شوف تشوف

قانون لا يجب أن يمر

رغم التنبيهات الرسمية، سواء من طرف الملك في خطابه الأخير، أو من طرف وزارة الداخلية، على ضرورة الفصل بين البرلماني والحكومي والمحلي، فإن الغريب هو أن رئيس الحكومة، الذي يعتبر إشرافه على الانتخابات انتصارا سياسيا، مصر على توظيف ما يعتبره إنجازات الحكومة في انتخابات ستفرز مسؤولين يدبرون الشؤون اليومية للمواطنين، وهو التوظيف الذي يشبه الضرب تحت الحزام.
بنكيران ووزراؤه، الذين يشرفون على الحملات الانتخابية، يمارسون تضليلا كبيرا، ليس فقط لكونهم يختزلون «إنجازاتهم» في ملفات تتحكم فيها الظرفية الاقتصادية العالمية، ولكنهم أيضا لأنهم يستغفلون الرأي العام عندما يعملون على تمرير مراسيم وقوانين تضرب في العمق كل المكتسبات التي حققها العمال والموظفون طوال عقود، باسم الإصلاح، ولنا في مدونة منظمة للتعاضديات خير دليل على ذلك.
فقد صادق مجلس المستشارين، في جلسته العمومية ليوم الثلاثاء 7 يوليوز 2015، على مشروع قانون رقم 109.12 بمثابة مدونة التعاضد، دون أن يثير هذا التصويت النقاش الذي يستحق، لكون قطاع التعاضد الذي ينظمه إطار قانوني يعود إلى 1963، يعني قطاعات واسعة من الموظفين تقدر بالملايين.
وللتذكير فإن روح هذه المدونة تمت صياغتها من طرف حكومة سابقة والفضل لا يعود إطلاقا لحكومة بنكيران التي ألفت هذه الأيام مع حرارة الحملة الانتخابية أن تسند لحسابها كل ما ينجز في هذا الوطن مختلطا عليها أمر انتخابات الجماعات المحلية مع الانتخابات التشريعية، إلى درجة أصبح معها المرشح عوض الحديث عن مشاريع الواد الحار يتحدث عن إنجازاته في تشييد الطرقات والقناطر وإعلان لوائح مأذونيات النقل.
وفي هذه الجلسة العمومية التي لم يكن يتعدى أعضاؤها عدد أصابع اليد الواحدة قيل إن التصويت كان بالإجماع، علما أن آخر تقرير لهذه الجلسات بالموقع الإلكتروني لمجلس المستشارين يعود إلى شهر فبراير الماضي وتقاريره لا تشير إطلاقا إلى عدد الحاضرين علما أنها لا تُسقط شيئا من الجلسات بما فيها الكلام الدارج من قبيل «شكون وعلاش وكيفاش…» الذي يتفوه به المستشارون في سياق الكلام.
إن الإجماع الوحيد الذي يمكن أن نأخذه على محمل الجد هنا هو الغياب المهول للمستشارين وبالتالي يصبح الطعن مباحا في قرارات تؤخذ في غفلة أو استغفال الجميع، خصوصا في قرارات ترهن قطاعات واسعة من الموظفين.
فهل يعقل أن نقرر ببضعة مستشارين في قضية تهم ما يزيد عن أربعة ملايين من منخرطي التعاضديات وذوي حقوقهم ؟
هل يمكن للمتوفر الآن من البنيات الطبية العمومية والخاصة أن يؤمن الخدمات التي تقوم بها التعاضديات ومنشآتها الاجتماعية ؟
الجواب لن نقدمه لأنه موجود في مستشفياتنا العمومية ويعيشه يوميا المترددون على مصحاتنا الخصوصية التي تكمن خصوصية أغلبها بالطبع في قوانينها الخاصة التي تسلطها قهرا على طالبي العلاج.
الغريب في هذه الجلسة أن السيد الوزير التقدمي في التشغيل والشؤون الاجتماعية الصديقي، الذي قال يوما إنه يسرح الشعب، قدم خطبة عصماء في تقديمه لمشروع المدونة، التي وجدها فوق مكاتب وزارته ضمن الإرث الذي ورثته الحكومة من سابقاتها مجانبة الصدق بادعائها السبق لهذا المشروع كما فعلت مع نتائج الحوار الاجتماعي لـ2011 الذي لم تقم إلا بتطبيقه بشكل ناقص، أو كما حاولت أن تفعل مع مشروع «راميد».
فالصديقي يكذب وينسب لنفسه ما ليس له، فقد لاحظناه يستغرب في كلمته تأكيده على البعد الاجتماعي لهذا المشروع الهادف حسب زعمه إلى تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب، مبرزا أن ذلك يدخل في إطار الجهود المبذولة لتفعيل البرنامج الحكومي والمخطط التشريعي وأجرأة الالتزامات المتفق عليها مع الشركاء الاجتماعيين في الحوار الاجتماعي.
مصدر الاستغراب هو أن النقابات المفترى عليها هنا، بما فيها النقابة التي يحلو لسعادته أن «يتبند» فوق منصات مختلف لقاءاتها، تجمع كلها على أن موادا كثيرة في المشروع المصادق عليه لا تخدم إلا مصالح لوبي المصحات الخاصة وشركات إنتاج الدواء التي ترى في الخدمات الطبية التي تقدمها التعاضديات عبر المصحات والعيادات التابعة لها مصدرا ماليا يفلت من قبضتها وتضغط لتحويله لحسابها.
وبالطبع هذا المسعى لم يتأت لها مع الحكومات السابقة التي كانت تحمل حدا أدنى من الإيمان بالقضايا الاجتماعية، عكس ما يسير نحوه السيد بنكيران وإخوانه وكذلك رفاقه في حكومته في انسجام تام مع تصريحاته المتكررة حول ضرورة التخلص مما يعتبره عبئا على الميزانية كالإنفاق على التعليم والصحة العموميين والدفع باتجاه خوصصتهما.
ولعله بهذا الحل سيحمل في حكومة مقبلة حقيبة وزير التعليم المخوصص. وهنا لسنا بمازحين فالسيد بنكيران وإخوانه عبر التراب الوطني يملؤون ما شاء الله من مؤسسات التعليم الخصوصي المنتظم في رابطة على رأسها أخ له يقدمه بنكيران كنموذج ينبغي أن يحتذى به في مغادرة التعليم العمومي والاستثمار في التعليم الخصوصي.
السي الصديقي لم يكن صادقا حين أقحم زورا تطبيقه لالتزام مع النقابات في الحوار الاجتماعي لأن الموضوع لم يطرح بعد في جدول الأعمال للسبب المعروف، وهو أن بنكيران وإخوانه ورفاقه يمارسون الابتزاز في ملف التقاعد الذي تشير كل المؤشرات على أن الرجل سيعتمد حلا من طرف واحد.
ثم ألا يعد الحديث عن الحوار الاجتماعي في عهد هذه الحكومة ضحكا على الذقون؟
متى تم وماذا أنتج ؟
هنا نذكر السيد بنكيران وحكومته بسؤال ينتظرهم في موعد انتخابي لاحق يتعلق بشكل صرف المال الذي توفر مع انخفاض ثمن البترول واعتماد المقايسة والرفع من بعض الضرائب وتقليص الدعم عن مواد عديدة رغم نزول سعرها في السوق الدولية، وتميز السنين الأخيرة بمواسم فلاحية جيدة، وتحويلات مهمة من العملة الصعبة.
السي الصديقي وحكومته ليسوا صادقين بالمرة حين أقحم رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي، لأن هذا ليس منهجهم في العمل، وإلا لماذا لا يحترم الوزير الداودي رأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين في موضوع الشراكة وهددت حينها مدام الشوباني 2 وكذلك أفتاتي، قبل أن تخونه فتوته مع زعيمه بنكيران بفرض التعديل في قانون التعليم العالي بإعمال منطق الاستقواء بالأغلبية العددية في مجلس النواب.
السيد الصديقي وحكومته ليسوا صادقين كذلك بالمرة حين دبج خطابه بكون مشروع القانون يسعى إلى تحديد مجالات النشاط والمراقبة العمومية للقطاع التعاضدي، وتحسين الحكامة وتعزيز الديمقراطية الداخلية.
سبب عدم الصدق وانعدام مصداقية الخطاب هو حالة الصمم التي تصيب الحكومة حين يتعلق الأمر بالفساد التعاضدي. فما الذي يمنع من إجراء المفتشية العامة للمالية لافتحاص التعاضديات كلها دون استثناء ودون انتقاء بدلا من توظيف هذه الصلاحية القانونية لحسابات الصراعات السياسية ؟
وما الذي يمنع السيد وزير العدل بصفته رئيسا للنيابة العامة من الأمر بفتح تحقيقات حول كل ما نشرناه حول أشكال الاختلال داخل التعاضديات ؟
وما الذي يمنع المجلس الأعلى للحسابات من إجراء افتحاص لهذه المؤسسات التي قضت محكمة النقض في السنة الماضية بكون ماليتها عمومية ؟
ثم ما هو مصير تقارير لجان المراقبة التي تمثل فيها وزارة المالية ؟
عوض إصلاح التعاضديات عبر المحاسبة ومعاقبة المفسدين داخلها وتطوير قطاع التعاضد، مثل فرنسا الذي تعتبره من المقدسات، ها نحن نرى كيف تقدم الحكومة مشروعا للقضاء على قطاع التعاضد ووضعه تحت رحمتها.
كل هذا خدمة للوبي الأدوية والمصحات وشركات التأمين.
فهل سيصحو البرلمان لكي يوقف هذا القانون عند حده حماية لقطاع يضمن العلاج لملايين الموظفين ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى