الرئيسية

فاطمة عفيفي.. زوجة الموسيقار عبد السلام عامر التي استمدت سلطتها من شقيقها الوزير

ولد الموسيقار عبد السلام عامر سنة 1941 بمدينة القصر الكبير، لكنه عاش حياته بين الرباط والدار البيضاء. بدأ الفتى مساره الدراسي في الكتاب وكان من حفظة القرآن الكريم، قبل أن يتفوق على باقي أقرانه في اللغة الإسبانية. اشتهر عبد السلام بحفظه عن ظهر قلب للعديد من الألوان الغنائية الشرقية والمغربية، من قبيل الموسيقى الأندلسية والطرب الغرناطي والأمداح النبوية، وفن السماع والإنشاد والملحون.
نظم عامر قوافي الشعر، ومارس فن التلحين بموهبته الفائقة، مع أنه لم يكن يجيد العزف على أية آلة موسيقية، ولم يولد أعمى ولكن هذه العاهة أصابته منذ صغره ورافقته طوال حياته حتى وفاته.
سافر عبد السلام عامر إلى مصر مع عبد الهادي بلخياط وعبد الحي الصقلي، برا عبر دول المغرب العربي، رغبة منهم في نشر الأغنية المغربية. وفي القاهرة اتصل بموسيقار الأجيال الأستاذ محمد عبد الوهاب وقدم له رفقة أصدقائه سمفونية «القمر الأحمر» وهي من كلمات عبد الرفيع جواهري وغناء عبد الهادي بلخياط.
اجتاز عبد السلام عامر خلال تواجده بمصر اختبارا في ميدان التلحين، ليقبل ملحنا ويصنف في الدرجة التي يستحقها. وبعد سماع اللجنة لألحانه رقته فورا إلى الدرجة الأولى مع كبار ملحني الشرق. وهو في القاهرة ارتبط عبد السلام بفتاة مصرية تقاسمت معه عشق الشعر، وساعدته في حله وترحاله، لكن الثالوث الفني المغربي قرر العودة إلى المغرب بعد نكبة 1967.
حين عاد إلى الوطن تزوج عامر من فاطمة عفيفي، ابنة الصويرة، شقيقة الوزير المنتدب الذي كان مكلفا بالعلاقة مع البرلمان، ورئيس بلدية الصويرة الطاهر عفيفي، القيادي في حزب الاتحاد الدستوري، وكان للعائلة نفوذ كبير في الصويرة.
بعد زواجه اختار عبد السلام عامر التعامل مع صفوة من الأصوات الجميلة المتمكنة، مثل المطرب الكبير عبد الهادي بلخياط ، والمطرب الرفيق محمد الحياني والفنان عبد الحي الصقلي والفنان الموهوب إسماعيل أحمد والمطربة سعاد محمد، صديقة زوجته، والتي غنت ملحمة «المسيرة الخضراء» بعد تلحينها من طرف عبد السلام عامر، لأنها كانت أول أنشطة ودادية متطوعي المسيرة الخضراء بالدار البيضاء، والتي كان الطاهر عفيفي كاتبها العام.
وبفضل دعم عفيفي حقق الموسيقار عبد السلام عامر نجاحا باهرا في عالم التلحين واعترف به جميع أهل الطرب والغناء، وردد أعماله الفنية الملايين من المستمعين والهواة والمحترفين. غير أن هذا النجاح تعرض لنكسة ومحنة أسكتت وأوقفت نشاط هذا الفنان.
تزوج عبد السلام عامر من الدار البيضاء ولم ينجب أطفالا، وعاش يتيم الأب مرتبطا بأمه وعاشقا لمدينته القصر الكبير، لكن زوجته فاطمة عانت وإياه من فترة ما بعد انقلاب الصخيرات.
يروي الطاهر عفيفي، شقيق فاطمة، زوجة عبد السلام عامر، الأزمة القاسية التي مر منها صهره، قائلا في تصريح في كتاب حول الفقيد: «شاءت الصدف أن يكون عبد السلام في الإذاعة أثناء وصول العسكريين إلى مقرها، حاملين معهم بلاغا يريدون بثه على أمواج الإذاعة الوطنية التي سيطروا عليها.. في البداية، اتجه العسكريون إلى عبد الحليم حافظ وأمروه بقراءة البلاغ العسكري الانقلابي، المحرر سابقا.. وبطريقة لا نعرف تفاصيلها، استطاع عبد الحليم التملص من ثقل المسؤولية وخطورتها، وانسلّ منها كما تنسلّ الشعرة من العجين.. وتوجه العسكريون، بعد ذلك، إلى عامر وأرغموه على تلاوة البلاغ على الفور. وبسبب عاهته، استحال على الملحن المغربي في بداية الأمر تنفيذ قرار العسكريين. سجل البلاغ وحفظه عامر وامتنع عن إلقائه لبعض الوقت.. في البداية، حاول أن يغير من حدة مقروئه، لكن فوهة البندقية الموجهة لجسده جعلته يتلو البلاغ العسكري أمام ميكروفون الإذاعة الوطنية وظل هذا البلاغ يتردد طيلة ساعات سيطرة الانقلابيين على بعض المواقع في العاصمة».
أخلي سبيل عامر، فغادر الإذاعة وتوجه إلى منزل أحد أفراد عائلة زوجته بمنطقة حسان، فيما ظل صوته يتردد على أمواج الإذاعة الوطنية مرات عديدة. فألقي عليه القبض واقتيد إلى ثكنة ظل بها مدة ثلاثة أيام. ولولا تدخل الأمير مولاي عبد الله لكان في عداد معتقلي «تازمامارت».
قضى عبد السلام عامر ما تبقى من حياته مهزوما، بسبب فاجعة البيان المذكور، وكان لا يغادر مسكنه في حي سباتة بالدار البيضاء إلا نادرا، وفي يوم الاثنين 14 ماي سنة 1979 توفي عبد السلام بمستشفى ابن سينا بالرباط، إثر عملية جراحية أجريت له لاستئصال الزائدة الدودية وهو مصاب بمرض السكري، لينقل جثمانه- حسب وصيته- إلى مدينة الدار البيضاء بدلا من مسقط رأسه القصر الكبير، ودفن بمقبرة «الشهداء» وهو لم يكمل بعد الأربعين سنة من عمره الحافل بالمفاجآت والتحديات. في سنة 2003 توفيت فاطمة بعد أن أصيبت بالوهن ولم يبق لها سوى أشعارا لا تفي للذكرى والتذكر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى