الافتتاحية

قمة العشرين «قفشة»

وجد رؤساء عشرين دولة أنفسهم في موقف محرج، خلال افتتاح قمة مجموعة العشرين، في أوساكا اليابانية. وكشفت المشاهد التي التقطتها عدسات الكاميرات تصرفات غريبة قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تلتها تصريحات سارت عكس التصريحات السابقة التي كان أطلقها ضد كل من الصين واليابان وتركيا وإيران. وبدل أن تُظهر مثل هاته اللحظات الديبلوماسية الحد الأدنى من المجاملات واللباقة واللياقة بين قادة كبار دول العالم، فإنها أظهرت حجم الانقسام وعدم الود وصراع المصالح الذي يسود العلاقات بين العشرين الكبار.
ووجد رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، نفسه في موقع محرج، حينما كان يهم بمصافحة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ليبقى آبي مادّا يده لثوان دون أن ينتبه له. كما تعرض الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لموقف محرج وهو يحاول الحديث مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي أدار وجهه وفضل الحديث مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. وفي لقطة لا تخلو من إشارات ديبلوماسية، طلب «ترامب» من نظيره الروسي «بوتين»، أمام كاميرات الصحفيين، عدم التدخل في الانتخابات الأمريكية العام المقبل. وتعرض رئيس الوزراء الإسباني لحركة قاسية حينما هم بمصافحة ترامب الذي أمره بالجلوس في المكان المخصص له.
دون أن ننسى الود البارد بين ترامب والرئيس الصيني شي جينبينغ بسبب فرض واشنطن لعقوبات قاسية، كانت أشبه بحرب اقتصادية على الصين، تسبَّبت بضربات موجعة، أهمها حظر «هواوي»، قبل أن يقرر الرئيس الأمريكي، مثل طفل ثري ومدلل، أن يرفع هذه العقوبات ويعفو عن الشركة الصينية.
الأكيد أن تلك اللقطات ليست صدفة بل مشاهد يختارها الرؤساء بعناية فائقة، وهي تجسد بالفعل واقع المنتظم الدولي والعلاقات الدولية المليئة بصراع المصالح التي تشرعن الدسائس وتسمح بممارسة الإحراج أمام الكاميرات. فالجميع يدرك أن قمة أوساكا انعقدت في ظل توترات متعددة مليئة بالألغام هيمنت عليها الحرب الاقتصادية بين أمريكا والصين، والصراع الدائم بين واشنطن وروسيا حول قيادة العالم، وغضبة ترامب من صفقة صواريخ أردوغان وتهديدات إيران وصفقة القرن المغضوب عليها شعبيا، واهتزازات الاتحاد الأوربي بعد قرار بريطانيا الانسحاب منه وغيرها من التوترات الإقليمية التي تفرق بين قادة العشرين الكبار.
كان من المنتظر أن تشكل أرفع قمة في الكون كاسحة للألغام الديبلوماسية والمخاطر الأمنية والتهديدات البيئية، لكن ما وقع مغاير تماما للتوقعات، حيث فشلت القمة في إيجاد حل للملفات المعقدة، ويبدو أنه حتى اللقاء الذي تم الرهان عليه بين ترامب وجينبينغ، لم يحدث أي انفراجة في الأزمة التجارية بينهما، ماعدا إظهار إشارات حول مواصلة المحادثات والمفاوضات.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل هناك إرادة لدى القادة الكبار لإخراج العالم من أزماته؟ المؤكد أن تداخل المصالح الاستراتيجية تقول إن قمة أوساكا لن تختلف عن سابقاتها وستظل أحوال العالم كما هي يسودها الكثير من التوترات والقليل من الحلول، وستبقى مثل قمة الكبار مجرد بروتوكولات دبلوماسية تتخللها قفشات محرجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى