الرأي

كم «قوقة» نبتت في رأسك؟

لا أملك بيتا أسكن فيه، لذلك أتحرك كثيرا في الشارع. فعندما ينعدم السكن في البيت، يكثر الحراك في الشارع.. فأرجوك أسْكنّي في قلبك الواسع وأعدك بأنني لن أدق مسمارا ولن أكتب على جدرانك شعارا.. والشعب يريد وأنا أريد وأنت تريد. أنا أريد قفصا إسمنتيا أسجُن فيه أسرتي وخمس دجاجات في ثلاجتي وديكا حسن الصوت، يوقظني فجرا لأتضرّع إلى الله أن يفرّج عن حكومتي المؤمنة بالله، الكافرة بي، كربة من كرب الدنيا الفانية.
ويرنّ هاتفي كل صباح ولا أرد، فأنا مشغول طوال الوقت بتجفيف وجهي مما تبقى فيه من ماء لأطلب قرضا جديدا أسدّد به قرضا قديما.. فأنا أعيش على الصدقات بعدما قاطعني أصدقائي والصديقات.. وأصبحت رجلا مقطوعا من شجرة العائلة.. ولا أحد من عائلتي أقرضني قرضا حسنا، وطالبني بإرجاعه، إلا أسمعته كلاما سيئا.
وأتصل كل يوم بهاتف الحكومة وأجده مشغولا.. وأسمع صوت المجيب الآلي: «يتعذر التحدث إلينا الآن.. مشغولين.. كنزيدو ليكم (طوووط) في البنزين والسردين والتين والزيتون و…» وانقطع الاتصال بسبب رفع الأذان.. فهل تأذن لي باستعمال سجادتك الناعمة للصلاة أم تتركني أصلي على التراب..؟ ووصيّتي إليك أن تدعو ربك أن يرزق الدولة العقيمة ذرية صالحة ترثنا وتسدد عنا ديوننا بعد وفاتنا.. وقد ورثت عن والدي، بلّّ الله تربته، «عتروسا» محترما.. أحبه ويحبني.. لكنه خاصمني عندما نصحته بأن يرخي لحيته ويعفو عن شاربه.. ثم جاءت سيدة الخيط الأبيض وصالحتنا وعفا الله عما سلف.
ولمواجهة سعار الأسعار وضعت أنا وجاري حمودة خطة رائعة، استلهمنا فيها أساليب الحياة البسيطة التي كان يعيشها أجدادنا الراقدون تحت التراب. وقبل أن نبسُط أمامكم عناصر الخطة، ومنعاً لأي محاولة لقرصنتها، لا بد من الـتأكيد على أن جميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة عن ظهر قلب في ثلاجة حمودة.
الحكومة ترفع سعر البنزين. نتخلى عن السيارات ونشتري الدواب من بغال وحمير وإبل.. على الأقل نساهم في إنعاش أكثر من مهنة احترفها من سبقونا في الإيمان بشرف العمل اليدوي؛ مهنة حمّو الحداد الذي يضع «الصفيحة» بين المطرقة والسّندان ويطرّقها إلى حوافر الدواب، وينتزع رزق أولاده من فم النار؛ ومهنة صانع «البردعة والشواري» وباعة التبن والبرسيم.. هل تشمون رائحة الروث؟ لا تخافوا.. لن نلوث شوارع مدنكم بروث بهائمنا وبولها، سنسرولها.. سنضع لها فوطات صحية تمتص البلل وتمنحها راحة وانتعاشا.
الحكومة تزيد في ثمن البوطاغاز. نشحذ فؤوسنا عند حمّو الحداد ونخرج إلى الغابات عن بكرة أبينا وعن نعجة أمنا. نحطب الشجر ونجمع الخشاش ونطهو طعامنا في الهواء الطلق. لكل عائلة كانونها.. لكم قانونكم ولنا كانوننا.. فلا يصدّع أحد رؤوسنا بقوانين حماية البيئة والمحافظة على الثروة الغابوية.. والغلاء غول لا يشبع.. فأي زيادة في ثمن البوطاغاز «تبوّطنا» بها الحكومة ستجر وراءها زيادة في أسعار اللحم والخبز والخضر والقوق.. والسؤال الذي يطرح نفسه بحدّة: كم «قوقة» نبتت في رأسك لحد الآن؟ «قوقة.. قوقتان.. ثلاث قوقات»؟ أجب إجابة صحيحة تفُز معنا ببوطاغاز ثقيل وزنها.. قليل غازها.
الحكومة ترفع ثمن الحليب. نحلب الحمارة.. أقصد الأتان، أنثى الحمار.. فحليبها ينفع ولا يضر.. يمكنك أن تستفسر فضيلة الشيخ «غوغل» ليوضح لك فوائد حليبها.. فإذا شرب الواحد حليبها، سقط في حبها وأصبح حبيبها.. فهل عرفت لماذا ينصحونك دائما بأن تضرب الدنيا بركلة. كل من ترضعه الأتان ينهق أمامنا ثلاث مرات ويكشف لنا عن حوافره ثم ندفع به إلى الملعب تحت تصفيقات جمهور الحمير. لدي فكرة أخرى؛ الأمهات المرضعات.. صباحا وقبل أن تذهب إلى عملك أو مدرستك.. تأخذ معك خبزتك تحت إبطك ثم تطرُق باب أمّ مرضعة.. ترضعك فتدفع لها ثمن حليبها وتمضي إلى حال سبيلك.
الحكومة تُكهربنا بالزيادة في ثمن الكهرباء. نرفع شعار «الإظلام هو الحل» فنستغني عن الأنوار ونعود إلى الشموع.. فما يضيرنا أن نعيش في الظلام ونربي أولادنا في الظلام ونمارس السياسة مع زوجاتنا في الظلام.. وما يضيرنا أن نكسّر تلفزاتنا ونرحم أنفسنا من مشاهدة الرخويات السياسية اللزجة التي تلتصق بزجاجها.. ما أبهى تجاعيد وجهك يا جدتي ونحن أحفادك نتحلّق حولك وأنتِ تغذينا بحكاياتك الطازجة.. كم أشتاق إلى رائحتك أنا الجاحد الذي هجرَك.. فهل مثلكِ يُهجر؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى