الرأي

مزرعة الحزب

في مجتمع مغربي تعوزه ثقافة المجهود والجدارة والاستحقاق، بدءا من المدرسة والجامعة، وصولا إلى كل مجالات الحياة العامة، من الطبيعي جدا أن يلجأ المغاربة إلى كل الوسائل للحصول على الربح السريع، سيما داخل مناخ اللا يقين وغياب الاطمئنان، الذي يقض مضاجعهم تجاه مستقبلهم. لذلك أضحى نيل الترشح باسم حزب سياسي لمقعد برلماني، طريقا مختصرا لضمان المستقبل الشخصي. وبعد هذا يصبح السؤال عن «مبادئ» الحزب أو موقعه أو مواقفه، مجرد تفاصيل وجزئيات لا قيمة لها إطلاقا، فالأهم هو ضمان راتب محترم جدا إذا قورن بالمعدل المخجل للأجور الموجود حاليا، وذلك على مدى خمس سنوات، بالإضافة إلى تقاعد محترم مدى الحياة، تقاعد هناك من تعلم سبع سنوات في الجامعات، واشتغل لأكثر من ثلاثين سنة من العمل اليومي ولن يحصل عليه. فإصرار الحكومة وكل الأحزاب على عدم إعادة النظر في أجور وتقاعد البرلمانيين، أعطى للعمل السياسي بعدا واحدا ووحيدا هو أنه أضحى فقط وسيلة «للتَّدْبَار… دَبَّرْ عْليَا نْدَبَّر عليك»، فمن لم يتم إرضاؤه بمقعد برلماني، سيتم إرضاؤه بمنصب في مكتب الحزب بالبرلمان، أو في ديوان وزاري، وإذا كان المعني بالأمر «قاري شوية» سيتم إرضاؤه بمنصب سام، بعد أن يشارك شكليا في مسرحية الترشيحات التي سيشرف عليها رئيس الحكومة المقبل، تماما كما أشرف عليها الحالي.
لذلك «نتفهم» جيدا أن يفرح البعض لدرجة تنظيم حفلات لاستقبال المهنئين، فقط لأنهم حصلوا على مرتبة متقدمة في اللائحة الوطنية للحزب.. كذا، وأن يقدم البعض استقالاتهم لأن «الكعكة» قدمت لغرباء لا يعرفون حتى موقع مقر الحزب في المدينة.. ومن الطبيعي أيضا أن يغير البعض الآخر «لونهم» الحزبي بناء على وعود تتعلق بالبرلمان دائما، من قبيل العمل في مكتب البرلمان أو ديوان وزاري.. وكم كانت لاذعة تلك التعليقات «الفايسبوكية» التي وصفت حالة بعض «المناضلين»، وهم ينتظرون اللوائح الرسمية، بحال كسالى ينتظرون نتائج امتحانات الباكلوريا.
أبانت ردود الأفعال الصادرة عن «مناضلي» الأحزاب، بعد ظهور اللوائح الوطنية، عن نوايا متباينة، تشبه كثيرا نوايا وخلفيات أبطال رواية «المزرعة» للكاتب البريطاني الشهير «جورج أوريل». ففي كل حزب هناك «ماجور العجوز»، وهو رمز الحزب، وصاحب فكرته الأولى وهو متوفى الآن، إنما صوره تملأ المقرات الحزبية تحت شعارات رنانة، من قبيل «الشهيد» أو «الرفيق» أو «الشيخ» أو «الدكتور». كما نجد أيضا شخصية الأخ أو الرفيق «نابليون»، وهو الذي يقرر في شاردات وواردات الحزب، ويراكم سلطته بالاعتماد على جراء صغيرة أخذها من أهلها ليربيها، وتصبح كلابا حراسة شرسة تنهش في الأعراض، مستفيدة من «الفايسبوك» والمواقع الإلكترونية الممولة من مالية الحزب. وكما أن «نابليون»، جورج أوريل، غير طبيعته، من كائن يمشي على أربع إلى كائن يمشي على اثنين، لكونه يعتقد بأنه يتحدر من سلالة مختلفة، فإن نابليون الحزب أضحى هو أيضا مستبدا وطاغية ومتحكما، لاعتقاده بأنه من «سلالة» «كتخدم مع الله ومن أجل الله»، أو «كتخدم مع الشعب من أجل الشعب»، مع إضافة لمسة خاصة به، وهو أنه كثير الكلام وثرثار وسباب ولماز وهماز، بخلاف «نابليون» في الرواية، والذي هو قليل الكلام. لذلك نراه مثلا، تأكيدا لسلالته التي ترى بعين لا يرى بها عموم «الكوادر الحزبية»، يتخذ قرارا بخصوص لائحة الترشيح للانتخابات ويضع على رأسها شخصا لا يعرف حتى كم عدد أعضاء الأمانة العامة للحزب.
دون أن ننسى، طبعا، شخصية «سكويلر»، وهو المكلف بالدعاية في الحزب، ويمتلك قدرات كبيرة على تبرير الأخطاء والجرائم التي يقوم بها «الكوادر».. لذلك فمن مهامه هو إعاقة مداخلات المخالفين وتحوير النقاش والحرص على تقديم إحصاءات مزيفة تفيد بأن أحوال سكان المزرعة تتحسن، مع التهديد دوما بخطر عودة الاستبداد أو «التحكم» في حال تخلى ولي نعمته «نابليون» عن «الحكم»، مع الحرص دوما على تقديمه بمظهر «المؤمن التقي» أو «الرفيق المناضل». أما شخصية «بوكسر»، فهو فصيلة من «الحافريات» التي تصر على أن للحزب رسالة نبيلة، ويعول عليه كثيرا في الحملة الانتخابية القادمة، لإيصال رسالة «نابليون»، لأنه ذو عضلات قوية تمكنه من أن يكون صالحا للعمل الشاق، لكنه، عندما يصاب بكسر، يقوم «نابليون» ببيعه للجزار ليذبحه، ليطلب من باقي سكان المزرعة/الحزب، الصلاة من أجله لأنه مات شهيدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى