الرئيسية

على طريقة العصور الوسطى

يونس جنوحي
في أقل من أربعة أسابيع اكتفى رئيس الحكومة بتقديم التعازي في أربع فواجع كبرى، توفي على إثرها عشرات المواطنين بشكل جماعي وجرح آخرون.
هذه التعازي قُدمت لمواطنين لا يرون رئيس الحكومة ولا الوزراء إلا في نشرات الأخبار، ويعانون من تهميش لقرون، ولم تقدم لهم الدولة أي شيء. توزعت الفواجع بين حوادث طرقية سببها كوارث طبيعية ورداءة الأحوال الجوية، وفيضانات جارفة حاصرت منطقة بأكملها. ومع ذلك لم يجد رئيس الحكومة وقتا لكي ينزل إلى أي واحدة منها لتعزية السكان ومقاسمتهم أحزانهم ولو لدقائق معدودة، علما أنه نشأ في وسط مشابه لتلك الأجواء ويعرف طبيعة السوسيين جيدا، ويُدرك أكثر من أي مسؤول مغربي آخر كيف يحس سكان المناطق المعزولة والمعاناة التي يُعانونها كلما أرادوا قطع الوادي، الذي تتقلب أمواجه أكثر مما تتقلب الزوابع في قلب البحر.
منظر آخر يُدمي القلب، لجنازة صغيرة اضطر سكان قرية في نواحي الأطلس، لكي يقطعوا بها الوادي في اتجاه المقبرة حتى يتسنى لهم دفنها بسلام إلى جوار الموتى الآخرين. كان الأمر شبيها بمشهد عميق من الفيلم الأمريكي «العائد» الذي مثل فيه «دي كابريو» دور البطولة، والذي جسد فيه دور أحد المهاجرين الأوائل إلى أمريكا وهي أرض قاحلة لكي يعاني في أرضها الواسعة، ويقطع رحلة العودة إلى المخيم متأثرا بجراح بالغة تسبب له فيها دب متوحش.
اكتُشفت أمريكا وأعمرت وأصبحت أقوى دولة فوق الأرض، ولا يزال سكان بعض المناطق المعزولة في المغرب يعيشون على طريقة «العائد». والسنة الماضية عممت رسائل صوتية مؤثرة بأصوات سكان قرى الجنوب يحذرون فيها المسؤولين من احتمال وفيات جماعية بسبب البرد، حيث كان مستشفى في نواحي الأطلس الكبير يفتقر للتدفئة ولا يجد الأطباء والمرضى داخله أي حطب للتدفئة. والأمر نفسه ينطبق على المدارس العمومية، الكبرى والفرعية المتناثرة في الجبال، حيث يلجأ بعض رجال التعليم هناك إلى جمع الحطب من منازل القرية، لكي يستطيع أبناؤهم المكوث في المدرسة إلى غاية انتهاء الحصص دون أن تتجمد أطرافهم.
بدأ البرد مبكرا هذه السنة، وارتفاع منسوب المياه والأمطار الطوفانية التي تسببت في السيول الجارفة، كلها علامات على أن الموسم المقبل سيعرف نشرات إنذارية كثيرة، نتمنى ألا تكون باللغة الفرنسية. أما انقلاب حافلات المسافرين فتلك قصة أخرى تماما، إذ أن تقادم العربات ومشاكل الصيانة، وصعوبة المسالك وتأثرها بالظروف الجوية الرديئة، كلها تجعلها آلات مُنتجة للموت تطوي أرواح المواطنين كما تطوي المسافات تماما.
لماذا لم ينزل أي مسؤول حكومي في الحوادث الأولى التي اهتز لها الرأي العام وتألم لها المغاربة في كل مكان، إلا عندما تكررت الحوادث. لنرى وزير السياحة ينزل إلى إقليم تارودانت، لتقديم التعازي لأسر فقدت أبناءها فوق ملعب لكرة القدم ما زلنا بعد لم نتوصل بنتائج التحقيق حول ملابسات الترخيص لبنائه فوق الوادي تماما. ونرى بعده دعوات أخرى إلى ضرورة قدوم وزير التجهيز، ووزيره المنتدب، ليرى بنفسه الفرق بين تصريحاته وأرقام وزارته التي تُبشر بانخفاض عدد ضحايا الحوادث هذه السنة، وبين واقع الحال الذي لا يزال المواطنون يموتون فيه بسبب مياه الأمطار التي تجرف الطريق والحافلة والقرية بأكملها، وكأننا في العصور الوسطى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى