شوف تشوف

الرئيسية

محمد السادس: هذا ما كسبه المغرب وليبيا اقتصاديا بعد توقيعهما اتفاقية وجدة

بالرجوع إلى ما فتحته معاهدة وجدة التي اقترح الملك الراحل الحسن الثاني فكرة توقيعها مع القذافي من أبواب امتياز للمغرب بالضبط تتأكد نباهة وبعد نظر الملك الراحل، فبعد أن اكتشفنا كيف أن الحسن الثاني تمكن من تجنب شر العقيد القذافي الذي كان يدعم مناوئي المغرب والملكية عسكريا عبر تكريس اتفاق دفاع عسكري مشترك بين المغرب وليبيا، سمح الاتفاق المغربي الليبي بخلق الاتحاد العربي الإفريقي بتحقيق مكاسب للمغرب على الخصوص في المجال الاقتصادي، ذلك أن ليبيا هي قوة اقتصادية كبيرة بفضل رصيدها البترولي والطاقي الضخم، وأي اتفاق متقدم معها سيتيح للطرف الثاني في الاتفاق امتيازات تسهم في تحقيق توازن في الميزان التجاري الذي دائما ما تخل به كلفة المواد الطاقية.

لذلك توقف الملك محمد السادس في بحثه عند مكامن التعاون الاقتصادي بين المغرب وليبيا بموجب اتفاقية وجدة الموقعة سنة 1984. وفي هذا الإطار يقول الملك: «حظي الجانب الاقتصادي بنفس درجة الاهتمام التي نالتها القضايا السياسية والدفاعية. فقد نصت المادة التاسعة من معاهدة وجدة على أن السياسة المشتركة في المجال الاقتصادي تهدف إلى السعي لتحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية بكلا البلدين، واتخاذ ما يلزم من وسائل لبلوغ هذه الغاية، لا سيما بإحداث منشآت مشتركة وإعداد برامج اقتصادية عامة أو نوعية. وفي هذا الإطار نصت المعاهدة في مادتها الرابعة على إنشاء مجلس اقتصادي».

يتابع الملك مستدركا: «لكن تحقيق هذه الأهداف يتطلب استغلال الموارد الطبيعية والمالية والبشرية غير المستغلة في البلدين، وتكثيف استخدامها من أجل دفع عجلة التنمية وتحقيق الرفاهية للمواطنين في البلدين الشقيقين، ولذلك فقد نصت المادة العاشرة من المعاهدة على أن للاتحاد ميزانية خاصة بالتنمية. وفي هذا الإطار يمكن إقامة المشروعات الزراعية والصناعية المشتركة واستغلال الثروات الحيوانية والتصنيع الزراعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي للبلدين، وكذلك إقامة المشروعات المشتركة لاستغلال الموارد الطبيعية».

على هذا المستوى من التحليل الذي يقدمه ولي العهد سيدي محمد، ليس بصفته باحثا طالبا في سلك الإجازة فقط، بل شخصا يحضر لكي يكون ملكا لدولة مستقبلا، يتضح أن الملك نظر إلى المعاهدة المغربية الليبية بعين استراتيجية، بالتركيز على ما يمكن أن يقدمه البلدان لبعضهما البعض وليس باعتبار كون ليبيا دولة بترولية يعيش اقتصادها على إنتاج النفط الخام. هذا الحس التنموي لدى الملك، والذي تقرر حينما صار ملكا بعد ذلك، يتضح من خلال بقية التحليل الذي يقدمه لطبيعة التعاون الاقتصادي بين المغرب وليبيا في ظل معاهدة وجدة، إذ يورد الملك: «ولا شك أن الموارد الاقتصادية للبلدين هي موارد وفيرة ومتنوعة، وأنها غير مستغلة الاستغلال الأوفى. لذلك يجب استغلال هذه الموارد بما يكفل منع التنافر ويزيله لكل يصل إلى درجة التكامل ويضمن الاستغلال الرشيد الذي يحقق المصلحة المشتركة ويحفظ السيادة الاقتصادية للشعبين على مواردهما الاقتصادية. لذلك يجب التركيز في التعاون الاقتصادي على الاستثمارات في المجال الصناعي لأهميتها القصوى للتنمية الاقتصادية، ويمكن في هذا المجال تنسيق العمل في الصناعة البتروكيماوية وصناعة الحديد والفولاذ، وزيادة الاهتمام بتصنيع المنتجات النباتية والحيوانية، والاهتمام بالصناعات التي تؤمن مستلزمات الإنتاج الزراعي، وهذه كلها مجالات تتوفر للدولتين فيها طاقات وموارد هائلة. أما في مجال الزراعة فإن السياسة المشتركة يمكن أن تهدف إلى رفع الكفاية الاجتماعية وإعطاء الأسبقية للزراعات التي تؤمن الاكتفاء الذاتي الغذائي والاهتمام بالثروة الحيوانية وإنشاء مشروعات زراعية مشتركة».

ويردف الملك مفصلا خطوات التعاون الاقتصادي بين المغرب وليبيا باستغلال عناصر قوة كل منهما ذاكرا: «لكن كل ذلك يقتضي كفالة حرية الانتقال والعمل في البلدين دون أية قيود أو شكليات، وقيام شبكة من المواصلات الميسرة لنقل الأفراد والسلع والخدمات. وقد خطا البلدان في هذا المضمار خطوات لا بأس بها، بالرغم من قصر التجربة الاتحادية، تتعلق بانتقال الأيدي العاملة (هنا يورد الملك في هامش الصفحة التعليق التالي: أبلغ مصدر ديبلوماسي ليبي وكالة الأنباء الكويتية أن المكتب الشعبي بالرباط يقوم بإنجاز حوالي 200 معاملة للعمال المغاربة الذين سيتوجهون إلى ليبيا. ويشمل هؤلاء العمال فنيون ذوو اختصاص وأيدي عاملة عادية. وأضاف المصدر أن هذا يدخل في إطار تطبيق بنود معاهدة وجدة التي تم بموجبها اتحاد بين ليبيا والمغرب) وإلغاء التأشيرات بين البلدين، والسماح للمقاولات المغربية بالعمل في ليبيا بعد تعديل التشريعات في البلدين. ويمكن اعتبار التجارة من العناصر الأساسية للتكامل الاقتصادي، لا سيما إذ تم التنسيق بين خطط التنمية في البلدين، وتم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتسهيل التبادل التجاري بينهما. ومما يدعم ذلك، أن للبلدين اقتصاديات متكاملة. فالمغرب بلاد فلاحي ويتوفر على صناعات خفيفة تمكنه من تزويد السوق الليبية بالمنتجات المتنوعة، في حين أن ليبيا بلد ينتج الطاقة وفي إمكانه تزويد المغرب باحتياجاته من النفط ومشتقاته».

عمليا، أسهم الاتفاق المغربي الليبي في بروز معالم تكامل اقتصادي فور توقيع الاتفاق، وهو ما رصده الملك في بحثه موضحا: «وتجسيدا للتعاون بين البلدين في هذا المجال، تمت دراسة مختلف أوجه التعاون بينهما، وتم التوصل إلى اتفاق ينظم التعاون في مجال الطاقة، إذ تم التوقيع في مدينة الرباط على محضر ينص على التعاون بين البلدين في ميدان التنقيب عن النفط في المملكة المغربية، وكذلك تزويد السوق المغربية بالنفط الخام الليبي، وتزويد ليبيا بما ينتجه المغرب من زيوت أساسية وبقنينات الغاز وما تحتاج إليه السوق الليبية من مواد مختلفة. وهكذا يتبين أن الاتحاد العربي الإفريقي فتح العديد من المجالات التكاملية وخاصة مجالات الزراعة والمعادن والصناعة الكيماوية واليد العاملة وغيرها، وهو يفتح ميادين جديدة للتعاون والتكامل بين اقتصاديات البلدين ويمكنهما من الوسائل الكفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي والتحرر الاقتصادي».

يتضح من خلال هذا التحليل أن المطمح وراء توقيع معاهدة وجدة هو خلق قوة اقتصادية تضمن للمغرب وليبيا تحررهما الاقتصادي واكتفاءها الذاتي بشكل يغنيهما عن من سواهما من دول، دون إغفال التنسيق السياسي الذي يعد مرتكزا أساسيا في معاهدة وجدة كما يذهب إلى ذلك الملك محمد السادس في بحثه حين يقول: «وإذا كان من الواضح أن العلاقات المغربية الليبية شهدت منذ إنشاء الاتحاد العربي الإفريقي تزايدا في التعاون الاقتصادي المبني على العقلانية والواقعية الاقتصادية، فإن ذلك يؤكد من ناحية أن هذا الاتحاد اختط نهجا جديدا يتجاوز لغة العاطفة التي سادت في التجارب الوحدوية الأخرى، والتي تقضي بأن هذا التوجه القومي هو أسمى من المنافع المادية والمصالح وتعظيمها، ومعالجة المشاكل الاقتصادية الهيكلية، وخير مثال على ذلك هو الجامعة العربية نفسها، فالعامل المهيمن وراء تأسيسها لم يكن العامل الاقتصادي – كالسوق الأوربية المشتركة- على الرغم من ضخامة المشاكل الاقتصادية التي ورثتها الدول العربية متمثلة بالتخلف والتجزئة والتبعية، ولكنه العامل السياسي. فالتجارب الوحدوية قبل معاهدة وجدة كانت تتميز بأنها تجمع بين أنظمة سياسية واقتصادية متشابهة، فهذا التشابه كان يعتقد بأنه الضمانة الوحيدة لاستمرار اتحادات الدول بين البلدان العربية، غير أن الاتحاد العربي الإفريقي تجاوز الدور السلبي للعامل السياسي، فقد استطاع أن يوضح الفوائد الكبيرة والمتبادلة للتكامل الاقتصادي، وأن يبدد استحالة التعاون بين أنظمة اقتصادية وسياسية متناقضة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى