الرأي

مباريات مستعملة للبيع

عرفت أسواق بيع المباريات انتعاشة كبيرة منذ بداية شهر ماي، بعد أن سمحت الحكومة بوضع قيم التنافس الشريف تحت الحراسة النظرية، وأقرت بتحرير الأسعار وخوصصة القطاع وفتح الباب على مصراعيه أمام رؤوس الأموال كي تستثمر في تجارة موسمية مدرة للربح.
كلما اقترب موعد انتهاء البطولة إلا وارتفع سعر النقط، (نقطتان فوق الفاء وليست واحدة)، وأصبح البحث عن التعادل مكلفا، بينما الحصول على النقط الثلاث لا قدر الله متبوعا بتحقيق للشرطة العلمية وسين وجيم أمام محققي الفرقة الوطنية. لهذا تسجل أسعار نقط المباريات في بداية الموسم الرياضي أدنى مستوياتها، فيصبح التعادل بنكهة الهزيمة والفوز بطعم وجبات الحمية الغذائية.
البيع والشراء في مباريات كرة القدم ظاهرة كونية، يمكن أن نصادفها في دوري «المهترئين» بسنغافورة أو دوري المحترفين في ألمانيا، لكن مع فرق بسيط أن تجارهم ليسوا هم تجارنا وزبائنهم ليسوا هم زبائننا، سيما بعد أن أصبحت تجارة «الماتشات» جزءا من انشغالات الباعة المتجولين، الذين يعلنون استعدادهم لمساعدة الراغبين في الفوز لمن يدفع أكثر ويبذل جهدا أقل، شعارهم «الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري».
لا تنتهي مباراة في كرة القدم، إلا وتنبعث منها رائحة البيع والشراء، وفي اليوم الموالي يحرر صك الاتهام وتعرض النازلة على لجنة التأديب والروح الرياضية، التي يرأسها شخص توبع في قضية بيع مباراة جمعت قبل عامين النادي القنيطري والرجاء الملالي. وحين تصدر أحكام اللجنة، غيابيا طبعا، لا يدان السماسرة والوسطاء وما بينهم، أما القضاء المغربي فيتجنب حشر أنفه في قضايا الكرة كي لا تغضب «الفيفا» ونصبح على ما فعلنا نادمين.
يستعين كثير من المدربين المغاربة بمستشارين في «اقتصاد الكرة»، يعتمدون عليهم في فتح المفاوضات بعد منتصف الليل، وإنجاز الصفقات السرية وتفويت بعض النتائج حين يكون الوضع مستقرا، وفيهم مآرب أخرى تتجاوز حدود الكرة. أشهر المستشارين في بورصة القيم صحفي أصبح ملازما لأحد المدربين كظله، ينتقل معه من فريق لآخر يوقع عقد الانضمام للنادي بصفته مستشارا دون تحديد طبيعة الاستشارة، وحين يغادر المدرب والوفد المرافق له الفريق نحو وجهة أخرى، يحزم «المستشار» حقيبته بعد أن يصبح عقده لاغيا بقوة القانون.
في أغلب فرقنا يوجد مستشار لا أحد يعلم سر تحركاته المسائية، إلا المدرب وحواريوه، ولأنه يحتاج إلى تركيز أكبر، فإن النادي مطالب بالاستجابة لكل طلباته بما في ذلك توفير بطاقة ائتمان بنكية لا يرفض لها شباك أوتوماتيكي طلبا، وتذاكر سفر مفتوحة وهاتف «محمول» على الأكتاف، والتزام بسرية المعاملات إلى أن يأتي الله أمرا كان مفعولا.
ولأن بيع المباريات حدث موسمي، فإن كثيرا من الوسطاء يصرفون النظر عن بيع اللاعبين وإعارتهم ويهتمون بتجارة لا تبور، من خلال تفويت نتائج المباريات وبيع النقط بالجملة والتقسيط، وحشد الهمم لتمرير الصفقة بدون وجع رأس. بل إن المشهد الكروي استقطب أشخاصا عرفوا بنباهتهم في سوق بيع الأعضاء، فولوا وجوههم صوب قطاع بيع الذمم. منهم من كان إلى زمن قريب يتزعم حملة فايسبوكية لبيع رئيس الفريق في المزاد الأزرق، على أحد أشهر مواقع التجارة الإلكترونية على الأنترنت، حيث حدد السعر وقدم تسهيلات في الأداء.
في زمن الكساد الكروي، يملك الوسطاء «كاطالوغات» للاعبين ومدربين ومسيرين وصحافيين وحكام، لهم استعداد فطري لصنع نتائج المباريات خارج رقعة الملعب، بعيدا عن خطط المدربين وصفارات الحكام وأعلام المساعدين، مع التزام غير مكتوب يؤكد الاستعداد التام لفتح الشباك أمام الكرات التي تبحث لها عن مستقر، وتشجيع مهاجم عانى من العقم على امتداد موسم كامل ليظفر في مباراتين بلقب الهداف الأسطوري، بتواطؤ مع مدافع وحارس يؤمنان بأن القدم العليا خير من القدم السفلى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى