الرأي

محاربة الفساد بالتيمم

يونس جنوحي
لن يكون من الصدف أن يُعين رئيس الحكومة، في آخر أيام الشهر الماضي، مستشارا خاصا بمحاربة الفساد..، لكن جريمة في حق التاريخ المغربي تم ارتكابها عندما أعلنت بعض الصحف أن هذه هي المرة الأولى التي يعين فيها رئيس حكومة في ديوانه مستشارا خاصا بمحاربة الفساد. والحقيقة أن مستشارين في محاربة الفساد تم تعيينهم في الحكومات منذ عهد الملك الراحل محمد الخامس، أي قبل ستين سنة.
تزامن هذا مع فتح جبهات ضد الفساد بمختلف أنواعه، لكن ولا واحدة منها انطلقت حتى الآن من مكتب رئيس الحكومة. فالمسؤولون الجماعيون الذين أحيلوا على التحقيق بسبب الرقم الخاص بمحاربة الرشوة، ألقي القبض عليهم بتعليمات إدارية بناء على شكايات سُجلت ضدهم. والفساد الذي أعلن عنه في سلك الماستر بعدد من المواقع الجامعية، تم إعطاء الأمر بفتح تحقيق فيه، بتراتبية إدارية لا علاقة له مرة أخرى برئاسة الحكومة.
وكل ما قام به ديوان رئيس الحكومة، هذه الأيام، هو التذكير بأهمية القدس كعاصمة لفلسطين المحتلة، وآخر ما أعلن عنه، إلى حدود كتابة هذه الأسطر، هو التأكيد على ضرورة احترام قانون السير.
وعلى ذكر قوانين السير والحوادث، فإنه من المفجع استحضار ما وقع للممرضة الشابة التي بالكاد تتلمس طريقها في تخصص التخدير، حيث رافقت مريضة عبر سيارة إسعاف نواحي آسا الزاك، في اتجاه مركز مدينة أكادير، التي يعرفها رئيس الحكومة جيدا وتعرفه، ببساطة لأن التخصصات الحيوية التي تفصل مصير المواطنين في الجنوب كله وحياتهم، لا توجد إلا في مستشفى أكادير.
والله وحده يعلم عدد الأرواح التي زهقت قبل الوصول إلى مستشفى الحسن الثاني بأكادير، والذي فُتحت تحقيقات كثيرة على مر السنوات للكشف عن مصير تجهيزاته، وما يُسجل من طرف المواطنين من شكايات ضد مسؤوليه والخدمات داخله.
إن محاربة الفساد لا بد أن تبدأ بمحاسبة كل الذين يتحملون المسؤولية في تردي الخدمات الأساسية في منطقة الجنوب. على اعتبار شساعة المساحة أولا مقارنة مع باقي المناطق، وثانيا لأن جل الكوارث الإنسانية التي عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة وقعت في الجنوب، بدءا بالحوادث المميتة في الطرق الجبلية التي تعود لعصر استكشاف الفرنسيين للبلاد قبل ثورة 1933، ووصولا إلى الفيضانات التي تجرف الدواوير وملاعب الكرة وتضرب معها موعدا سنويا منتظما يجرف القناطر التي لا تُبنى إلا لتُجرف.
من المُخزي فعلا أن يُضطر سكان منطقة آسا الزاك، بالنسبة للذين لا يعرفون الخريطة، فإن هذا الإقليم يوجد على مقربة من الحدود المغربية- الجزائرية، ويتبع لجهة كلميم- واد نون، ورغم ذلك فإن قاطني معظم قراه وتجمعاته السكانية الكبرى يقصدون أكادير للدراسة العليا والعلاج.
في حادث وفاة الممرضة الشابة التي عينت قبل أشهر قليلة فقط في إقليم آسا الزاك قادمة من الدار البيضاء في إطار أداء واجبها المهني الذي اختارته، اختلط واقع الصحة الهش بمرارة واقع الطرق وحرب حصد الأرواح التي لا تتوقف نهائيا رغم محاولات الوزارة ثني المواطنين عن ارتكاب الحوادث بتوزيع ملصقات البطيخ «المفرشخ» على قارعة الطرق. ليظهر لنا جليا أن محاربة الفساد في هذا البلد لن تكون إلا بالنزول إلى الأرض والضرب على أيدي المفسدين وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حتى لا تضطر سيدة أخرى إلى شد الرحال وقطع مئات الكيلومترات في سيارة إسعاف لتلقي حقنة في أكادير.. أما تعيين المستشارين في محاربة الفساد فلن يقصر الطريق ولن يبني القناطر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى