شوف تشوف

الرأي

فاطمة ضحية ستار وورز

في فرنسا،  كان حدث الأسبوع الماضي، وبامتياز، حدثا سينمائيا. فقد عرضت الحلقة السابعة من الملحمة السينمائية ستار وورز، حرب النجوم تحت عنوان «صحوة القوة». فما من صحيفة يومية، أسبوعية، قناة فضائية، محطة راديو، موقع إلكتروني إلخ، إلا وغطى الحدث،  بتجنيد نقاد السينما، جمهور المعجبين، خبراء في الشؤون العسكرية والإلكترونية، متخصصين في الأزياء، أساتذة في السيميئيات إلخ… نزل الفيلم وكأنه تسونامي جارف، ليتقدم في صبيحة يوم الأربعاء الماضي المشاهدون، مراهقون ومسنون على حد سواء  إلى  القاعات التي برمج بعضها العروض ابتداء من الثامنة صباحا. وقد أمكن للفرنسيين مشاهدة العرض قبل الأمريكيين الشيء الذي دفع ببعض المتفرجين الميسورين من أخذ الطائرة من أمريكا والمجيء إلى باريس لمشاهدة الفيلم. كما قفز بعض المغاربة من «أصحاب الحبة» إلى باريس خصيصا لهذا الغرض.  لم يسبق لفيلم في تاريخ هوليود أن أحيط ببارانويا السرية مثلما أحيط به فيلم ج-ج ابرامز، بحيث لم يوزع على الصحافيين خلال العرض الافتتاحي لا الملف الصحافي ولا أية معلومة عن الفيلم، كما أرغم هؤلاء على التخلي عن الكاميرات والهواتف النقالة والتوقيع على وثيقة يشهدون فيها بعدم إفشاء حبكة الفيلم أو نهايته. رافقت هذه الملحمة الأوبيريالية الفضائية منذ أن وقعها جورج لوكاس عام 1977 أجيالا بأكملها. وبين الحلقة السادسة والسابعة مرت  3 عقود، انتظر الجمهور أن يعود الفيلم لفك العقدة ووضع كلمة «النهاية» على قصة تتداخل فيها الشخصيات والأزمنة، لكن السلسلة تقوم على  سيكولوجية شد الأنفاس وعلى مبدأ تعليق النهاية إلى أجل غير مسمى. الجديد في الحلقة السابعة هو أنه يحمل بصمة مؤسسة «والت ديزني» التي اشترت حقوق الفيلم من مبتكر السلسلة جورج لوكاس الذي تقاضى أربعة ملايير من الدولارات على هذه الصفقة.  ولاستعادة هذا المبلغ عمدت «والت ديزني» إلى تفصيل  الفيلم، بشخصيات، … أمكنته إلى  سلع ومنتوجات فرعية تسمح لها بجني أرباح خيالية مع طموح تحطيم أرقام المبالغ التي حصلت عليها أفلام  جيمس كاميرون، مثل تيرميناتور، أفاتار وتيتانيك. ومع الحلقات الثلاث المتبقية من السلسلة سيكون بإمكان لوكاس وديزني التربع على إمبراطورية مالية وإعلامية قوية.  تزاوجت في هذه الملحمة عناصر التكنولوجيا الحديثة بالأساطير والأساطين البدائية والدينية في خدمة رسالة بسيطة وواضحة وهو أن الخير سيقهر الشر. «صحوة القوة» هي لما يفوز الخير على الشر. نحن هنا أمام منظومة أخلاقية  دمغت ولا تزال تدمغ التاريخ السياسي الأمريكي، من جورج واشنطن إلى باراك أوباما، مرورا بريغان وال بوش، الذين جعلوا منه شعار ولاياتهم ولسان حالهم يقول: سنقهر الشر الذي كان اسمه في الماضي الهنود الحمر واليوم يحمل أسماء القاعدة و«داعش». على مستوى المغرب لننتظر تصرفات وردود أفعال المتفرج المغربي لدى عرض «صحوة القوة» بالصالات المغربية.
في اليوم الذي نزلت فيه القوة الجارفة لستار وورز داخل 1300 قاعة سينمائية بمجموع التراب الفرنسي، أعلنت لجنة التحكيم لجائزة لوي دوليك عن فوز فيلم «فاطمة» للمخرج الفرنسي المغربي فيليب فوكون بهذه الجائزة الفنية القيمة التي تعتبر «جونكور السينما». الفيلم مقتبس من رواية المغربية فاطمة الأيوبي، «صلاة للقمر» الصادرة عن منشورات بشاري في باريس عام 2006. تحكي الرواية السيرة الذاتية  لفاطمة التي تزوجت برغبة من عائلتها، وهي مراهقة من عامل مهاجر يعمل في فرنسا. لما التحقت به، عوض أن يشجعها على تعلم اللغة الفرنسية والتأقلم مع الحياة الجديدة «أقفل» عليها جميع المنافذ.  في الأخير تركها رفقة ابنتين تكلفت بتربيتهما وسهرت على دراستهما. ولذلك اضطرت إلى العمل كخادمة لتكتشف الاحتقار، المذلات والعنصرية. في المساء تلجأ إلى مفكرتها لتدون باللغة العربية، كل ما يجول في خاطرها عن مسارها التعيس. لكن فاطمة لم تستسلم ولا ألقت السلاح بل قاومت مثلما تقاوم الأمهات في وجه الزمن: تابعت دروسا لتعلم الفرنسية، شاركت في محترفات، شرعت في القراة والكتابة. وبعد صدور مذكرتها وهي عبارة عن سيرة ذاتية حميمية، فرضت نفسها كأم شجاعة وكسيدة من الشعب صنعت نفسها بنفسها مثلها  مثل مغنية الصلام طاطا ميلودة. جعل فيليب فوكون من هذه الحكاية الخام عملا سينمائيا أخاذا.
لكن أي حظ، بالرغم من جائزته القيمة، لفيلم فاطمة أمام الاجتياح الكاسح لستار وورز للصالات وطوابير الجمهور العرمرم؟ جمهور يعيش حالة انتكاص إلى طور الطفولة. يستهويه أبطال يدقون السيوف الكهربائية ويتصارعون في عوالم احتمالية تمجد سلطة العنف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى