الرئيسية

عائلته غيرت ملامح الفلاحة بدكالة وجمعت بين الزراعة والتجارة والدبلوماسية

حسن البصري
كتب فؤاد العروي ذات يوم مقالا في مجلة «جون أفريك» يكشف فيه عن غضبه من تغيير طال اسم زقاق رئيسي في مدينة الجديدة، احتضن شغب طفولته في زمن لم يكن فيه ذكر للأنترنيت والألعاب الإلكترونية. قال فؤاد: «عندما كنت طفلا أركض في الجديدة، لفتت نظري أسماء الشوارع والأزقة كنت أتسلى بفك شفرتها والتعرف على الأسماء التي كتبت في لوحات لا ينتبه إليها المارة».
توقف العروي عند زنقة «ريدمان» وأزال اللبس عن لوحة تذكر ما تبقى من جيل الأمس بأحد رجالات المدينة، كما تأسف حين اكتشف يوما، وهو يمر من المكان ذاته رفقة «مؤرخ الجديدة» مصطفى الجماهري، أن اللوحة سقطت وأن بلدية المدينة اكتفت باسم «زنقة البريد» وهو اسم بدون حمولة تاريخية.
غادر البرتغاليون مازاغان عام 1769، بعد تحريرها من طرف السلطان مولاي محمد بن عبد الله. وحسب رواية الناصري، في «الاستقصاء»، فإن السلطان قرر إعمار المدينة وعين على رأسها محمد بن الطيب.
لجأ العامل إلى يهود مدينة أزمور الذين كانوا مرتبطين تجاريا بأوربا. فاستدعاهم للإقامة بالبريجة، فاعتبروا بذلك أول الساكنين بها. وبذلك بدأت القوافل التجارية من دكالة تتجه صوب ميناء الجديدة حاملة منتجات وبضائع المنطقة لتصديرها مقابل المنتجات الأوربية التي بدأت تتجمع في مخازن التجار اليهود.
لعب تاجر يهودي من عبدة يدعى «ماعمران» ويختزل في اسم «مايمران» دورا كبيرا في استقدام عائلة «ريدمان» إلى الجديدة، فقد كان الرجل مقربا للسلطان المولى سليمان، الذي أرسله مبعوثا إلى أوربا قصد تنشيط التجارة معها. وعندما عاد «مايمران» كان برفقته أجانب اختاروا الاستقرار في مازاغان.
حين حلت عائلة «ريدمان» ذات الأصول الإنجليزية عام 1822 بالمدينة، اختارت الاستثمار في الفلاحة، وكان يقودها الإخوة جان وفريديريك ثم ألفريد، حيث كونوا شركة باسم العائلة اهتمت بتطوير الفلاحة في دكالة، علما أن فريديريك اشتغل في المجال الصحي بالميناء وكانت مهمته مراقبة وحفظ الصحة بالمرسى، خاصة وأنه درس الطب قبل أن يغير المسار، لكن العائلة عرفت بتطوير الفلاحة والري في دكالة.
وحسب عزيز صلاح الدين، الباحث في تاريخ دكالة، فإن اسم فريديريك ارتبط بواقعة مأساوية تتعلق بأحد خدام فرنسا، حيث إن يهوديا جزائري الأصل يسمى دارمون قرر التوجه إلى الدار البيضاء غير أن الحاكم المغربي لمازاغان عارض ذلك بشدة لأسباب مجهولة، «لكنه عندما غادر مازاغان على بغله مرفوقا بحراسه من المغاربة تعقبه مخازنية القائد وذلك قصد منعه من السفر. فما أن تجاوز أبواب المدينة حتى وقع حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث انطلقت رصاصة خطأ من بندقية مرافق أدت إلى إصابة أحد جنود حاكم المدينة، وكان ذلك فرصة جيدة للانتقام من اليهودي الجزائري، وشرع في ترتيبات إعدامه».
أدرك الإخوة «ريدمان» خطورة الموقف والتهمة وما ينتظر صديقهم دارمون، فعملوا على تكثيف جهودهم للتدخل قصد التهدئة وإلغاء حكم الإعدام في حق أحد شركائهم، وأعدوا تقريرا حول الواقعة سلمه فريديريك إلى السلطان أملا في إسقاط التهمة عن دارمون، غير أن القائد قام بتنفيذ حكم الإعدام في القرية الصغيرة بسيدي موسى ثم نقلت جثته على البغال لتعلق على أسوار الحي البرتغالي «الملاح». ويذكر أن قرار العفو السلطاني على دارمون وصل متأخرا بعشرين دقيقة بعد تنفيذ حكم الإعدام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى