شوف تشوف

الرأي

كَلِّخ تَسُدْ

الظاهر أنه لم يعد شيء في البلد «دوريجين»، وكل الأشياء الجميلة والنظيفة والصافية أصابها الغش، بدءا من عشب ملعب مولاي عبد الله، إلى زفت طريق جمعة سحيم بآسفي، وأخيرا الدجاج المغشوش، الذي تتساقط رؤوسه هذه الأيام في الإسطبلات كما يسقط الذباب على الأرض بفعل المبيدات، وحتى شعارات الحزب الحاكم، اكتشفنا بعد سنين أنها مغشوشة. وبعد أن سطع نجم القاضي الهيني في سماء القضاء المستقل والنظيف، أسقطوه في إشارة بليغة إلى أن لا مكان بيننا سوى للوجوه «المدرحة» والمزيفة.
خلال ولاية حكومة بنكيران وقع تراجع كبير في مجالات ثقافية وفنية وانحصار كبير في الفنون الجميلة ومساحات الرأي والتعبير. وآخر وزير أول حضر عرضا مسرحيا مع عامة الناس، كان هو السي عبد الرحمان اليوسفي في سنة 2001، حين تابع عرض الفنانة ثريا جبران بعنوان «العيطة عليك». بعد هذه الفترة أصيب الفن والمسرح والشعر والرواية بالغش، وتحول السياسي إلى مسرحي، وأصبحت التجمعات الخطابية ومقرات الأحزاب والبرلمان هي المسارح الجديدة للفرجة المقدمة للشعب وللأجيال الجديدة التي تضحك مع بنكيران ومزوار، تماما كما كان آباؤهم يضحكون مع «قشبال» و«زروال».
وطيلة سنين من وصول مصطفى الخلفي إلى وزارة الاتصال لم يشهد الإعلام العمومي أي نقلة ولا أي تحول، وبقيت التلفزة التي تدخل البيوت بلا استئذان، تؤدي مهامها في طلاء الزفت المغشوش على عقول الأسر المغربية، والبصمة الوحيدة التي أتى بها حزب العدالة والتنمية هو استيراد سلعة تركية من المسلسلات المدبلجة، تبدأ لكي لا تنتهي، وحتى وإن انتهت يعاد بثها، وبعدما كانت قناة «الجماهيرية» الليبية زمن القذافي تثير سخرية العالم، استطاعت «دار البريهي» عندنا أن تكون خير خلف لخير سلف.
لم يعد المشهد الثقافي والفني يخلق الحدث في المغرب، كما كان الأمر في السابق مع الجابري والعروي والطيب الصديقي وعبد الله راجع وشاعر الحمراء محمد بنبراهيم ومحمد زفزاف، وأصبح المعرض الدولي للنشر والكتاب، الذي تنظمه وزارة الثقافة، يشبه اليوم العالمي لمحاربة السيدا، يجتمعون ويتبادلون القبل والتوقيعات، ثم ينصرفون، أما داء الجهل ووباء انحصار القراءة، فيستمر في إصابة أجيال جديدة، أصبحت مهووسة بأغاني «حك ليلي نيفي»، و«اعطيني صاكي»، في ما الأجيال الصاعدة الأخرى أصبحت تضع «جعبة السيلسيون والموس» تحت اليد، وشغلها الشاغل هو العنف في الملاعب على نغمات «التيفو والإلترات».
في الهند قدمت الحكومة دعما ماليا لصنع أرخص هاتف ذكي في العالم لا يتجاوز ثمنه 40 درهما، وأنتجت آلاف مناصب الشغل لتقنيين ومهندسين ومبتكرين، ومكنت شعبها من ولوج عالم التكنولوجيات الحديثة.. وعندنا الدعم المالي على عهد هذه الحكومة ذهب في اتجاه تخفيض الرسم الضريبي على أصحاب مقالع الرمال، ودعم السكر للذي تستهلكه شركات «المونادا»، أما ما تصرفه وزارة الثقافة على عهد الوزير محمد أمين الصبيحي في مجال دعم الثقافة، فيشبه كثيرا ما تصرفه وزارة التجهيز على بناء القناطر والطرق المغشوشة، أو ما تصرفه وزارة التعليم في بناء مدارس بدون مراحيض ولا مكتبات، تماما كمستوصفات ودور ولادة الوزير الوردي التي تشيد في القرى وهي غير مرتبطة بالماء والكهرباء.
دور الحكومات ورجالات السياسة هو الرقي بالمجتمع وجعل أفراده يرتفعون في سلم الحياة، وعندنا الدورة تسير بالمقلوب، قاعات السينما أغلقت والمسارح أفرغت وأكثر ما يقرؤه الناس هو «فايسبوك»، وكلفة هذا الجهل الثقافي الزاحف جد مربحة سياسيا، وتظهر من صناديق الاقتراع ومن مقاعد الحزب الحاكم في البرلمان ومجالس المدن، وهذا المخطط مدروس بعناية فائقة وعنوانه «كَلِّخ تَسُدْ».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى