شوف تشوف

كوارث طبيعية وأخرى بشرية (2/2)

بتعليمات ملكية انتقل الشرقي الضريس، الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية، رفقة المفتش العام للوقاية المدنية والكاتب العام لوزارة الصحة، إلى الحسيمة للاجتماع بممثلي السلطة المحلية وممثلي المجتمع المدني حول تداعيات الهزات الأرضية بالمنطقة منذ أيام.
الوزير المنتدب قال إن جميع التدابير اتخذت وإن المغرب اكتسب خبرة بعد الزلزال المدمر الذي ضرب الحسيمة.
وكأن سيادة الوزير يجهل أن المغرب هو إحدى الدول التي تشكو خصاصا مهولا في مجال المسعفين، إذ إنه يتوفر على أقل من 6000 إطفائي، أي إطفائي لكل 6000 نسمة، في حين أن النسبة المعمول بها عالميا هي إطفائي لكل 600 نسمة.
أما جهاز الوقاية المدنية فمنذ زلزال الحسيمة وهو يعيش على وقع زلازل داخلية متفاوتة الدرجات، ومنذ رحيل العقيد المتقاعد بن زيان، بعد فضيحة التوظيف مقابل المال، تم اختيار العقيد زين الدين عمومو لخلافته، هذا الأخير أبهر الجنرال، المعروف بضعف شخصيته، وشرع في تصفية الحسابات مع كبار الضباط، متسببا في نزيف حاد لجهاز الوقاية المدنية، ما اضطر سبعة برتبة عقيد للاستقالة في سنة واحدة (2014/2013)، وذلك للعيش في سلام وبعيدا عن الشطط في استخدام السلطة والنزوات المهووسة للعقيد.
وهكذا فقد استقال رئيس قسم في المديرية العامة للحماية المدنية، والملازم العقيد القائد الإقليمي للدار البيضاء الكبرى، والملازم العقيد القائد الإقليمي للرباط، والملازم العقيد قائد الوحدة المتنقلة لفاس، والملازم العقيد قائد الوحدة المتنقلة لوجدة، والملازم العقيد رئيس قسم في الإدارة العامة، والملازم العقيد القائد الإقليمي للحسيمة.
يتعلق الأمر إذن بنزيف حاد للموارد البشرية، إذ إن جميع الأشخاص التابعين لعمومو اختاروا التقاعد المبكر نظرا لأوامر التنقيل المبالغ فيها وأسلوب تصفية الحسابات التعسفي للعقيد زين الدين، المُستنكرة من قبل جميع أفراد الوقاية المدنية.
لقد توفي النقيب قائد مقاطعة إفران إثر إصابته بأزمة قلبية في يناير الماضي بعد عمليات تنقيل تعسفية ومتكررة من طنجة إلى فاس، ثم من فاس إلى إفران في أقل من ستة أشهر.
وتوفي الملازم الصالحي، وهو كذلك من مواليد طنجة، منذ ثلاثة أشهر بعد إصابته بأزمة قلبية، بعد نقل تأديبي من مكتب الوقاية لطنجة إلى إدارة الإطفاء بالدار البيضاء.
وتم نقل عقيد عمره 58 سنة، مصاب بالسكري ويعاني من العديد من الأمراض الناجمة عن هذا المرض، دون أية مهمة إلى مكناس، فقط لكونه استنكر التصرفات التعسفية التي يقوم بها الجنرال.
العقيد المبعد عن أبنائه هو الآن مجرد موظف شبح بسبب قرار إداري تعسفي.
واستُدعي عقيد، كان قد نُقل انتقاما من العقيد زين الدين إلى كلميم، في بداية فبراير لإدارة الوقاية المدنية يوم أحد على الساعة السادسة مساء، وعند وصوله إلى هناك اتصل بالعقيد زين الدين لإعلامه بوجوده في الإدارة، ولإذلاله، أبلغ العقيد أنه يجب أن يقضي الليلة في إدارة الوقاية المدنية في مكتب ما لمنعه من رؤية أبنائه وزوجته الذين يعيشون في الرباط، وفي اليوم التالي لم يستقبله الجنرال، واضطر لقضاء ليلة ثانية في مسجد الإدارة بعدما أحضر له ابنه بطانية.
فهل هذه معاملة لائقة بضابط كبير؟
ونظرا لهوس الجنرال بالتجسس على رجاله فقد وضع ما أسماه جهاز أمن مؤلفا من ضباط انتهازيين برئاسة السمغولي سفيان، الذي تمت ترقيته بأعجوبة من رتبة نقيب مباشرة إلى رتبة ملازم عقيد، متجاوزا رتبة قائد، وجميع رفاقه من مجموعة 1998 هم برتبة «نقيب» باستثناء ثلاثة برتبة قائد، بمن فيهم شقيق رئيس الإدارة اللوجيستيكية والشؤون الإدارية، الصديق المقرب من السمغولي وزوج شقيقة الجنرال، وآخر يجهل الجميع ظروف ترقيته بعد امتحان أنجز من طرف 81 قائدا في 29 شتنبر 2014.
وما يجب أن يعرفه وزير الداخلية، الوصي الإداري على جهاز الوقاية المدنية، وأن يفتح فيه تحقيقا، هو أن «الملازم العقيد السمغولي» كان هو الأخير في مجموعته، وقد حصل على إجازته سنة 2006، وبالتالي فإنه آخر من تم إلحاقه بسلم 10، فيما رفاقه من مجموعة 1998، كلهم تم إلحاقهم بالسلم 10 سنة 2001.
ورغم ذلك فقد كان أول من تم إلحاقه برتبة نقيب سنة 2010 وخلال أقل من أربع سنوات، وفي بداية سنة 2014، تم تمريره مباشرة إلى رتبة ملازم عقيد مع تخطي رتبة نقيب.
والمعروف عادة أنه من غير الممكن في أي تسلسل عسكري أو شبه عسكري في أي بلد من بلدان العالم، أن تحدث ترقية مماثلة، وإذا تفضل الجنرال لشرح أسباب هذه المعاملة التفضيلية سنكون له ممتنين.
والمضايقات التي كان يتعرض لها كبار الضباط من طرف الجنرال شخصيا، جعلت الأجواء متوترة في الثكنات، وكادت تتسبب في جريمة مروعة قبل أشهر داخل الإدارة العامة عندما قام ضابط «sous officier» استدعي إلى المجلس التأديبي بإخراج سكين وهاجم ملازما يعتبر الذراع اليمنى للملازم العقيد السمغولي، فتم اعتقال المعتدي من قبل الشرطة.
لقد قام الرجل القوي الثاني العقيد زين الدين بعد الجنرال بتجريد جميع نقباء وحدات الدار البيضاء من مسؤولياتهم في ما يتعلق بدراسات خطط البناء، وقام بتوجيه كافة الملفات إلى «دار الخدمات» وعين مقربة منه برتبة ملازم، لا لشيء سوى لأن «المحظوظة» كانت معه عندما كان في فاس نقيبا للمنطقة ما بين سنتي 1998 و2005.
وهكذا حصر العقيد زين الدين كل الملفات بين يديه، وقد نجح في جمع ثروة هائلة لتمويل رسوم دراسة ابنيه وابنته الذين يتابعونها في جامعة وينيبيغ بكندا، وابنته الرابعة التي تدرس بالبعثة الفرنسية بالدار البيضاء، مع أن راتبه هو 13.200 درهم، ولا يتلقى أي تعويض من طرف المدير، نظرا لعدم توفره على شهادات جامعية.
انتهازية العقيد زين الدين، المدعوم من طرف الجنرال الذي يفضل دائما شخصا للعب دور الوسيط لاقتسام الغنائم التي يجلبها له مكتب الدار البيضاء، دفعت بعض مهندسي هذه المدينة للاحتجاج من خلال طلب التماس من وزير الداخلية الذي أعطى تعليمات للوالي لعقد اجتماع طارئ يوم 24 فبراير 2015 بين المهندسين المعماريين ورجال الوقاية المدنية لنزع فتيل الاحتقان.
وقبل شهر من هذا الاجتماع استقال النقيب العام الملازم العقيد بسبب فشله في السيطرة على القائدة التي لم تكن تطيعه، على الرغم من شكاوى المهندسين المعماريين التي كان العقيد ينقلها إلى الجنرال اليعكوبي، والذي أعطى الدليل على أن الأمر لا يهمه طالما أن القائدة «قارية صوارها».
وعندما توالت المقالات الصحفية حول الفساد في جهاز الوقاية المدنية ظهر بعض الفزع على اليعكوبي الذي حاول احتواء الوضع بإرسال برقيات إلى جميع الثكنات بالعفو عن المبعدين عن عائلاتهم وصرف مستحقات الساعات الليلية وغيرها. لكن بعد فشل الوقفة الاحتجاجية التي دعا إليها بعض النشطاء على الفايسبوك، بعدما سخر السمغولي سفيان لذلك جيشا من المخبرين تم إنزالهم من الدار البيضاء والرباط خصوصا وتوزيعهم على جميع المدن الكبرى لرصد أي تنسيق محتمل بين المحتجين، نجحت الخطة وأقنع السمغولي سفيان وزين الدين عمومو، الذي مازال يستشيره اليعكوبي في كل صغيرة وكبيرة، رغم صدور أوامر من الداخلية بإبعاده من منصبه السابق، تم إقناع اليعكوبي بنهج سياسة «إلى اﻷمام.. لا رجوع.. من أنتم»، ليعود للبطش والتنكيل بكل من حامت حوله شبهة التحريض سريا، أو شبهة إخبار الصحافة بما يقع في هذا الجهاز.
كحصيلة أولية تم طرد ضابط صف من شيشاوة طردا نهائيا من الوظيفة العمومية لحمله شارة حمراء على ساعده، وتم توقيف ثلاثة آخرين لمدد تتراوح بين 3 و6 أشهر من مدن مختلفة لمشاركتهم بتعليقات على صفحة بالفايسبوك، واﻷهم توقيف ضابطين ساميين برتبة كولونيل لمدة 3 أشهر عن العمل، بتهمة التحريض وإخبار الصحافة.
استعاد اليعكوبي ومن والاه عافيتهم بعد فشل الوقفة وعادت الاستدعاءات بالجملة إلى مقر الوقاية المدنية للتحقيق في أمور أحيانا وهمية يراد منها الترهيب والتخويف، والغريب أن السمغولي يتعمد احتجاز أغلبهم بالثكنة المجاورة للمديرية لمدد تتجاوز أحيانا شهرين، ضدا على قانون الوظيفة العمومية، وعلى حقوق اﻹنسان بشكل عام.
ولا زال السمغولي يحتفظ بالعشرات من المحتجزين في ثكنة الرباط، ضدا على القانون والمصلحة العامة التي تقتضي تسريح هؤلاء للمساهمة في خدمة المواطن.
ولازال اليعكوبي يتعنت في تسليم الشقق الفارغة للضباط، المتواجدة بالقنيطرة، الدار البيضاء، مراكش وتطوان، وتراجع عن وعده موضوع برقيته سالفة الذكر الخاصة بالتنقيلات لتقريب الموظفين من عائلاتهم، وﻷول مرة في تاريخ الوقاية المدنية منذ تأسيسها بالمغرب تتم إهانة ضباط من درجة قبطان، بحلق رؤوسهم بالكامل وإحالتهم على مدرسة الوقاية المدنية ﻹعادة التدريب وسط ضباط شبان جدد، في ظروف مهينة يراد منها التركيع والتخويف.
ولعله من الأسئلة المحيرة التي لا أحد يجد لها جوابا بسلك الوقاية المدنية، واحد يتعلق بسبب عدم تعيين الجنرال اليعكوبي لقائد جهوي جديد بالدار البيضاء منذ أن غادرها القائد الجهوي السابق مكرها منذ أكثر من سنة إلى التقاعد المبكر، وهل لذلك علاقة بعدم الرغبة في تقليص عائدات دار الخدمات التي تعتبر الدجاجة التي تبيض ذهبا. ثم لماذا لم يتم فتح باب الترشيحات أمام الضباط السامين للظفر بمنصب مدير اﻹغاثة والتخطيط والدراسات، بعدما تم طرد عمومو من طرف مسؤول كبير في الداخلية رغما عن أنف اليعكوبي، وهل سبب ذلك هو أن من تتوفر فيهم شروط الظفر بهذا المنصب من حاملي شهادة الدكتوراه والماستر وبرتبة كولونيل في نفس الوقت، يصعب ترويضهم من طرف اليعكوبي ومن والاه، خاصة وأنه عانى اﻷمرين في عهد الكولونيل بن زيان الذي كانت تربطه علاقة صداقة ومصالح بشخصية نافذة سابقا في الداخلية، وكان اليعكوبي مجردا من السلطة في تلك الحقبة، واﻵن وقد زج بالكولونيل بن زيان في سجن الزاكي، فإنه لن يقبل بشريك قوي يستأسد على شخصيته المتواضعة.
ثم، وهذا هو السؤال الأهم، لماذا لا يتم إزعاج الكولونيل الموظف الشبح، القائد الجهوي السابق للقنيطرة المتواجد حاليا في منزله بالشمال وغير الملحق بأي منصب، والذي يتقاضى سومة كراء السكن بقيمة 3000 درهم عبارة عن شيكات الوقود يتم تحويلها نقدا بشكل غير قانوني، إضافة إلى 3000 درهم إضافية لتشغيل سيارته الخاصة.
الجميع يعرف أن هذا السخاء ليس سببه سواد عيني الكولونيل الشبح، وإنما دخوله في صراع مرير مع عمومو بعدما تم إعفاؤه من القيادة الجهوية، فأرغد وأزبد وهدد بفضح المستور عندما تم استدعاؤه إلى اﻹدارة العامة، حينها هدد بفضح كل شيء حول اختلاسات جمعية اﻷعمال الاجتماعية، لكونه عضوا نشيطا بمكتبها ويتوفر على أدلة قاطعة بخصوص الاختلاسات.
ثم لماذا تراجع الجنرال اليعكوبي عن انتخاب مجالس ممثلي الموظفين، ضدا على مرسوم الوزير مبدع، رغم أنه راسل القواد الجهويين في الموضوع.
الجواب واضح، فأغلب المرشحين للظفر بهذه التمثيلية من المعارضين لسياسة الجنرال اليعكوبي، وهذا طبعا ما لن يسمح به سعادته.
فهل نحن مستعدون فعلا لمواجهة الكوارث الطبيعية مع جهاز للوقاية المدنية فيه كل هذه الكوارث البشرية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى