شوف تشوف

الرئيسية

طبيب السلطان يشترط التردد على مستشفى «كوكار» وأعيان فاس يكرمونه بتذكار

حسن البصري
يعتقد البعض أن تسمية الشوارع والأزقة مجرد نزوة ذكرى من مجلس جماعي، والحال أن إطلاق أسماء شخصيات على أي عقار رسمي، له أهميته من الناحية الأمنية والقضائية والاجتماعية، فضلا عن الحمولة التاريخية باعتبار المبادرة فرصة لتخليد اسم وترسيخه في الذاكرة.
«الأخبار» تعرض، في سلسلة يومية، قصص شخصيات تخلد الأزقة والشوارع والأحياء ذكراها.

عندما أنهى الشاب ليون كريستياني فترة تدريبه بالمستشفى الجامعي «فال دوغلاس»، في يناير 1902، شرع في ممارسة مهنة الطب بفرنسا، قبل أن تقرر وزارة الصحة تعيينه في الجزائر، وتحديدا في مدينة قسنطينة، ومنها إلى باتنة ثم بسكرة. خمس سنوات في الجزائر كانت كافية لاستئناس ليون بالعمل في شمال إفريقيا التي تحالف عليها الفقر والاستعمار والجهل.
في عام 1907 توصل ليون ببرقية تتضمن قرار الالتحاق بالمغرب، كانت فرنسا تضع أولى قدميها في المملكة وترسل أوائل عساكرها إلى بلد طالما أقلق وجودها في الجارة الشرقية. حل الطبيب الفرنسي بقصبة الشراردة حيث اشتغل أولا في مصحة متنقلة لما كان يعرف بـ«قوات الكوم»، قبل أن يتقرر نقله إلى فاس ليشغل مهمة طبيب عسكري، وفي هذه المدينة سيكون لكريستياني موعد مع التاريخ، حين سجل حضورا قويا في ذاكرة الصحة العمومية وخلدته المدينة بأن أطلقت اسمه على أحد أزقة طريق إيموزار بفاس.
ساهم هذا الطبيب في وضع اللبنة الأولى لأول مستشفى عمومي في فاس، وكان أول طبيب رئيسي بالعاصمة العلمية، بل إنه ساهم في إنجاز أول مختبر طبي كان له دور في الحد من انتشار العديد من الأوبئة، مع تركيزه على صحة المواطن القروي في الضواحي التي تعيش نقصا مهولا على المستوى الطبي. وحين اكتمل بناء المستشفى، اختارت له الإقامة العامة اسم «كوكار» نسبة إلى ممرض فرنسي يدعى «كلود كوكار» قتل في إحدى الحملات العسكرية بالمنطقة. ومع مرور الوقت، سينسحب اسم هذا الممرض ليحل محله اسم المؤرخ «لسان الدين ابن الخطيب».
عندما ذاع صيت الطبيب «ليون»، دعاه السلطان مولاي يوسف إلى قصره وعرض عليه التكفل بالوضع الصحي له ولأبنائه، لكن الطبيب اشترط القيام، بموازاة مهمته الجديدة، بتفقد أحوال مرضى مستشفى «كوكار»، وظل يتفقد الأحوال الصحية للجنود خلال الحرب العالمية الأولى، وفي 1918 عاد إلى فاس التي اختار الاستقرار فيها بشكل نهائي.
في اليوم الموالي لوصوله، زار ليون مستشفى «كوكار» وقرر العودة إلى مكتبه حيث مارس مهمته طبيبا رئيسيا إلى غاية 1925، حين توصل ببرقية تخبره بتقاعده الوظيفي كطبيب عسكري، وفي اليوم الموالي غير صفته وقرر الاستمرار في مهامه طبيبا مدنيا إلى غاية 1936 حيث نزع الوزرة البيضاء وهو يذرف دموع الأسى والحزن لمغادرة اضطرارية لمرفق صحي ارتبط به وجدانيا.
واعترافا بما قدمه هذا الطبيب لفاس، قرر مجموعة من أعيان المدينة تكريمه، حيث تم الاتصال بالنحات الفرنسي «دوهيران» الذي أبدع في صنع مجسم من البرونز لهذا الرجل الذي كان يردد لازمة «عسل في القلب يشفي الأجساد»، بل إنه، على الرغم من طبيعة مهنته كعسكري، نادرا ما كان يتقيد بالضوابط العسكرية ويبدي مرونة كبيرة في عمله.
يقول الباحث إلياس أقراب: «كان للمستشفى عميق الأثر في الذاكرة الفاسية التي تحتفظ بصور عن مدى عناية الأخوات الراهبات بالأطفال، وكذلك عن مدى نظافة الممرضين والأطباء، واعتنائهم بنظافة المرضى، خاصة خلال فترة الحربين التي تميزت بانتشار الأمراض. وهو ما حاربه المستشفى عن طريق غبار «كريزيل» و«بيرطير» مع مضخات القمل التي أجبر الجميع على المرور منها للحد من انتشار حمى التفويد».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى