شوف تشوف

الرأي

عن الانتخابات التي كانت في الخاطر

لعله وزير خارجية فرنسا على عهد حكم الاشتراكي فرانسوا ميتران من قال: إن الانتخابات في المغرب كثيرا ما تأثرت بظروف المجاملات ومقتضيات سد ثغرات المفاجآت. ورأى الكاتب الفرنسي ميشيل جوبير أن من عيوب بعض الانتخابات أن تكون نتائجها معروفة سلفا.
لم يكن يستند في توقعاته حيال استشارات دارت إبان زياراته المتكررة للمغرب، ولمدينة مكناس تحديدا، إلى استطلاعات الرأي، إذ تأتي أقرب إلى صعود دخان الخيط الأبيض، بعد إحصاء الأصوات وفرزها، وما إلى ذلك من الإجراءات ذات الصلة، وإنما كان ينظر إلى الأشياء بحدس المتابع الذي كان يأمل الكثير من تغيير صورة المغرب نحو الأفضل.
فقد كان يحبذ فعالية المؤسسات، لكن من دون تكييف نتائجها، وفهم من كلامه حول المجاملات أن هناك أشخاصا يصار إلى دفعهم إلى خوض غمار المنافسات الانتخابية، حين لا يبقى لهم من دور يمارسونه داخل الجهاز التنفيذي أو على رأس مؤسسات شبه عمومية.
من المفاجآت التي خرجت عن القاعدة أن وزراء وزعماء أحزاب وشخصيات متنفذة لم تتمكن في بعض الاستشارات من أن تحظى بما كانت تعول عليه. فقد كان المنطق السائد، خارج تعاطي أحزاب المعارضة التي كان يحسب لها، أن الاقتراع أشبه بوضع طابع البريد على غلاف الظروف، ليصل إلى مكانه.. عملا بقاعدة البريد المضمون الذي كان الوسيلة الوحيدة للتأكد من أن الرسائل تصل إلى أصحابها.
بين اعتبار الأمر إنذارا أو تملصا من تزكية ما كان قائما، أو قراءته في نطاق طعم التوابل التي تضفي على المذاق ما يسهل بلعه.. أخلفت استحقاقات وظروف مواعد حاسمة، حتى في وسع صديق للمغرب من مستوى ميشيل جوبير أن يتحدث عن الظروف والمجاملات، طالما أن العقول المدبرة لم تكن تنظر إلى الانتخابات من منطلق الاختيار، بل الإجبار الذي يبعث على نوع من الاطمئنان.
لم يغامر وزراء مثل صالح المزيلي وعبد القادر بن سليمان وبدر الدين السنوسي وأرسلان الجديدي وعبد الرحمن الكوهن والطيب بن الشيخ، والقائمة طويلة، بخوض الانتخابات، إلا نتيجة إدراكهم أن النتائج ستكون لفائدتهم. وقليلة هي الحالات التي خاب فيها ظن الوزراء، لأنه لم يكن واردا معاكسة التيار الجارف، أثناء صراعات حاسمة.
ساد اعتقاد خاطئ لسنوات وعقود بأن السياسة إن لم يتم التحكم في ضوابطها المشاعة بين الناس، فإنها تتحكم في تحديد المسارات، مثل أية أحداث طارئة لا تكون في البال. وقد كان الترشح للانتخابات التشريعية مثلا يقفز على الخرائط، ليبحث في تشكيل اللجان النيابية ورؤسائها وأمنائها، كما يقرأ فناجين التقلبات في اختيار رؤساء البرلمانات ووزراء القطاعات. وكنت سألت زعيما حزبيا عن دلالات ترشيح نائب من التقنوقراط، بالكاد يضع قدميه على الأرض، فكان جوابه أنه سيكون وزير الصيد البحري القادم، لولا أن الرجل لم يفتح فمه إبان ولاية تشريعية كاملة، لأنه كان يدير مسؤولياته في جانب من القطاع مثل خبير حسابات وليس بعقل سياسي.
وسمعت من وزير الشغل الأسبق محمد أرسلان الجديدي ما يفيد بأن وقته لا يسمح بحملة انتخابية في دائرته بالجديدة، لأنه كان منهمكا في جولات انتخابية لدعم مترشحي حزبه في دوائر متفرقة في مدن عديدة.. وعقب بأن بركة الولي الصالح مولاي بوشعيب تجعله أكثر اطمئنانا. وحين مازحه أحد مساعديه قائلا إن مولاي بوشعيب لا يدلي بصوته في الانتخابات، أجاب بأن من الناس من سيحلمون أنه أوعز إليهم بذلك. غير أن النتيجة لم تكن كما توقعها، لأن معطيات كانت تغيرت في ساحة الميدان الحزبي والسياسي.
لو أحصينا، على امتداد التجارب التشريعية، أعداد النواب الذين قيل إنهم حازوا على ثقة الناخبين في الدوائر التي ترشحوا فيها، من دون أن يكونوا قاموا بحملات أو زيارات تفقدية للدوائر المفترض أنهم سينوبون عن مصالح ساكنتها، لكانت المفارقة صادمة. لذلك فقد قال وزير أسبق إنه ترشح لأنه كان وراء مشروع مد خطوط الكهرباء إلى قرية تندرج ضمن دائرته، وفاخر آخر بأن الناخبين يعرفونه جيدا من خلال تدشيناته التي ينقلها التلفزيون.
لكن التدشينات لم تكن دائما على أهواء تمنيات الناخبين، وحين فوجئ وزير في الإسكان بأنه يتعين أن يعطي انطلاقة مشروع ترعاه إحدى المؤسسات التابعة للبنك الدولي، التفت إلى مساعديه يسألهم إن كانت هناك سابقة بمثل ذلك المشروع. وعندما جاء الجواب بالإيجاب، أمر بإحضار صورة ببيانات مصغرة عن حجم المشروع وكلفته، ودعا إلى وضعها في مكان التدشين، لأن أحدا لن يهتم بتفاصيل المشروع. لولا أنه، خلال أطوار حملات انتخابية في نفس الدائرة، واجهه الناخبون بأن المشروع كان حبرا على ورق، وأنه نقل إلى مكان آخر.. ولم يكونوا مجانبين للصواب.
تلك قصص من زمان انتخابات انقضت، هكذا يقول منطق الأشياء، لكن هل تغيرت صورة الممارسات النيابية بالقدر الذي يعزز خيار الثقة في هذا المسار؟ معظم المسؤوليات تقع على عاتق المنتخبين، ومن العسير معاودة اقتباس صورة الوزير أو النائب الذي فاز بمقعد في دائرة لم يخض فيها أي حملة ولم يزرها قط، إلا إذا كانت النوايا أبلغ من العمل، ومن كان ينوي أن يصبح برلمانيا فهجرته إلى مقر المؤسسة التشريعية، ولو على الأقدام أو عبر العض على النواجذ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى