الرئيسية

علي يعتة.. دهسته سيارة مجنونة في عز الخلاف حول التناوب الحكومي

ولد علي يعتة في شهر غشت 1920، ومات في شهر غشت 1997. خرج الرجل إلى الوجود في عز الصيف ومات في عز الصيف، مع اختلاف في مكان النشأة والرحيل. فقد ولد في مدينة طنجة التي كانت تعيش تحت الوصاية الدولية، من أب يتحدر من منطقة القبائل الجزائرية، غادر الجزائر تحت وطأة الحكم الاستعماري الفرنسي، ليستقر منذ عام 1911 في مدينة طنجة، إلى غير رجعة.
تزوج «السي سعيد»، خلال تواجده في طنجة، من فتاة ريفية تدعى فاطمة بن عمار، وقرر الاستقرار في شمال المغرب، بعدما أصبح إطارا في شركة التبغ. وحين كبر علي انتقل رفقة والديه إلى الدار البيضاء ليبدأ حياة النضال، سيما بعد استقراره في عمق المدينة القديمة.
ظل علي موضوع جدل حيا وميتا، خاصة وأن لغز موته ظل عالقا في أذهان رفاقه وخصومه على السواء. وحسب الرواية الرسمية، فإن الزعيم الشيوعي كان على موعد مع الموت بطريقة تراجيدية، قرب جريدة الحزب التي كان يعتبرها منبرا لإيصال رسالة الحزب النضالية. فقد اختطفه الموت بعدما كان ضحية حادثة سير مؤلمة أمام مقر الجريدة، يوم 13 غشت سنة 1997. تقدم الرواية التي نشرتها «البيان»، لسان حال الحزب، أن علي يعتة «ترجل من سيارته، متوجها إلى مقر الجريدة في الجهة المقابلة من الشارع، لكن سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس باغتته وصدمته بقوة بسبب سرعتها المفرطة، لترديه قتيلا».
ولأن الحادثة تزامنت مع الاستحقاقات الانتخابية، فقد خلق موت الزعيم الشيوعي صدمة كبيرة في وسط المشهد السياسي المغربي، بل هناك من أثار شكوكا حول وفاته، على اعتبار أن السيارة التي دهست الراحل، الذي لم يكن قد وضع رجليه بعد في الشارع حيث يركن سيارته، امتدت إليه وهو على الرصيف المقابل لمقر جريدة الحزب، علما أن الحادثة تمت في ظرفية صعبة، واجه فيها علي تيارا أطلق عليه اسم «الحركة الانشقاقية»، وقاده بعض أعضاء الديوان السياسي في حزب التقدم والاشتراكية.
تزامنت الوفاة التراجيدية لعلي يعتة مع الاستعداد الذي عرفه المغرب لحكومة التناوب في أول تجربة بالبلاد، تزامن جعل الكثير من الأسئلة، تماما كما وقع مع غيره من السياسيين، تطرح في العديد من المواقع، بين واصف للموت بالقضاء والقدر، ولاجئ لنظرية المؤامرة، كما ذهب إلى ذلك مجموعة من المحللين السياسيين.
ويقول أحد المشككين في الرواية الرسمية، التي انتشرت ساعات بعد وفاته، إنه «عندما توفي علي يعتة كان المغرب يستعد يومها لتجربة التناوب الحكومي التي قادها الزعيم الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي، غير أن الموت التراجيدي لم يمكن علي من المشاركة فيها».
رزق علي وزوجته «روزاليا» بأربعة أبناء، (التوأمان نادر وفهد)، والبنتان (ليلى وسامية). منهم من ولد بباريس في وقت كان والدهم يعيش في المنفى، وجلهم تابعوا دراستهم الجامعية في الطب أو الصحافة بروسيا. لكن الأسرة عاشت فواجع أخرى في وفاة أفراد هذه الأسرة، إذ مات نادر سنة 1996 بداء السرطان الرئوي، وكان يعمل صحافيا. وقبل أن تنسحب النكبة من بيت الأسرة، توفي علي بعد عام على فقدان ابنه نادر. ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد اختطف الموت، على حين غرة، الدكتورة ليلى يعتة، ابنة على يعتة، وهي تؤدي واجبها المهني في إحدى المصحات التي تشتغل بها مولدة. فارقت الدكتورة ليلى الحياة إثر أزمة قلبية باغتتها مباشرة بعد عملية توليد لإحدى السيدات بالمصحة التي تعمل بها.
شيع جثمان علي في مقبرة «الشهداء» بالدار البيضاء غير بعيد عن قبر ابنه، كما دفنت ليلى في المكان نفسه، وظلت الأسرة تخلد ذكرى الرحيل بكثير من التأثر، في تأبين يحضره اليهود والمسلمون والمسيحيون، سيما وأن الفقيد ظل مقربا من الطائفة اليهودية مناصرا لها، ورفيقا لرئيسها شمعون ليفي، الذي تزوج «انكارناسيون»، شقيقة زوجته «روزاليا»، فكان الانصهار بآصرة الفكر والدم أيضا.
على الرغم من انتمائه للحزب الشيوعي ومعاناته من أجل ضمان موقع قدم لهذا التنظيم في مغرب محافظ إلى حد كبير، فإن علي يعتة كان متدينا، بل أدى مناسك الحج، وكان الملك الراحل الحسن الثاني يستلطفه حين يناديه بـ«الحاج الشيوعي»، بل إن علي اعتاد على ختم مداخلاته في البرلمان بترديد الآية الكريمة: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم..» رغم تشبعه بالفكر الشيوعي. هذا الغموض لا يوازيه إلا غموض وفاة الرجل الذي لازال سرا يحير التقدميين والمحافظين على حد سواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى