الرأي

كلام كوقع الزر على الرمل.. لا يترك صدى

عمليا انتهت السنة الدراسية الحالية، سنة ميزها نقاش وطني محتدم حول مستقبل المدرسة المغربية، وكانت المشاورات الموسعة التي أطلقها المجلس الأعلى للتربية والتكوين وكذا وزارة التربية الوطنية، لحظات مهمة جسدت وعيا جماعيا بضرورة إصلاح التعليم. غير أن مؤشرات كثيرة في وزارة التربية الوطنية تفيد أنه بالرغم من أن نتائج هذه المشاورات تؤكد على ضرورة إيلاء تكوين الأطر كل الأولوية، فإن الوزارة الوصية ماتزال مصرة على مركزة التدبير الوزاري الذي تنوي من خلاله إصلاح هذه المنظومة، مكتفية بمشاورات شكلية، تلعب فيها الأطر المركزية الدور الرئيسي، في إقصاء واضح للأطر التربوية والنقابية والجمعوية الفاعلة في الميدان.
فبالرغم من العراقيل التي تشهدها التداريب الميدانية بسبب ضعف انخراط الأكاديميات الجهوية، وكذا انعدام ترسانة قانونية تفعل المرسوم المؤسس للمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وتطوره بشكل يستجيب لتوصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والذي أكد على كونها مؤسسات للتعليم العالي غير تابعة للجامعة. فإن الوزارة لها انشغالات «أهم» على ما يبدو، بالرغم من الخصاص المهول الذي يعرفه قطاع التعليم في هذه العشرية.
إذن، نحن أمام وزير لا يعرف تحديدا ما يريد من هذه المؤسسات، وهذا ليس حكم قيمة، بل حقيقة مسنودة بوقائع، وفي الوقت نفسه نحن أمام مسؤولين مركزيين مصممين على تحريف الحقائق، بل ومصممين على تحويل هذه المراكز إلى ساحة معركة تافهة على صلاحياتهم. ولعل أداتهم الرئيسية في هذه المعارك الصغيرة، هي إيهام الوزير ذاته بأن مراكز تكوين الأساتذة ومركزي تكوين المفتشين والموجهين، تطالب بالالتحاق بالجامعة على غرار المدارس العليا للأساتذة. وهو تضليل وتغليط مقصود، الهدف منه تخويف الوزير من تطبيق التوصية الواضحة التي طالب بها المجلس الأعلى، مع ما يقتضيه ذلك من تفعيل حقيقي للأدوار التربوية والإدارية للمجالس الداخلية، وتعزيز الاستقلالية التربوية والإدارية، سيما أن هذه المراكز يدبرها مديرون معينون بمراسيم وقعها رئيس الحكومة بناء على مشاريع تدبيرية وتربوية تقدموا بها. فالذي يحدث في الواقع للأسف، هو أن جهات مركزية استطاعت في ما يبدو أن تضلل الوزير بحقيقة مستقبل هذه المراكز، والتي يعول عليها كثيرا، ليس فقط في تعويض عشرات الآلاف من الأطر التربوية والإدارية، بل وأيضا المساهمة الفعالة في تجويد التكوين والتعليم. لذلك لم ينتبه الوزير رشيد بلمختار إلى أبعاد توصية المجلس الأعلى، والتي تعني ببساطة أن تعطى لهذه المراكز الاستقلالية الإدارية والتربوية التي تتمتع بها مدارس ومعاهد عليا تابعة لوزارات أخرى، دون أن تكون بالضرورة تابعة للجامعة، سواء في السياحة أو في الصناعة أو التجارة وغيرها. فكما أن هناك مدرسة عليا يعترف لها القانون بكونها مؤسسة تعليم عليا غير تابعة للجامعة، تقوم بتخريج المهندسين الذين سيحتاج إليهم المجتمع في تنميته وتقدمه، فإن المجتمع ذاته في حاجة لمدرسين وإداريين ومفتشين وموجهين ومخططين ذوي تكوين عال وجيد يخدمون أيضا مجتمعهم من مواقعهم داخل المنظومة. غير أن الفارق المؤسف هنا، هو أن الشجاعة وبعد الرؤية التي يتميز بها المشرفون على المدارس العليا العمومية لتخريج المهندسين، لا يتميز بها حتى الآن المشرفون على تكوين أطر التربية.
ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه كل المهتمين بشأن التربية والتكوين، أن تتحول منظومة تكوين الأطر إلى استراتيجية حكومية، بدل «بريكولاج» تمديد سن العمل للمتقاعدين الذي وقعه رئيس الحكومة هذه السنة، وسيوقعه حتما مرة أخرى في السنة الدراسية المقبلة بسبب الخصاص المهول في الموارد البشرية. هاهي الوزارة المعنية نفسها تتخبط خبط عشواء. فمباراة السنة المقبلة لم يعلن عنها بعد، مما يعني أن شهرين على الأقل سيضيعان في السنة التكوينية القادمة. بل ووتيرة التوظيف الحالية، بحسب عدد المناصب التي «بشر» بها قانون المالية الحالي، تعني بوضوح أن التعليم ومستقبله هو آخر هموم هذه الحكومة، بالرغم من كل الجعجعة التي يحدثها بعض الحزبويين المنتمين إليها. فيكفي أن نقول إن هذه الوتيرة إذا ما قورنت بوتيرة التقاعد، ستعني أن منظومة التعليم ستعاني من الخصاص لمدة العشرين سنة القادمة. فلنبحث إذن عن معجم لا يصف هذا الوضع بالعبث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى