الرأي

كلكم تعملون لأجل «البنك»

يونس جنوحي
نائب من العدالة والتنمية يقول تحت قبة مجلس المستشارين إن القدرة الشرائية للمغاربة في تدن مستمر. قال هذا الكلام أمام لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية. وهذه اللجنة بالذات تملك من المعطيات ما يكفي لتأكيد فشل المخطط الحكومي وهي أكبر دليل على أن بعض المسؤولين الحكوميين من مواقعهم لا يملكون أدنى فكرة عن مشاكل المغرب فما بالك بمخططات لحلها.
هناك تحايل كبير يمارسه بعض «الماكرين» في السياسة. إذ يُشهرون أرقام ارتفاع الاستهلاك والإقبال على القطاع الخاص، والحقيقة أن الأمر مرتبط بارتفاع الإقبال على القروض لا أقل ولا أكثر.
المغاربة شعب من الأوفياء للأبناك. رغم أن أرقاما مؤكدة تجزم أن المغاربة عاجزون تماما عن الادخار، والأكثر من هذا أن السواد الأعظم من المغاربة لا يتعاملون أساسا بالحسابات البنكية. النسبة التي تلجأ للأبناك غالبا ما تفتح حسابات بنكية بشكل إجباري تماشيا مع مقتضيات قانون الشغل أو بأمر من «الباطرون» الذي يرفض منح الأجور في الأظرفة المالية، كما هو الحال في عدد كبير من المعامل التي تُنعش القطاع غير المهيكل بتوظيف العمال خارج القانون ومساطر مدونات الشغل وتوصيات النقابات.
تخيلوا لو أن المغاربة يملكون جميعا حسابات بنكية بشكل إجباري، كما هو الشأن في الدول التي تربط مباشرة بين بطائق التعريف والأبناك الوطنية. لا بد أن الاقتصاد سوف يصاب مباشرة بالشلل. سوف تكون هناك قروض للجميع وسنعيش نسختنا المغربية من «الخميس الأسود» الأمريكي.
الحالة الاقتصادية التي نعيشها حاليا تجعل عددا كبيرا من المواطنين المغاربة خارج جميع المخططات والسياسات المالية، ببساطة لأن الدولة لا تتوفر عن أية معطيات بخصوص وضعيتهم المادية وثروتهم والأرقام الحقيقية لتعاملاتهم الاقتصادية، علما أن بعضهم يملكون ثروة خيالية كلها في «النوار» ولم يسبق لهم اللجوء إلى الأبناك. نتحدث هنا عن باعة متجولين وممارسين للأعمال الحرة، الضريبة الوحيدة التي يؤدونها للدولة هي الدراهم اليومية التي تُمنح لأعوان السلطة حتى لا تحجز القوات المساعدة على بضائعهم، ولم يسبق لهم نهائيا أداء ضرائب على الدخل ولا يتوفرون على حساب للضمان الاجتماعي، بل يتصارعون للفوز ببطاقة «راميد» رغم أنهم مؤهلون ماديا للاستفادة من خدمات عمومية بإمكانهم المساهمة في صناديقها بدون مشاكل.
360 مليار درهم هو الرقم الجديد الذي يجب أن نتأمله جيدا. هذا الرقم يمثل قيمة الديون التي تدين بها الأسر المغربية للأبناك. قروض للاستهلاك، قروض  لتسجيل الأبناء في المدارس الخاصة وقروض أخرى لسد الخصاص المهول في نسبة العجز عن الادخار.
هذه هي الحقيقة التي يحاول الحكوميون حجبها عنكم. ويلجؤون لمداراة فشل الحكومة إلى إشهار أرقام ارتفاع الاستهلاك، والقفز على المشكل الأكبر المتمثل أساسا في العجز عن الادخار. لولا القروض التي سوف تُغني الأبناك، لما وجدت أغلب الأسر المغربية ما تسد به الثقب الكبير في الميزانية، والذي يبتلع كل شيء.
ما يجب أن يشهره النواب المحترمون داخل اللجان البرلمانية المتخصصة، هو سن إجراءات جديدة والضغط لأجل تمريرها للأبناك، والتي تتعلق بخفض أرباح الأبناك على هذا النوع من القروض التي تنقذ وجه الحكومة. ومراجعة بعض قوانين منح القروض، التي تحصل الأبناك أساسا على تسهيلات من الدولة لكي يستفيد منها المواطنون بسهولة.
علينا أيضا أن نستفيد من دروس لمحو الأمية الاقتصادية، لأن بعضنا يوقعون يوميا على تعاقدات تجعلهم عبيدا حقيقيين لدى الأبناك، دون علمهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى