شوف تشوف

الرأي

لن نختلف على حصتنا من الثرثرة

نحن الشعوب التي نكاد لا ننتج شيئا يستحق الانتباه في المعرفة الرقمية، وحدنا نبالغ كثيرا في «الثرثرة» عن تأثير الثورة المعلوماتية على ثقافة قراءة الكتاب الورقي، وندعي أننا فهمنا مشكلة ضعف القراءة في صفوفنا، وكذا ضعف الإقبال على مكتبات الكتاب الورقي بمجرد أن حفنة من «التقنيين» نصبوا أنفسهم «ملائكة» يضعون الكتب الفلسفية والنقدية والروايات والدواوين الجديدة في نسخ مقرصنة على مواقعهم الإلكترونية ساعة صدروها. معتقدين أن ما يدفع الشباب المغربي اليوم إلى عدم الإقبال على المكتبات وقاعات السينما والأنشطة الثقافية التي تناقش فيها الأفكار، بنفس الحماس الذي يقبلون به على محلات بيع الأجهزة الجديدة للهواتف الذكية باهظة الثمن، هو وجود نسخ إلكترونية للكتب في هواتفهم الذكية. والحقيقة هذه مغالطة كبيرة، ليس فقط لأن هذا النوع من التفسيرات ذرائعي ومتسرع، خصوصا في ظل غياب بحوث علمية دقيقة عن الاهتمامات الرقمية للشباب. ولكن لأن أصحابه لا يتصورون أن القراءة في الكتاب الورقي لذة أولا وأخيرا قبل أن تكون تصفحا. وأن القراءة في الكتاب كانت وماتزال أرقى وأقدس سلوك بشري متوارث في تاريخ البشرية.
ولأن هذا النوع من التحليلات التي تفسر ضعف القراءة بالثورة الرقمية لا يخرج عن سياق الثرثرة كما قلنا، فإن إلقاء نظرة على واقع القراءة في الأمم التي تساهم يوميا في الثورة الرقمية مساهمة فعلية، بل وتعمل جاهدة على رقمنة كل التفاصيل اليومية للإنسان، بدليل أن ثلثي المهن التي ينتج بها الإنسان هناك شروط البقاء والرفاهية تمت رقمنتها، نجد أنه مايزال للإصدار الورقي للكتاب الفلسفي والنقدي والرواية والديوان الشعري مكانته التي كانت له منذ ظهور المطبعة. إذ قد نصاب بالذهول من أن روايات انتهت طبعاتها الورقية الأولى حتى قبل أن تصدر، وأن كتبا خلقت الجدل وأخرجت الناس، إما للاحتجاج ضدها أو للدفاع عنها، وهي ماتزال بعد في التصفيف، ولم تمنع برامج القرصنة الكثيرة والأجهزة الرقمية المتطورة التي يملكها عموم المواطنين في جيوبهم، (لم تمنعهم) من أن يقفوا في صفوف طويلة من أجل الحصول على نسخهم الورقية الشخصية.
لسنا في حاجة إلى بحوث ثقيلة ومناهج دقيقة، لنستنتج أن ملايين الشباب المغاربة الذين نجدهم منشغلين حد الهوس بالتطبيقات الرقمية، في القطارات والحافلات والساحات العامة والمقاهي والنوادي، بل وفي قاعات الدرس في المدارس والمدرجات في الجامعات، لا علاقة لهم بالقراءة.. إنهم يفعلون كل شيء إلا القراءة. وأقصى ما يفعله «المجتهدون» منهم هو البحث عن جمل مجتزأة من سياق فلسفي أو أدبي أو فني ونشرها على أنها منتهى الوعي، بل وتتم في أحايين كثيرة نسبتها إلى غير أصحابها، والاستمتاع بالسخرية من ذلك. فلننظر إلى ما ينسب لديكارت وابن رشد وجورج أوريل، إن كان فعلا كلاما يخصهم. ولنسأل هؤلاء «الناشرين» للكلام على عواهنه، أن يعطونا، فقط، اسم عنوان واحد لكتاب يخص فيسلوفا أو مفكرا أو أديبا نسبوا له كلاما لتوسل «جيمات» و«لايكات» من سيتحرشون بهن على الخاص، فلنجرب إذن طرح الأسئلة الحقيقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى