شوف تشوف

شوف تشوف

فاقد الشيء لا يعطيه

 

 

 

الذين ينتظرون شيئا من هذه الحكومة أو الحزب الذي يقودها عليهم أن يغسلوا أيديهم عليها بصفة نهائية.

واليوم أكثر من أي وقت مضى نستطيع أن نفهم لماذا لم تستطع الحكومتان المتعاقبتان، اللتان يقودهما البيجيدي، أن تنزلا الدستور على أرض الواقع، وأن تترجما مضامينه إلى تدابير ملموسة يستفيد منها المواطن.

والجواب ببساطة يكمن في أن وزراء الحكومة الملتحية لا يفهمون في المبادئ الدستورية شيئا، ويعولون في فهم مقتضياته على بعض “الفهايمية” في القانون الذين لا يجيدون إلا التسنطيح والفتاوى الخاطئة.

واليوم بعد واقعة مشاركة الداودي في الوقفة الاحتجاجية أمام البرلمان يوم 5 يونيو الجاري، نرى كيف أن الأمانة العامة للحزب الحاكم انعقدت في اليوم الموالي، وأصدرت بلاغا لا يزال منشورا بصفحة الحزب، تؤكد من خلاله أنها “خصصت اجتماعها لمدارسة تداعيات مشاركة الأخ الدكتور لحسن الداودي في وقفة احتجاجية أمام البرلمان أمس الثلاثاء ليلا”، ومما جاء في البلاغ أن الأمانة العامة قامت باستعراض مختلف المعطيات ذات الصلة وتداول أعضاؤها في الموضوع، لتخرج بخلاصة أن مشاركة أخيهم لحسن الداودي في الوقفة مجانبة للصواب وتصرف غير مناسب، وقبولهم لطلب أخيهم لحسن الداودي إعفاءه من مهمته الوزارية… إلخ.

البلاغ وقعه الأمين العام سعد الدين العثماني، وأكده رجل القانون المفوه المصطفى الرميد لبعض المنابر الإعلامية، حيث صرح بأن الأمانة العامة للحزب وافقت بالإجماع على الطلب الذي تقدم به لحسن الداودي لإعفائه من مهامه كوزير مكلف بالشؤون العامة والحكامة.

24  ساعة بعد إصدار البلاغ الأول، وبعد ارتفاع الأصوات المستنكرة لهذه الخطوة الطائشة، ومطالبتهم باحترام الفصل 47 من الدستور الذي يعطي للملك الاختصاص في تعيين الوزراء وفي إعفائهم، سيكتشف الرأي العام حجم الأمية الدستورية التي يعاني منها رئيس الحكومة ومن معه، وخصوصا قدرتهم الهائلة على الكذب عندما سيحاولون تدارك الموقف عبر بلاغ استدراكي ليوم الخميس، للتغطية على الهفوة الدستورية التي وقعوا فيها بالإجماع، ليؤكدوا من خلال البلاغ الجديد على حرصهم على احترام اختصاص المؤسسات الدستورية والتقيد بمقتضيات الدستور الواضحة في هذا الإطار.

وقالت الأمانة العامة، في بلاغها “الاستدراكي”، الذي وقعه هذه المرة نائب الأمين العام سليمان العمراني، إن الأمانة العامة لم تتلق أي طلب إعفاء من المهمة الوزارية من الأخ الدكتور لحسن الداودي، الذي اعتذر عن حضور الاجتماع، وإنما أخذت علما به، وثمنت موقفه الشجاع.

ونفى بلاغ الحزب أن تكون الأمانة العامة قد ناقشت طلب الإعفاء المذكور، مشددة على أن الأمر ليس من اختصاصها ولم يكن مدرجًا في جدول أعمالها، ولم يعرض على المجتمعين بأي شكل من الأشكال، مما يعني أن بلاغ سليمان العمراني جاء ليناقض بلاغ سعد الدين العثماني، ويكذب “عاين باين” على الرأي العام عبر بلاغ الخميس، حتى قبل أن يجف حبر بلاغ الأربعاء، وكل ذلك بعدما فطن البواجدة إلى كونهم اعتدوا على اختصاص من الاختصاصات الدستورية للملك، وحاسبوا بصفتهم الحزبية الضيقة وزيرا من وزراء الحكومة، وقيموا تصرفه تقييما سلبيا، وقبلوا استقالته، ولم يبق لهم سوى أن يعينوا وزيرا بدلا عنه.

إن هذه الواقعة تكشف عن جهل فظيع لدى الأمين العام لحزب المصباح وأعضاء أمانته العامة بالمبادئ التي تحكم العلاقة بين المؤسسات الدستورية، وتوضح أسباب عدم قدرة وزرائه على استيعاب الحقوق التي جاء بها دستور المملكة وتدعيمها، وخاصة منها الحق في حرية الرأي والتعبير، التي يبدو أن هذه الحكومة أصبحت من أشد المعادين لها.

فخروج رئيس الحكومة رفقة الناطق باسمها، في مسيرات فاتح ماي، من أجل دغدغة مشاعر العمال، بدل تفعيل الحوار الاجتماعي من موقع المسؤولية الحكومية، وحضوره لحفل تقيمه مدرسة في ملكية أحد المبحوث عنهم دوليا عبر الأنتربول، وأخذ الصور التذكارية معه، والتحاق وزير ما يسمى بالحكامة بوقفة احتجاجية لعمال شركة الحليب أمام البرلمان، بدل إيجاد حلول لمشكلتهم من داخل المؤسسات الرسمية، وقبول الحزب لطلب إعفاء وزير قبل عرضه على الملك، وانتصاب الوزير المكلف بحقوق الإنسان طرفا مدنيا في مواجهة الصحافة ومطالبته بمائة مليون كتعويض في القضية، وإنكار وزير التشغيل لوقوع تحرشات في حق عاملات الفراولة بالجارة الإسبانية، حتى قبل القيام بأي بحث في الموضوع، بالرغم من وقوع متابعات قضائية في القضية، قبل أن يقر بذلك بعدما خرجت مسيرة في ويلفا الإسبانية تضامنا مع هؤلاء العاملات.

كل هذه اللخبطة السياسية، وغيرها من المفارقات التي نعيشها اليوم، تكشف لنا أن فاقد الشيء لا يعطيه، وتعكس حالة من الكسل والجمود الفكري لدى هؤلاء المسؤولين العاجزين، والذين لا يرغبون إلا في البقاء فرق الكرسي بأي ثمن، والاستفادة من امتيازاته ومنافعه “الحلال”، دون بذل أي مجهود أو خوض أية معركة للدفاع عن مصالح الفئات التي بوأتهم تلك المسؤوليات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى