شوف تشوف

الرئيسية

مرجان.. قصة امرأة صنعت مجد رحال أكبر ممون حفلات بالمغرب

لم يخطر ببال حليمة مرجان، وهي تؤطر القطاع النسائي لحزب الاستقلال مع مطلع فجر الاستقلال، أن مسيرتها النضالية ستتوقف قبل أن تبلغ عقدها الثاني. ولم يصدق زميلاتها في حزب علال الفاسي أن الفتاة التي أشرفت على تأطير الشبيبة الاستقلالية في مهدها ستعلن استقالة غير مكتوبة من الحياة السياسية.
تبدو حليمة سعيدة وهي تستظهر شريط الذكريات الوطنية، خاصة دورها في تعبئة النساء في فترة تاريخية تتسم بقدر كبير من الأصالة والمحافظة، «نلت شهادة معلمة وأنا صغيرة السن فقررت من موقعي في حزب الاستقلال النهوض بالقطاع النسائي والبداية بمكافحة كل أشكال الجهل والأمية. وبموازاة مع ذلك، كنت مشرفة على كل الأنشطة النسائية في الدار البيضاء».
رغم نشأتها في وسط أسرة جد محافظة، فإن قضايا الوطن لم تمنعها من الخروج إلى ساحة المعركة، فوالدها الفقيه العلامة سيدي إبراهيم مرجان كان إماما بمسجد «ولد الحمرة» بالمدينة العتيقة بالدار البيضاء، لكنه ظل مؤازرا لابنته حين اختارت مهنة التدريس والتحقت بالجبهة الأمامية لفيلق محاربة الجهل والأمية في صفوف النساء. كان والدها يقدم الموعظة في المسجد العتيق ويحاول قدر المستطاع اجتثاث الجهل، بينما حولت هي فصلا في مدرسة بدرب لخويمة إلى فانوس يضيء طريق نساء تلك الحقبة وينهي العتمة الناتجة عن جهالة كرسها المستعمر.
لم يلفت الشاب رحال نظر حليمة، رغم حضوره الدائم في أغلب التجمعات الحزبية، لدواع سياسية بل لغايات تجارية، فلم يكن الفتى رحال القادم من عمق الرحامنة، مهتما بخطب علال الفاسي ومداخلات عبد الخالق الطريس، بل كان همه الوحيد مخاطبة أمعاء أبناء الشعب الذين كانوا يتحلقون حول منصات الخطابة، «لم أهتم به وبنظراته التي تطاردني، ولم أكن أتوقع وأنا أبادله التحية بكل حياء بأنه سيطرق باب بيتنا هو وإخوته طالبا يدي من والدي وأنا لم أكمل بعد سن الثامنة عشرة من العمر».
أراد رحال أن يعيش الاستقلال السياسي والعائلي، وقرر أن يتزوج معلمة وسياسية لا تتقاطع الحياة معها إلا عند مفترق الطموح. انتظر موافقة الوالد في زمن لا يعلا فيه على قرار سيد البيت، وحين أبطأ القرار لجأ لصديق حرر له على الفور رسالة استعطاف خطية مقابل كأس حليب وحلوى من ألف ورقة (ميل فاي).
«دس في جيبها رسالة سكب فيها كل ما يسكنه من مشاعر، وحين قرأت الرسالة انخرطت في نوبة بكاء، وكشفت لأمها ما حصل وقررت إحالة القضية على والدها الذي تعهد بالتصدي للجرأة الزائدة للحلواني». لكن رحال وإخوته طرقوا بيت مرجان، في عمل استباقي، طالبين القرب من أسرة العلم والفقه والسياسة. ولأن والد العروس كان شديد الإيمان بالقضاء والقدر، فقد حسم الأمر مبكرا واكتفى بسؤال جوهري يختزل كل المسافات:
-هل أنت قادر على ضمان عيش كريم لابنتي؟
-إذا شاء الله وأراد. رد رحال بخجل.
كان أول اختبار لفتاة حديثة العهد بالزواج هو القدرة على القطع مع السياسة والتعليم والنضال بكل أشكاله والانخراط في حياة جديدة. تخلت حليمة عن العمل النضالي، وهي التي كانت تصطف في الصفوف الأولى من خندق محاربة الأمية. كان شعارها في الحياة الجديدة هو الجهاد الأكبر بعد أن تحقق الجهاد الأصغر.
«كان والدي يعرف حجم معاناتي في بيت يسع بالكاد زوجين، فقد اقترح على زوجي مبلغا من المال كسلف في حدود ثلاثة ملايين سنتيم، جعلتنا نفكر بجد في البحث عن مسكن جديد، جعلنا نقتني منزلا في درب التازي والذي كان في مكان شبه مهجور، سيصبح بعد ذلك قاعة للحفلات».
فطن الأب إلى أهمية إطعام الأفواه وركز على التجمعات الفرجوية من مواسم ومعارض وأسواق، بل كان سباقا إلى التعاقد الحصري مع سيرك عمار الشهير، القادم من الجارة الشرقية، والذي كان يستقطب في جولاته عبر المغرب آلاف المغاربة والأجانب.
رافقت حليمة زوجها من قراءة الفاتحة وتوقيع عقد الزواج إلى قراءة الشهادة معه، حين كان يلفظ آخر أنفاسه. في هذه اللحظات العصيبة، لم يخلف الرجل موعده مع الذوق، فقد طالب أمام استغراب الأهل، الذين كانوا يرفعون أكف الضراعة إلى الله كي يمده بالثبات عند الوفاة، بصحن «مرق بالتقلية»، بعد أن ضاق ذرعا بصبيب «السيروم».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى