الرأي

قوانين التاريخ الثلاثة (2/2)

لا إكراه في الدين وحرية الاعتقاد خروجا ودخولا، وحرية التعبير والتجمع عليه والدعوة له بشر بها الأنبياء كمشروع إنساني تحول إلى بند راسخ في دساتير العالم، ولعل تشديد الغرب على منع إعدام أوجلان في تركيا يدخل تحت هذا البند، والديمقراطيات الغربية بدأت في التحرك لنقل مفهوم (رفع الإكراه) من حزامها إلى خارجها على صورتين: الانتقال من تحريم الإكراه الإيديولوجي والمذهبي إلى العرقي وهو أخطر، وثانياً محاولة منعه خارج المنظومة الديمقراطية.
الجهاد في الإسلام لم يشرع لنشر الفكر بل لرفع الظلم والإكراه والفتنة عن (الإنسان) أينما كان ومهما دان، وبذلك يصبح الجهاد دعوة لإقامة حلف عالمي لرفع الاضطهاد والإكراه عن البشر وفي صورتين بوجه التحديد:
ـ الإخراج من الديار والعقيدة بالقوة المسلحة، جمعتها نصف آية تبرر استخدام القوة المسلحة (أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله).
تطور التاريخ يجبر القوى العظمى ومنها أمريكا التي تمثل القطب الواحد أن تمنع الإكراه وتلتمس مبررات التدخل المسلح بما يتوافق مع مصلحتها وليس بدون نتائج مأساوية.
اعتبر (نعوم تشومسكي) السياسي وعالم الألسنيات الأمريكي أن غرام أمريكا بالعدالة كاذب، يشهد له سكوتها عن جرائم بحجم الجبال في أماكن شتى، واعتبر الصحافي البريطاني (روبرت فيسك) أن الذكرى الخمسينية لولادة الناتو كانت جديرة باستعراض القوة، وأكده (إدوارد سعيد) في مقالة له بفكرة كيسنجر عن استخدام القوة في الهند الصينية إلى جرعتها القصوى: يجب أن يلقن الأعداء أنه ليس ثمة حدود لما يتوقعونه من خصومهم بما فيها الحدود التي تبدو لاعقلانية على الإطلاق. وهو ما يفعله بشار الكيماوي في سوريا.
ويبقى ميزان الغرب مترنحاً في تعامله مع قضية فلسطين فتنطفئ كل النخوة والأريحية الديمقراطية دفعة واحدة، وتظهر إنسانيتهم في تمزيق المنطقة الشيوعية؛ فتم ضرب العراق من خوف مقبل ، وتم ضرب الصرب من شماتة وأحقاد الماضي.
نحن حين نفهم اتجاه التاريخ ونربط الأحداث ببعضها نعلم أن إيقاف المذابح عمل إنساني يجب أن يتم في كل مكان ويجب أن يتدخل العالم لإنقاذ الشعب السوري من المذبحة وإلا فهو مشارك في الجريمة.
وبمجرد أن نعجز عن ربط الأحداث ببعضها تختلط علينا الأوراق. من دون هذه المرجعية فإن كل الأحداث التي يمكن أن تتخذ وسيلة لكسب المصداقية لن تحمل مصداقية حقيقة وإنما مزيدا من ترسيخ الامتيازات وإبراز المنطق الفرعوني.
نحن ننسى مصدر الإعاقة العالمية، وتزعجنا التناقضات الثانوية، وننسى التناقض الأساسي العالمي، الذي يقوده رهط مفسدون في الأرض.
لابد من السعي لصنع أمم متحدة من نوع جديد كما في الدول الديمقراطية التي يحكمها القانون وليس الفيتو، بتشكيل برلمان دولي له قدرة التنفيذ.
الديمقراطيات الغربية استطاعت أن تحقق العدل الداخلي والرفاهية والأمن لإفرادها الى حد كبير، كما نجحت في آلية نقل السلطة السلمي؛ فأصبح إقناع الناس ولو بالتحايل سبيل التغيير، وليس الجيش والاستخبارات، ولكن مشكلة الغرب أنه تحول الى ديكتاتور في العالم، في مقابل ديمقراطية داخلية على نحو محير.
الأمم المتحدة على ما يبدو تحتضر الآن، ومجلس الأمن بتركيبة الفيتو لم يعد مناسبا للعالم الجديد بل أصبح يعيق نمو العالم، ويجب أن يلغى جملة وتفصيلا، وليس المطالبة بتوسيع كراسيه، ومدها الى مقاعد جديدة لليابان وألمانيا أعداء الأمس، فيما آخرون يتلمظون لمقاعد الامتيازات، والوحدة الأوربية مولود جديد في تاريخ الإنسان، ويمكن أن تكون نواة لوحدة عالمية، ولكن الأمم المتحدة بوضعها الراهن لا يمكن أن تكون نواة لوحدة عالمية.
الوحدة الأوربية حاولها من قبل نابليون وهتلر وكلاهما وصل إلى عكا وستالينغراد؛ فأما الأول فقضى نحبه منفياً في جزيرة، وأما الثاني فمات منتحراً، وتتحد أوربا اليوم ليس تحت شعار ألمانيا فوق الجميع بل ألمانيا مثل الجميع، وهي كلمة السواء التي خاطب بها محمد (ص) هرقل قبل 1400 سنة أن تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم فإن توليتم فإن عليكم إثم الأريسيين أي لعنة الشعوب.
ينقل نعوم تشومسكي في كتابه (قراصنة وأباطرة) أن الإسكندر ألقى القبض على قرصان فراح يقرِّعه: كيف سوَّلت لك نفسك أيها الخبيث إزعاج الناس في البحر؟
فأجابه: إنني أزعج الناس في بحر فأسمى قرصاناً، ولكنك تزعج العالم كله فتصبح إمبراطورا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى