شوف تشوف

الرأي

فوضى مثيرة للشفقة

مخطئ من لا يفزعه مغرب اليوم، ومخطئ أيضا من لا يرى من خلاله انسدادا غير مسبوق للأفق الثقافي والفكري والحضاري. فها هي البلاد تعيش أزمة سياسية تشل الحياة العامة، ومخطئ من يقارن بين الأزمة السياسية عندنا والأزمات السياسية التي تعيشها بعض الدول الديموقراطية عقب كل انتخابات. والأخطر هو أن تكون هذه الأزمة السياسية لها علاقة بتكتيكات حزبية ولا علاقة لها بالأفكار والأطروحات الإيديولوجية والفكرية، إذ هي أزمة ناتجة عن صراع مواقع بين حزبين، الأول يعتمد الدين وسيلة للاستقطاب والتجييش، والثاني يعتمد على نفوذ نخبته لفرض منطقه، أي أننا لسنا أمام مشروعين مجتمعين متناقضين في الصميم، مثلما يمكن أن نلاحظه بالعين المجردة بين حزبي اليمين واليسار في إسبانيا أو فرنسا.
في ظل هذه الأزمة التي لا هوية فكرية وثقافية لها، هناك رجل يختصر سلوكه وثقافته ومشروعه كل ما تحمله كلمة «سوق» من معنى، من قبيل «تسويق» و«سوقية» «سوقة» يدعى نور الدين عيوش، يسعى هذه الأيام إلى أن يقنعنا بأن الأساليب والمفردات والتعابير السوقية التي تروج في الحانات الرخيصة ودردشات «السويقات» الشعبية لمحور «القنيطرة-الدار البيضاء»، بأنها «لغة أم» ينبغي ترسيمها دستوريا وفرضها على مغرب يمتد من طنجة في أقصى الشمال الغربي إلى الكويرة، وكأني بالمغرب قد خرج للتو من استعمار برتغالي محا تاريخه وهويته، بل ويسعى لإقناعنا بأن هذا الترسيم كفيل بحل مشكلات المدرسة العمومية، وكأني بمئات الآلاف من أطفال الأحياء والقرى والبوادي الفقيرة الذين يغادرون المدارس سنويا، إنما سيعودون إليها بمجرد أن يقرؤوا في الكتب المدرسية الكلمات التي يستحيون من النطق بها أمام آبائهم، مع أن المغاربة قد اختاروا بالإجماع سنة 2011 دستورا يرسم لغتين، عربية وأمازيغية.
في هذا الأفق القاتم، خرجت وزارة للتعليم بتبريرات مخجلة لكارثة اعتماد كتاب مدرسي لمادة التربية الإسلامية موجه لأطفال الجذع المشترك في التعليم الثانوي، يتبنى المقاربة نفسها التي تتبناها «داعش» وباقي التيارات الدينية الأرتودوكسية في تكفير وتسفيه كل ما يمت للفكر العقلاني والعلمي والمنطقي، بل وتصر الوزارة على إدخال اعتماد هذا الكتاب على فتاوى ابن تيمية في تسفيه الفلسفة، إدخاله في «الوسطية واعتدالا». فنرى كيف تعمل وزارة تشرف على تربية وتعليم 7 ملايين طفل ينتمون للقرن الواحد العشرين على إعادة إنتاج إشكالية ميتة تعود بنا إلى القرن الثاني عشر.
إذن، ألا يستحق مغرب بهذه الفوضى شفقتنا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى