شوف تشوف

الرأي

ما الهدف من اتهام سوريين بالتحرش بالألمانيات؟

معلقات الثناء والمديح انهالت على ألمانيا ومستشارتها أنجيلا ميركل، وسياسة حكومتها الإنسانية، في استقبال مليون لاجئ معظمهم من السوريين الفارين بحياتهم وأطفالهم من الموت بحثا عن أي ملجأ آمن يتوفر لهم، حتى أن السيدة ميركل احتلت أغلفة معظم المجلات العالمية كشخصية العام، ولكنها فرحة لم تدم طويلا على ما يبدو.
بعد أقل من عام تغيرت الصورة، وتحولت ألمانيا إلى «منصة» لانطلاق حملات إعلامية وسياسية مكثفة من قبل أحزاب عنصرية تركز على شيطنة المهاجرين، واتهامهم بالتحرش والاعتداء جنسيا على الفتيات الألمانيات الشقراوات العفيفات الطاهرات، والمطالبة بطردهم، وإغلاق الأبواب في وجه القادمين الجدد منهم.
حتى مجلة «شارلي إبدو» الفرنسية الساخرة التي تعرضت لهجوم إرهابي في مثل هذا الوقت من العام الماضي، نفذته خليه تابعة لـ«الدولة الاسلامية» استدعى تعاطف العالم بأسره، بما في ذلك زعماء عرب رفعوا شعار «كلنا تشارلي إبدو»، نشرت رسما كارتونيا تظهر فيه شقراوات يفرن ذعرا من جثمان الطفل الكردي إيلان، بتعليق يقول بأنه لو عاش وكبر لأصبح متحرشا جنسيا، في إهانة عنصرية جديدة تضيفها إلى ملفها الحافل بالإساءات العنصرية، وعلى رأسها التهجم على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
الفبركات الإعلامية لم تعد قاصرة على محطات التلفزة العربية، بل انتقلت، بكل أسف، إلى ألمانيا ودول غربية أيضا، حيث تعج وسائل إعلامها، ودول أوروبية أخرى، بمزاعم تتهم المهاجرين من سوريا والعراق ودول شرق أوسطية أخرى بالوقوف خلف أعمال الاغتصاب، وتطالب بتغيير القوانين الأوروبية بما يسمح بطرد هؤلاء، حتى أن صحيفة دنماركية نشرت صورا للتحرش في مصر، وقالت إنها وقعت في مدينة كولون الألمانية ليلة رأس السنة!
نعيش في أوروبا منذ ما يقرب الأربعين عاما، وأحداث التحرش والاغتصاب من الجرائم المعهودة، في ليلة رأس السنة، حيث تزدحم ميادين رئيسية في كل العواصم بمئات الآلاف من المحتفلين بمقدم العام الجديد، ويحتسي هؤلاء كميات هائلة من الكحول، بحيث يفقدون السيطرة على تصرفاتهم، نساء كانوا أو رجالا، ولا نبالغ إذا قلنا أن عمليات التحرش الجنسي تأتي من قبل نساء في حالات كثيرة، وألمانيا ليست استثناء، مضافا إلى ذلك أن هذه الحوادث لا تؤخذ بالجدية الكافية من قبل السلطات الأمنية.
الخطير في الأمر أن هذه الحملة العنصرية المتفاقمة في ألمانيا ضد المهاجرين العرب والمسلمين بدأت تمتد إلى معظم الدول الأوروبية الأخرى، وتذّكر بمثيلاتها التي جرى اتباعها أثناء حكم النازية، والتحريض الذي اتبعته ضد الأعراق الأخرى، مما أدى إلى انفجار الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها أكثر من أربعين مليون إنسان.
صحف ومجلات ألمانية نشرت صورا لفتيات ألمانيات، شقراوات عاريات تماما، وأياد سوداء تعبث بأعضائهن الجنسية، للإيحاء بأن اللاجيئن الأجانب يعتدون على العرق الألماني جنسيا، لإثارة النقمة ضد هؤلاء، وتحريض الألمان على الانتقام من المهاجرين، حفاظا على شرف العرق الآري النقي، وهو الأسلوب نفسه الذي اتبعته صحف الحزب النازي في حينها.
حتى في بريطانيا العجوز بدأنا نلمس بعض أعمال التحريض ضد اللاجئين، رغم أن حكومتها لم تقبل إلا بضعة آلاف من اللاجئين السوريين فقط، وعلى مدى خمس سنوات، وذهب أحد أبرز وأشهر مقدمي البرامج فيها أمس إلى نشر تغريدة على موقعه في «تويتر»، الذي يتابعه الملايين، يقول فيها إنه تأخر عن موعد مهم لأن بريطانيا أصبحت مزدحمة باللاجئين والأجانب عموما.
أذكر في ذروة التحريض ضد ليبيا بعد جريمة تفجير طائرة لوكربي، أن جريدة شعبية بريطانية، توزع خمسة ملايين نسخة يوميا في حينها، نشرت تحقيقا على عدة صفحات، تحت عنوان ««the Libyan Romeos، أجرت فيه مقابلات مع زوجات شقراوات لشبان ليبيين تركوهن وأطفالهن، وعادوا إلى بلادهم، واعتبرت هذا العمل مشينا، ونسيت الصحيفة أن نسبة الطلاق في بريطانيا تصل إلى أكثر من سبعين في المئة، وتناست أن هناك زيجات ناجحة جدا بين ليبيين وبريطانيات.
اللاجئون السوريون الذين وصلوا إلى ألمانيا معظمهم من الشباب المؤمن المتدين، ويكنون كل الحب والتقدير، والاعتراف بالجميل، للدول الأوروبية التي فتحت أبوابها لهم، في الوقت الذي أوصدتها دول عربية شقيقة، لعبت دورا كبيرا في تدمير بلدهم تحت شعار حماية الانسان السوري، وتوفير حياة ديمقراطية كريمة له، ولكن في أي مكان آخر غير أراضيها المحظورة عليهم.
أولويات الشباب السوري القادم لاجئا إلى أوروبا التأقلم مع عادات وثقافة البلد الجديد، والحصول على الطعام والدواء، وتعلم اللغة والاندماج، والبحث عن عمل، أي أن التحرش الجنسي شبه معدوم على قائمة احتياجاته وأهدافه، ولا نستبعد أن يتعرض هؤلاء الشباب السوريون إلى إغراء الألمانيات والأوروبيات أنفسهن لأنهم الأكثر وسامة وأدبا وأخلاقا، والأكثر عاطفية وسهولة في الوقوع في الغرام والزواج بالتالي، وهناك مئات الآلاف من أقرانهم العرب فعلوا الشيء نفسه، وربما لا نبالغ إذا قلنا أنه ربما يحدث العكس، أي يتحرش شبان ألمان باللاجئات السوريات لجمالهن واختلافهن، ولكنهن لا يشتكين للبوليس بسبب طبيعة تربيتهن وتجنبهن الفضيحة.
ظاهرة اتهامات التحرش الجنسي هذه المنتشرة حاليا في وسائل الإعلام التقليدية في أوروبا، وغير التقليدية (وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية)، تهدف إلى تكريه الشعوب بالمهاجرين، وإصدار التشريعات الجديدة لترحيلهم، وحظر حصولهم على حق المواطنة لاحقا، لأنهم مسلمون، أو معظمهم، في ظل تصاعد «الإسلاموفوبيا» وتعرض بعض العواصم لأعمال إرهابية على غرار ما حدث في باريس من تفجيرات قبل بضعة أشهر، أما في ألمانيا فإن المبالغة والتضخيم لأعمال التحرش هذه هدفها الإطاحة بالسيدة ميركل وحزبها، وكذلك استعادة الدور العسكري لألمانيا، وتبرير تدخلها في الشرق الأوسط، وسورية تحديدا، فالطبقة الحاكمة في ألمانيا، مثلما أثبتت تجارب القرن العشرين المنصرم، لا تستطيع خوض حرب دون توظيف العامل العنصري، وتهيئة الأجواء لبروز النظام المطلق.
عملية الشيطنة هذه ستعطي نتائج عكسية إذا استمرت بالوتيرة نفسها، على الدول التي تسمح بممارستها واستقرارها وأمنها، فهذه المجتمعات الأوروبية «الهرمة» بحاجة ماسة إلى هؤلاء اللاجئين الشبان لتحريك عجلة اقتصادها الخامل.
لا ننسى في هذه العجالة أن نلوم حكوماتنا التي أوصلتنا إلى هذا الوضع المزري، ودفعت بعض أهلنا للهجرة إلى مجتمعات توفر لها لقمة العيش والأمان، ونلوم أنفسنا أيضا، لأننا سقطنا في فخ المخططات التي تريد تفتيت بلداننا، وتعميق انقساماتنا الطائفية، وإذكاء نار الحروب الأهلية والمذهبية لتدميرنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى