الرأي

لغتان رسميتان.. فقط

تم في الأيام الأخيرة، على صعيد رئاسة الحكومة، التوقيع على القرار التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وذلك قبل ستة أشهر من نهاية الولاية الحكومية الحالية. هذا القانون التنظيمي، والذي سيجسد فعليا الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في الحياة العامة كما هو مشار إليه في الفصل الخامس من الدستور، سيجيب عن أربعة رهانات وردت في هذا الفصل، أولها ميدان تطبيق القانون التنظيمي، وثانيا تحديد مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، ثالثا تحديد كيفيات إدراج الأمازيغية في المجالات العامة ذات الأولوية، وأخيرا تحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي لها  في هذه المجالات.
إخراج القانون التنظيمي يعني بداية مرحلة جديدة تقوم فيها اللغة الأمازيغية بأدوارها كاملة، خاصة في المجالات الحيوية، وعلى رأسها قطاع التعليم كما تمت الإشارة إليه في هذا الفصل الدستوري، أو المجالات الأخرى التي تطرح بعض المشكلات، خاصة القضاء والشؤون الترابية والمالية والثقافة طبعا.. انسجاما مع مشروع الجهوية المتقدمة الذي تم البدء في تنفيذه قبل عامين. لذلك، فإذا كان المغاربة بذلوا مجهودا كبيرا في ترسيم الأمازيغية، فإن المجهود الأكبر سيكون حتما على مستوى تفعيل القانون التنظيمي، الذي ما يزال في حاجة لإرادة سياسية حقيقية في تفعيله، آخذا بعين الاعتبار وجود مكونات سياسية فاعلة في مشهدنا السياسي تتعامل بريبة مع هذا الملف، مفضلة الاستمرار في النظر للثقافة المغربية من منظور أحادي، كما كان عليه الحال قبل دستور 2011، وعلى رأسها الحزب الذي يقود الحكومة الحالية، والذي ما زال يعتبر اللغة العربية ورقة انتخابية، لكونها لغة لها حمولة إيمانية عند البسطاء. علما أن اعتراف الدستور بالأمازيغية لغة رسمية لم يحمل أي إشارة، تصريحا أو تلميحا، تفيد التنقيص من مكانة اللغة العربية، بل العكس هو الصحيح، حيث نجد في الدستور: «تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها».
تفعيل قانون ترسيم الأمازيغية يقتضي أولا تجريم كل فعل أو قول يفيد التقليل من احترام مكون ثقافي أو لغوي، كما حصل أخيرا على هامش تصريحات منسوبة لبعض الإسلاميين، حيث أبان بعض المحسوبين على المعسكرين، سواء المدافع عن العربية أو المدافع عن الأمازيغية، عن قدر كبير من الإقصاء والاحتقار للغة وثقافة المعسكر الآخر، علما أن كلاهما يسيء للمغاربة لأنهم اختاروا، وبالإجماع، ترسيم لغتين اثنتين، ولا مجال للتراجع عن هذا الاختيار. ثانيا الإعلان صراحة عن تقليص مجال استعمال اللغة الفرنسية في الإدارات، وإلا سنكون إزاء دولة تستعمل ثلاث لغات رسمية، وهذا ما لا يوجد في كل دول العالم.
ففي تجارب كثيرة، نجد لغة رسمية للدولة ولغات محلية بحسب المناطق والجهات، لكنها لا تتجاوز لغتين، مع الإشارة هنا إلى أن التعايش بين اللغات الرسمية والمحلية في التجارب العالمية أمر ممكن، لكونها تعتمد غالبا الحروف ذاتها، لكن، وفي حالتنا المغربية، سنكون أمام ثلاث لغات تكتب بثلاثة أحرف مختلفة، عربية وتيفيناغ واللاتينية، وهذا واقع سيئ سواء من الناحية الثقافية، أو حتى من الناحية التقنية، الأمر الذي يفتح الباب مرة أخرى لنقاشات طبعها حواري، وعمقها إقصاء ثقافي نظير ما يجري اليوم، حيث ينسى البعض، في غمرة الانفعالات، أن العربي والأمازيغي مكونان ثقافيان متعايشان وقدرهما أن يتعايشا. المطلوب هنا، بخروج القانون التنظيمي للغة الأمازيغية، أن نحسم في القطع مع واقع الازدواجية الثقافية واللغوية التي ترهننا منذ الاستقلال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى