شوف تشوف

غرارين هاجر 2.1

سألني أحدهم مستغربا عدم تعليقي على قضية الصحافية هاجر الريسوني المتابعة بتهمة الفساد والإجهاض غير المشروع، فقلت له إنني جد متأسف لما أصاب هذه المرأة ولشريكها الذي نسيه الجميع، فما وقع لهما لا تتمناه حتى لألد أعدائك.
والحقيقة أنه كان يمكن التعامل مع قضية السيدة هاجر الريسوني كحادث جد بسيط وعادي، امرأة مستقلة تعيش حياتها بكل حرية حدث لها مشكل خاص اختارت لحله طريقة فيها مأزق قانوني، والنتيجة أنها وجدت نفسها تحت طائلة قانون يوجد محط جدل.
غير أنه عوض أن يتم اعتبار الأمر حادثة بسيطة يمكن أن تقع لأي شخص، وتعيين محام جدي وله دراية بالقانون لكي يرافع من أجل إخراج هاجر بأقل الأضرار الممكنة من هذا المأزق، ويلتمس لها السراح المؤقت بضمانات قانونية معروفة، لكي تستمر حياتها المهنية والخاصة بشكل عادي، اختار جزء من محيط الصحافية المهني والعائلي تحويل المسألة إلى قضية وإلى ملف سياسي، وانبرى للدفاع عن قضيتها أشخاص معروفون بمسارعتهم لتسييس أي شيء وسعيهم نحو إغراق موكليهم في وحل التصريحات “الاستشهارية” التي لا تجدي نفعا، لمن ينوبون عنهم.
والنتيجة أن المتهمة وخطيبها ما زالا يقبعان في السجن، فيما يعودون هم للنوم في منازلهم، ولا يبدو أن أحدا من محيطها استحضر مصلحتها ومستقبلها، فالجميع مأخوذ بالبحث عن رد الصاع صاعين بكل الوسائل انتقاما لما يعتبرونه طعنا في شرف العائلة التي تحمل اسم رئيس اتحاد علماء المسلمين، الذي يعرف الجميع أنه ليس سوى جهاز لموظفين متنكرين في لقب علماء يشتغلون لحساب قطر ومصالح الإسلام السياسي الأمريكي في المنطقة العربية والعالم الإسلامي.
عادة ما يدافع الإسلاميون عن صورة منغلقة وغير صحيحة للإسلام، ويعتقدون أن التدخل بالقانون في المعتقدات والقناعات الدينية والحياة الخاصة للمواطنين بالتقنين والتجريم هو من صميم الدفاع عن الدين، والحال أن الإسلام الحقيقي يستند على مبدأ أساسي وهو الحرية التي تقود إلى الإيمان عن قناعة، لا الإجبار الذي يقود إلى الخنوع خوفا من العبد لا من الخالق.
الإسلام، الذي يتخذه البعض ذريعة للعب دور الواعظ الطهراني، هو أكبر ضامن لحرية المعتقد وحرية التصرف في الجسد وحرية ممارسة الحياة الخاصة، وعندما نقول حرية ممارسة هذه الأشياء فهذا لا يعني استعراضها وفرضها على الآخرين وتقديمها كنموذج وحيد وفريد لممارسة الحياة اليومية بل نقصد بها حرية الممارسة الخاصة في نطاق خاص.
في قضية ممارسة الجنس خارج إطار الزواج مثلا، فإن موقف الشريعة من إثبات الواقعة موقف متشدد بالشكل الذي يجعل هذا الأمر غير قابل للتطبيق عمليا.
فالزنا لا يثبت، فقهيا، إلا بأربعة شهود حضروا الواقعة ورأوها بكل تفاصيلها رأي العين، وإذا لم يكتمل النصاب لإثبات الواقعة فإن الشهود ملزمون شرعا بالتكتم عليها تحت طائلة إقامة حد القذف عليهم، لذلك فإن اشتراط شهادة أربعة شهود أدى إلى عدم وقوع حد الزنا إلا ناذرا في تاريخ الإسلام.
لكن القانون الوضعي لديه رأي آخر، فالفصل 490 من القانون الجنائي المغربي ينص على أن كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة فساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة.
مما يعني أن الدين أقل تشددا من القانون في هذه القضايا. لأن الإسلام الحقيقي مبني على العقيدة التي تربط المسلم بخالقه، وعلى الإيمان بأن الله وحده سيحاسبه على اختياراته الشخصية طالما أنه يمارسها في نطاق خاص ولا يجاهر بها وسط المجتمع فيتجاوز حريته المكفولة شرعا للمس بحريات الآخرين المكفولة شرعا كذلك. بمعنى أن الإسلام لا يعاقب على الزنا في الدنيا إلا إذا تحول إلى سلوك علني في تحد صارخ للنظام الاجتماعي، وفي ما دون ذلك يلزم المسلمين بالستر وبالتستر.
في قضية الشابة هاجر الريسوني هناك أسئلة مغيبة يجب الحسم في إجاباتها قبل اتخاذ أي موقف.
شخصيا ليس لدي أي موقف مسبق من هذه الصحافية ولم يسبق لي معرفتها من قبل، وكل ما أريده من خلال هذه الكلمات هو وضع الأمور في سياقاتها لكي لا تؤدي هذه السيدة ضريبة ليست لها، لأنه يبدو أن هناك في محيطها القريب والبعيد من يريد تحويلها إلى بطلة في معركة خاسرة مسبقا عبر تسييس ملفها وتحميله ما لا يحتمل.
السيدة هاجر صحافية مبتدئة وعادية ولم يسبق لها أن أتت بسبق صحافي أو فجرت تحقيقا خطيرا حول ملفات حساسة، لذلك فربط متابعتها بإزعاجها جهات معينة بسبب كتاباتها الصحافية فيه تجن كبير عليها وعلى الصحافة. كما أن ربط متابعتها بتصفية جهات معينة لحسابات مع أفراد في عائلتها هو استنتاج تبسيطي، فمن يكون هؤلاء حتى يشكلوا هاجسا للدولة وأي خطورة يشكلونها أو تشكلها أفكارهم ومواقفهم على النظام السياسي، طالما أن هناك في المغرب أشخاصا خطيرين فعلا، ومعروفين بتشددهم، ومع ذلك يعبرون عن مواقفهم، ويدخلون ويخرجون من المغرب بكل حرية.
وهذا طبعا لا يقلل من موهبة الصحافية هاجر ومؤهلاتها الواعدة في المجال الإعلامي، لكن القرار السليم هو إعادة وضع المسألة في سياقها وحجمها الحقيقي، لتفويت الفرصة على الباحثين، سواء في هيئة الدفاع أو المحيط الصحافي أو الحقوقي المتعطش لمثل هذه الدماء، عن لعب دور البطولة على حساب صحافية بسيطة.
السؤال الأول هل واقعة الإجهاض ثابتة في حقها أم لا؟
والجواب القانوني يفرض علينا جميعا القول بأن هذا أمر يعود للمحكمة وحدها البت فيه بالنظر للمحاضر وللخبرات الطبية والأدلة والقرائن والشهادات التي بحوزتها، وللمحكمة كذلك السلطة في تقييم مدى شرعية إخضاع موقوف لخبرة مضادة ومدى أحقية النيابة العامة في أن تأمر بذلك.
ومن المؤكد دستوريا وقانونيا أن من حق المتهم الذي يعتبر ذلك اعتداء عليه ومعاملة حاطة من كرامته، وضع شكاية ضد من يعتبر أنه أهانه أو عامله معاملة حاطة من كرامته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى