الافتتاحية

في ضرورة الإصلاح

بدأت رقعة المطالبة بالإصلاحات الدستورية تتسع داخل الطبقة السياسية، بعد مرور 8 سنوات على اعتماد وثيقة 2011، وإلى اليوم، عبرت أربعة أحزاب (الاستقلال، الأصالة والمعاصرة، الأحرار والاتحاد الاشتراكي)، تلميحا أو تصريحا، عن رغبتها في إدخال تعديلات على أسمى وثيقة في الدولة تسمح بضمان تدبير جيد للسلطة والتنافس حولها.
ولقد سبق لنا في هذه الافتتاحية، قبل شهر، أن نبهنا إلى الحاجة لإجراء تعديلات دستورية دقيقة لتجنب تكرار ما جرى خلال «البلوكاج» الحكومي في 2016، الذي كلف البلاد خسائر سياسية ومالية كادت تدخلها في متاهات أمنية.
إن تعديل الدستور ليس بدعة، وليس إجراء مجرما قانونا بمقتضى أحكام الدستور نفسه، بل من صلاحيات المؤسسة الملكية أو البرلمان أو بمبادرة من رئيس الحكومة إجراء التعديل الدستوري المناسب، باعتباره يمثل إرادة الأمة والمعبر عن انشغالاتها واهتماماتها، وهذا الحكم لا يخلو منه دستور في العالم وتاريخيا كانت مطالب الإصلاح الدستوري جزءا من السلوك السياسي للطبقة السياسية في خطابها مع المؤسسة الملكية، ولم يكن ذلك يشكل أدنى مشكل لدى أعلى سلطة في الدولة التي تجاوبت في مرات عديدة مع الإصلاحات المطلوبة.
واليوم على الفاعل السياسي أن يتحمل مسؤوليته لإطلاق ورش الإصلاح الدستوري، بعيدا عن التجاذبات السياسوية و«البوليميك» الإعلامي.
طبعا حزب العدالة والتنمية ينظر بعين الريبة إلى تنامي مطالب الإصلاح الدستوري داخل الأغلبية والمعارضة، ويرى في مثل هاته التحركات نوعا من استهداف قوته السياسية ومحاصرة مده الانتخابي، وينسى أن المبادئ والمقاصد الدستورية تتجاوز اللحظة الانتخابية، وهي بطبيعتها فوق الانتدابات الحكومية والبرلمانية، هي مرتبطة بالقواعد الاستراتيجية التي تضمن توازن النظام السياسي وتجنبه السلوكات التي قد تعطل المؤسسات الدستورية وتشل العلاقة بين السلط.
ولذلك، لا يختلف الكثير على أن فكرة إدخال بعض التعديلات أو التحسينات على الدستور الحالي أصبحت طرحا موضوعيا ومبررا، وبدون شك، لم تأت الحاجة لهاته الفكرة من العبث أو لتصفية حسابات كما يزعم بعض رموز الحزب الحاكم داخل لقاءاتهم الداخلية، بل جاءت نتيجة الصعوبات التي سجلت خلال الثماني سنوات من إعمال الوثيقة الدستورية، خصوصا تلك المتعلقة بتسيير بعض المؤسسات الدستورية وضمان انسجامها لتحسين أدائها في تحقيق المقاصد الدستورية، فضلا عن الأعطاب السياسية التي ظهرت في حينها، وأبرزها الاستهتار الذي أبداه الفاعل الحزبي في تشكيل السلطة التنفيذية وضمان استمرارها بنوع من التضامن والانسجام.
فالإصلاح الدستوري وإعادة النظر في المنظومة الانتخابية العتيقة، أصبحا قدرا لابد منه وأمرا لا غنى عنه لقيام مؤسسات دستورية قوية ومنسجمة تعود بالنفع على البلاد والعباد، بدل المؤسسات المترهلة التي تعيش على إيقاعات الحروب المستمرة بين مكوناتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى