الرأي

علامات «الساعة»..

الأمر الوحيد الذي أبدع فيه «مبديع» حتى الآن، هو فرض ساعة صيفية إضافية «صحّة» على الإرادة الشعبية للمغاربة، في عز الربيع، بدعوى تحديات السوق العالمية، التي ولأول مرة نعلم من خلال وزيرنا المحترم، أن لها علاقة ما بالساعة.
الذين تتبعوا رد فعل الشارع المغربي على قرار العودة إلى العمل بالساعة الصيفية، يخرجون بخلاصة واحدة وهي أن المغاربة لا يريدون العمل وفق التوقيت الجديد صباحا فقط، فيما يرحبون به مساء، ليروا الشمس بعدما حرموا من رؤيتها طوال الأشهر الماضية، خصوصا الذين يعملون في المكاتب المغلقة وفق مواقيت عمل صارمة لا تحترم أبدا خصوصيتهم البشرية.
«الغميق» الحكومي، منذ سنة 2012، يقول إن تقديم عقارب الساعة ساعة إلى الأمام كل 27 مارس، يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، ويساعدأيضا على ترشيد الطاقة. لكن للأسف، الاقتصاد الوطني يزداد تأزما، والأرقام الرسمية التي يعلنونها على مضض، بحكم العادة ربما، تقول عكس ذلك. كما أن الجرائد يوميا تضع عشرات الأخبار المتعلقة باستغلال النفوذ وتفويت الصفقات بشكل مشبوه والاختلاسات، وهو ما يضر الاقتصاد الوطني، وسيكون من المضحك فعلا أن تخبرونا أن هذا الاقتصاد ينتعش بتقديم عقارب الساعة إلى الأمام.. أما بخصوص الطاقة، فنحن نرى كيف أن الإنارة العمومية تبقى مشتغلة في مدن كثيرة إلى ما بعد شروق الشمس، لأنها لا تزال مبرمجة على التقويم القديم، وتعود إلى الاشتغال مجددا في الرابعة مساء القديمة بطبيعة الحال، في عز الشمس، لأنها بُرمجت على التوقيت الجديد. وهذا هو العبث بعينه.
أسوأ ما جاءت به الحكومة الحالية هو قرار الساعة الإضافية، وفي الوقت نفسه، يبقى القرار الوحيد الذي التزمت بتنفيذه كلما جاء فصل الربيع. ورغم أن اسمها ساعة صيفية، فإن الحكومة تعلنها في فصل الربيع، وكأن موقعنا الجغرافي فوق الكرة الأرضية، مستنسخ من موقع القارة الأوروبية. غريب كيف أنه لا يوجد وزير واحد في الحكومة الحالية، على اطلاع ولو على بعض مبادئ علم الجغرافيا، ليشرح لهم أن الشمس في المغرب تغرب في وقتها المحدد في فصل الربيع، ولا نحتاج إلى إضافة ساعة إلى توقيتنا الرسمي حتى نستمتع بها لبعض الوقت، والأمر نفسه ينطبق على الشروق، لأننا نستمتع به طبيعيا، وفي جميع فصول السنة، ولا حاجة بنا أبدا إلى تعديل وقتنا الرسمي حتى نلحق بالشمس. ففي بعض الولايات الأمريكية، ودول أوربا أيضا، تشرق الشمس في الرابعة صباحا، وهناك دول أخرى تشرق فيها بعد ذلك الوقت بقليل، وهؤلاء يحتاجون إلى تعديل توقيتهم الرسمي فصليا، حتى تبدأ أيامهم وتنتهي بشروق الشمس وغروبها.
أما أن يخبرونا بأن الساعة الصيفية التي يضيفونها في فصل الربيع، تؤثر بشكل جيد على أداء الاقتصاد الوطني، فمن حقنا أن نضحك على الأقل، ما دام هؤلاء الذين يعتقدون أنهم يسيرون الشأن العام في المغرب، يظنون أن الاقتصاد بكل ثقله، يتأثر بتحريك عقارب الساعة.
كل هذا الكلام في كفة، وما يروجون له بشأن مسايرة أوربا، أو اللحاق بها، في كفة أخرى. بيننا وإسبانيا، يوجد حاجز بحري، لا شك أن الله لم يزرعه بشكل عشوائي. 14 كيلومترا فقط تفصلنا عن دخول أوربا بحرا، لكن سنوات ضوئية تفصلنا عنها إذا اعتبرنا الفوارق الأخرى الاجتماعية والاقتصادية.
أخطر ما في قصة الساعة كلها، هو التعنت الحكومي، والتمسك بالقرار حتى لو كان غير سليم، ولا أحد من الحكومة إلى اليوم، امتلك الشجاعة الكافية ليتحدث عن هذا الموضوع، رغم أن السواد الأعظم من المغاربة يستقبلونه بكثير من الغضب، خصوصا عندما يرون مصابيح الإنارة العمومية مشتعلة في عز النهار، وحتى لو تحدث وزير في الموضوع، ما دام «المبدع» الذي يندرج قرار التوقيت في خانة وزارته صامتا، فإنه سيخرج في اليوم الموالي ربما ليخبرنا بأن كلامه قد تم تحريفه عن سياقه، أو أننا جميعا وقفنا عند «ويل للمصلين»، كما يحب الداودي أن يقول..
يخيل إلي في مرات كثيرة أن وزراء هذه الحكومة يحملون معهم «ويل للمصلين» باستمرار، ويضعونها بين الكلمات كيفما اتفق، حتى يتهموا الصحافة بأنها تبتر من كلامهم وتشوهه.
كلما رأيتم مصابيح الإنارة العمومية في أحيائكم مشتعلة بعد الشروق، فاعلموا أنها علامة من علامات «الساعة».. الجديدة طبعا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى