الرأي

«فرشة تلفزيونية ممتعة»

الجمهور يريد أن يصدق، لكن من يصدق خصوصا وأن الميدان الفني والتلفزي تتدخل فيه أطراف لها مصالح متضاربة، حيث كل طرف يغني على ليلاه ويسحب البساط من تحت أقدام المنافسين، لذلك تتعدد الروايات حول الحدث الواحد، ويجمع الخيال بالبعض فيصنع للحدث أجنحة يحلق بها في أجواء «الفانتزمات» والأساطير، وتكون النتيجة هي إجبار الإعلام بكل أصنافه وتنويعاته على ترديد أخبار مغشوشة يتم تكذيبها في اليوم الموالي بأخبار أكثر غشا وتمويها إلى أن تضيع الحقيقة ويتفرق دمها بين قبائل المواقع «الإلكترونية» والصفحات الفيسبوكية التي تدخل في سباق محموم شعاره: من يستطيع أن يكذب أكثر، ومن يتقن فن الغش والتدليس والنصب على القارئ المغلوب على أمره الذي سينتهي به المطاف إلى عدم تصديق الأخبار الإلكترونية الصحيحة منها والكاذبة.
وخلال المدة الأخيرة لم يستسغ منتجو بعض البرامج التلفزية أن تتسرب أخبار تفيد بأنهم سعوا إلى استغفال الجمهور بتقديم بضائع مغشوشة تخرق حتى القواعد التي هم من وضعوها أصلا.
وهكذا لم يتقبل منتجو برنامج «جار ومجرور» أن تنشر أخبار تفيد بأن الكاميرا الخفية التي ينتجونها لرمضان المقبل لا تحترم قواعد اللعبة، وإنما تلجأ إلى تواطؤات مع بعض الفنانين الذين سيؤدون أدوارا بها عن سابق معرفة وإطلاع بأن الأمر لا يتعلق بتاتا بـ «كاميرا خفية.»
أما منتجو فضيحة «لالة لعروسة» بعدما تسربت أخبار عن عدم توفر الشروط المطلوبة من «عروسين» سبق لهما الزواج وإقامة عرس على رؤوس الإشهاد، لم يحاولوا معالجة هذه القضية بما تقتضيه قواعد اللعبة أيضا، فصدرت عنهم تصريحات متناقضة حسموها في الأخير بالاحتفاظ بـ «الكوبل» المطعون في مشاركته في البرنامج، حتى لا يستنزف تصحيح هذا الخطأ الفادح مصاريف أخرى في حال إعادة تصوير «البرايمات» والكابسولات، وهذا يعني أن أصحاب «لالة لعروسة» التي قفزت من خارج طلبات العروض، ضحوا بالمصداقية عوض التضحية بجزء بسيط من ميزانية البرنامج التي تقدر بمليار و59 مليونا، فيما تبلغ ميزانية حلقة واحدة منه 117 مليون سنتيم، فالجودة والابداع آخر شيء يمكن أن يشغل بال مثل هؤلاء المنتجين الذين تعودوا على حلب بزولة التلفزيون كل سنة، بلا حسيب ولا رقيب.
وبعيدا عن الإنتاج التلفزي، شاهدنا كيف تعلم حضور الكاميرات الغش حتى للأشخاص الذين لم يعتادوا على الأضواء، كما حدث في قصة «نطحة» خولة للممثلة دنيا بوطازوت، ذلك أن خولة لم تعتد على هذه الأضواء التي سلطت عليها دفعة واحدة، وما إن غادرت سجن عكاشة حتى لاحقتها الكاميرات وحاصرتها من كل جانب، فهمس أحد أقاربها في أذنها: «غيبي، غيبي»، أي أنه طلب منها أن تؤدي دورا تمثيليا وتتظاهر بالإغماء وتغش في قواعد اللعب بل وفي الحقيقة ذاتها، مما أفقدها الكثير من التعاطف الشعبي، بنفس الطريقة التي فقدت بها المنطوحة «الزغبية» دنيا بوطازوت شعبيتها رغم أنفها، إثر الحادث المؤلم، وبعد القبول بـ «مصالحة» مغشوشة مع عائلة «الناطحة» خولة.
يقول فقهاء اللغة إن الغش هو «ما يخلط من الرديء بالجيد» وهو «كتم كل ما لو علمه المبتاع كرهه»، والغش وحده قادر على أن يضرب كل مصداقية في الصميم، فيما المصداقية هي الرأسمال الحقيقي للفنان والمنتج والإنسان عامة، وفي غيابها لا يمكن لأحد أن يغش ويتمسك بشعار: «شوف وسكت».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى