شوف تشوف

الرأي

كوميديا العاهات

سخرية العاهات لا يتم تصنيفها عادة ضمن أرقى فنون السخرية العديدة، لأنها ارتبطت أساسا بالتجريح في العاهات الجسدية، لكنها تسترجع مشروعيتها حين تتعاطى مع العاهات الاجتماعية.
لقد حصر حسن الفذ كل أعماله ضمن منظومة سخرية العاهات سواء في «الكوبل» أو في «كبور ولحبيب»، ففيما جاء الحبيب، رفيق كبور، معتوها عقليا تنطلي عليه الحيل، فإن الفذ جعل من كبور لوحده الوعاء الحاضن لكل العاهات الأخلاقية من كذب وغش ولصوصية وتنكر للأصول وشهوانية وطمع وبذاءة، وهي الخصال التي حين تجتمع في شخص واحد، فإنها لا تبعث بالضرورة على الضحك والارتياح والتجاوب، خصوصا إذا تكررت بنفس النسق على امتداد 30 حلقة. الملاحظ أن كابسولات «سلوى والزبير» ماهي إلا استنساخا آخر لخصال كبور، حيث إن تعامل الزبير مع زوجته مسنود كلية بالاحتيال والكذب والادعاء والتملص من المسؤولية من أجل تحميل تبعاتها للآخرين.
وقد سجن الفذ نفسه في هذا النسق في كل أعماله السابقة، وهو ما يجعل المشاهد يجزم بأنه سعى إلى تكرار نمطه إلى ما لا نهاية، مفضلا السهولة والاستسهال على البحث عن أدوات فنية جديدة تتطلب الكثير من البحث والعناء والتجريب، في ما يبدو أن الفذ لم يعد يملك الوقت الكافي لذلك بعد أن تملكه هاجس الربح السريع وتحصيل الشيكات السمينة في وقت وجيز قبل عودته المظفرة إلى الديار الكندية في انتظار موسم رمضاني جديد، يستغفل فيه القنوات العمومية وشركات الإشهار مدعيا في كل مرة أنه الكوميدي المغربي الوحيد والأوحد القادر على إقناع مسؤولي قنوات القطب العمومي بمنحه حيزا زمنيا في أوقات ذروة المشاهدة مقابل حشده لشركات الإشهار. ويزعم الفذ أنه لا ينهب المال العام ولا يتلقى تعويضاته من خزائن العرايشي، لكنه يتناسى أن الحيز الزمني الممنوح له يكتسي قيمة مالية تقدر بالملايير التي توفرها الوصلات الإشهارية التي زحفت مرة أخرى على المشهد التلفزي الرمضاني البئيس وتجاوزت المدة المسموح بها من قبل «الهاكا» التي تذهب تحذيراتها في مهب الريح ولا تجد لها صدى لدى مدراء القطب العمومي، الذين أضافوا إلى عاهات الأعمال الرمضانية السخيفة في أغلبها عاهة الإشهار الذي تحول إلى مادة تلفزيونية زاحفة طغت ولم تجد من يكبح جماحها بعد أن تحكمت في القرار التلفزي واستأسدت إلى درجة أنها ستكون لها الكلمة الفصل مستقبلا في البرامج والأعمال الدرامية التي ينبغي إدراجها من عدمه في أوقات الذروة. ومن شأن هذا الفعل أن يعصف بحق المشاهد في الأعمال الجيدة والهادفة، مادام أن شركات الإشهار تختار احتضان البرامج المائعة والترفيه التهريجي إلى درجة البذاءة والإسفاف ضمن برامج يقدمها أشخاص بلا موهبة ولا كفاءة تم فرضهم فرضا على المشاهد الذي صودرت إرادته وتطلعاته ورغبته في ترفيه عائلي سليم أخلاقيا، وبمواصفات مهنية حقيقية وليست تدليسية في احتقار واضح لذكاء مشاهدين عزل مغلوبين على أمرهم.
يقول منظرو الاقتصاد إن «العملة الرديئة تطرد دائما العملة الجيدة»، وما يصح على عالم المال والإعمال يصح للأسف الشديد على الإعلام والفن والإنتاج التلفزي. لكن الأمل يبقى قويا مع ذلك في ألا تحسم هذه المعركة لصالح العاهات وأصحاب العاهات المحتضنين من قبل تلفزات القطب العمومي المتجمد التي تريد لنا دائما أن نختبئ وراء شعار: «ضريب الطم» أو»شوف وسكت».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى