لا غبار عليها إلا أن بعض القضاة يتساهلون حيث لا يجب التساهل.
ومثلا فالفصل 486 من القانون الجنائي ينص على عقوبة حبسية من 10 إلى 20 سنة لأي شخص قام باغتصاب طفل دون 18 سنة، وأن هذه العقوبة قد تصل إلى 30 سنة، إذا أدى هذا الاعتداء إلى عاهة صحية مستديمة. لكن عندما نتأمل الحكم الذي أصدرته محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء الخميس الماضي في حق مغتصب الطفل عمران نصاب حقا بالدهشة، فقد قضت المحكمة بالسجن خمس سنوات نافذة، في حق المتهم الذي كان اعترف باختطاف الطفل عمران في ليساسفة، واغتصابه، ومحاولة قتله التي دخل بسببها في غيبوبة لأيام، كما اعترف أيضا بأنه فعل الشيء نفسه مع ثلاثة أطفال آخرين من قبل.
كما لو أن المحكمة الموقرة تريد أن تقول لنا إن من اغتصب طفلا سينال من عشر إلى عشرين سنة سجنا، لكن إذا اقترن الاغتصاب بجرائم الاختطاف والاحتجاز ومحاولة القتل واعترف بذلك فإن العقوبة ستنقص.
أحد الساخرين علق على هذا الحكم قائلا «هاد العقوبة ديال 5 سنين حبس لي ما كتفوتش عقوبة سرقة المواشي في القانون الجنائي (الفصل 517)
حاول تتأملها، إذا سرقتي شي خروف أو حمار من شي حد تقدر تاخد نفس عقوبة واحد اختطف واغتصب طفل وحاول يقتلو».
سيقول قائل إن القاضي راعى أن المجرم عمره 17 سنة، ولذلك استفاد من كونه حدثا لم يصل السن الجنائي الذي هو 18 سنة.
وهنا لا بد من طرح مطلب إعادة سن الرشد الجنائي إلى 16 سنة كما كان في السابق، لأن تطور الجريمة وارتكابها من طرف الأحداث في سن 17 سنة يفرض إعادة النظر في هذا الأمر.
كما يجب حذف الحكم بالعقوبة الأقصى والعمل بتجميع العقوبات، مثلما يوجد في النظام القضائي الأمريكي، وعوض أن يحاكم مغتصب الطفل عمران بعقوبة واحدة هي الأقصى في ما ارتكبه كان يجب أن يعاقب على كل الجرائم التي ارتكب، أي أن يعاقب بالاختطاف وبجريمة الاحتجاز وجريمة الاغتصاب وجريمة الشروع في القتل، مما يعني أن العقوبة النهائية التي كان يجب أن ينالها هي 150 سنة على الأقل.
وعندما نتحدث عن الفساد في صفوف القضاة فيجب أن نشير إلى أن هناك أمثلة لقضاة يقدسون المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وهناك قاض في الدار البيضاء باع مؤخرا شقته التي اشتراها بالقروض البنكية لتأمين مصاريف دراسة ابنه في الخارج واكترى شقة، فتحول من مالك إلى مكتر، رغم أن بعض زملائه من القضاة الذين دخلوا سلك القضاء بعده بسنوات أصبحوا يملكون الفيلات والضيعات والعقارات التي لا تعد ولا تحصى.
فهل يعني ذلك أن هذا القاضي لم يفهم اللعبة جيدا ولذلك باع بيته لتأمين دراسة ابنه، أم أن الأمر يعني فقط أن هذا القاضي يتمتع بضمير حي فيما الآخرون باعوا ضمائرهم للشيطان ؟
نعتقد أن الاحتمال الثاني هو الأصح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى