الرئيسية

كراس ناعمة

حسن البصري
يجب أن نعترف بأن اجتماعات الأحزاب السياسية تنتج العنف، لا فرق بينها وبين مدرجات الملاعب إلا برباط العنق وفصاحة المتدخلين، وعلينا أن تعترف، أيضا، بأن النخب السياسية تستفتي بين الفينة والأخرى قواعدها قبل الإقدام على أي قرار، على الأقل تكون الاستشارة شكلية تفتح شرفة القاعات أمام نسائم الديمقراطية.
صحيح أن نقاش اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، في شأن بقاء أو مغادرة الحزب للحكومة، انتهى بملاسنات وتطاحنات بين نبيل بنعبد الله ووزير الصحة أنس الدكالي، الذي كان يطلب توضيحات حول سر تغيير مواقف نبيل ومن معه ويعلن تمسكه بكرسي الصحة ولو وضعوا في ذراعه أنابيب «الصيروم».
صحيح أن حزب الحركة الشعبية أنهى اجتماعه بمعركة، وبانسحاب الأمين من الباب الخلفي، وكساد للتأطير الحزبي، في ظل الانقسامات التي تعرفها السنابل التي يراق في جوانبها الدم.
لكن الأحزاب تستفتي قواعدها، أما المكاتب المسيرة للفرق فلا تلتفت لمنخرطيها ولا تحتاج أصلا إلى آرائهم، فعلاقتهم تنتهي عند صناديق الاقتراع إن وجدت، وكفى المسيرين شر القتال.
عشرات رؤساء الفرق الرياضية المغربية يقومون بعمليات إحماء بالقرب من مقر الجامعة الملكية المغربية أملا في إقحامهم داخل تشكيلة المكتب الجامعي كبدلاء لرئيس مغضوب عليه أو يقضي فترة نقاهة في سجن عكاشة، منهم من نشر على صفحته ما يشبه الاستعطاف، وقال: «سيادة الرئيس، أود أن أحيطكم علما بأنني على استعداد تام لتولي منصبه وملء الفراغ بكل تفان وإخلاص، وتجدون رفقته نسخة من سيرتي الذاتية وجردا لأملاكي وتسجيلا صوتيا يتضمن قسم الإخلاص».
لذا يتعامل الإعلام المسؤول مع استقالات الرؤساء «كخبر لا كحدث» على حد قول الدكتور عزمي بشارة، لذا قد يكون موضوع الخبر حدثا غير ذي أهمية، فنادرا ما يستقيل رئيس فريق كرة في المغرب، و«إذا قدر الله ما شاء فعل»، فإنه يطالب بفدية وكأنه يحتجز رهينة.
لو أحصينا عدد المستقيلين «شفويا» من مناصب المسؤولية الرياضية، لاكتشفنا مدى نعمة النسيان التي وهبنا الله إياها، فكثير من الرؤساء أعلنوا على الهواء مباشرة استقالتهم من هم الكرة، وحين استفاقوا في اليوم الموالي كتبوا على صفحاتهم الفايسبوكية ما يشبه التصويب، ولأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تنوب اليوم عن بلاغات الصحف والمواقع الرسمية، فإن عددا من المسؤولين حرروا استقالتهم بماء، وضغطوا على زر «بارطاجي» لجس النبض، في ما يشبه استبلاد الجماهير، التي تواجه الموقف بأهازيج تشكو فساد المسيرين.
«اللي زار يخف» هو الشعار المكتوب في مداخل مقرات الفرق والعصب والجامعات والوزارات، دون أن ينتبه إليه أحد، فهناك من أعفي من منصبه بمكالمة أو رسالة نصية، قبل أن يستوي في جلسته، وهناك من فطن للأمر ولم ينسج مع الكرسي علاقة وجدانية، لذا نصر على أن حقيبة هذه الرياضة ملعونة تارة ومسكونة تارة أخرى.
لم تعد الجموع العامة محطة نتنفس فيها هواء الديمقراطية، فقد عمد الرؤساء الخالدون فيها أبدا، إلى تثبيت أجهزة تكييف اصطناعي، وانتدبوا منخرطين بأياد اصطناعية ليظفروا بمصادقة وتزكية على إيقاع تصفيق «بلاستيكي» بكل ما يحمله التصفيق من نشوة الانتصار.
ليس الدكالي هو الوحيد الذي أعلن عشقه للكرسي، فمئات الرؤساء والقياديين يكتبون قوافي العشق لمناصبهم، ويقضون الليالي في مناجاة السلطة، ومع مطلع الفجر تزور هواتفهم أدعية وابتهالات تقول لهم «رجاء اعمل لمنصبك كأنك تقال غدا، واعمل لحقيبتك كأنك تعيش أبدا».
لا حاجة للرؤساء اليوم بتزكية خبير حسابات مادام المنخرط المؤدى عنه، هو من يصادق على ملايين الدراهم في دقائق، ويمدد في عمر مسؤولين يكتبون على الزجاج الخلفي لسياراتهم الفارهة «هذا من فضل ربي».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى