بانوراما

مشروع قانون مثير يشعل شوارع هونغ كونغ بالاحتجاجات

إعداد: سهيلة التاور

انتابت مواطني هونغ كونغ نوبة غضب استمرت لأكثر من أسبوع، فخرج إلى الشارع آلاف الأشخاص خلال شهر أبريل الماضي ثم الملايين خلال الأسبوع الفارط، تعبيرا عن ما اعتبروه عنفا سياسيا. فبعد أن اقترحت سلطات هونغ كونغ منح كاري لام, المديرة التنفيذية للمدينة, سلطات تسليم الهاربين والمشتبه فيهم إلى السلطات القضائية التي لا تشملها الترتيبات القائمة، بما في ذلك إلى الصين وتايوان، حيث تستبعد الترتيبات الحالية الصين بسبب سجلها السيئ في تطبيق القانون وحقوق الإنسان, انفجر الشعب في وجه الحكومة من خلال مظاهرات ضخمة شارك فيها مئات الآلاف من المواطنين المعترضين على القانون، والذي يعد أحد أكثر التشريعات إثارة للجدل في هونغ كونغ منذ قانون الأمن القومي لعام 2003، الذي ألغته السلطات بعد أن خرج ما لا يقل عن نصف مليون شخص إلى الشوارع لمعارضته.

بين المعارضين والحكومة
إثر الأحداث التي شهدتها هونغ كونغ، خرجت مجموعة من عناصر من المعارضة بتصريحات توضح موقفها ضد الحكومة وتؤكد أن المتظاهرين يتخوفون من القضاء الصيني، معتبرين أنه قد يقع في قبضته سكان من هونغ كونغ. وتقول الجبهة المدنية لحقوق الإنسان في هونغ كونغ، وهي ائتلاف مطالب بالديمقراطية، المنظم غير الرسمي للمظاهرات، إن الاحتجاجات ستمضي قدما تعبيرا عن إدانة استخدام الشرطة القوة المفرطة ضد المتظاهرين.
ويطالب الائتلاف بأن تسحب الحكومة تسميتها لاحتجاجات بأنها شغب وبأن تفرج عن المعتقلين وتتعهد بعدم التحقيق معهم. وقالت الشرطة إنه تم اعتقال 11 شخصا يوم الأربعاء الماضي.
وقالت النائبة كلاوديا مو من معسكر المطالبين بالديمقراطية إن كاري لام فقدت كل مصداقية أمام شعب هونغ كونغ ويجب أن تستقيل. وصرح جيسون نغ من مجموعة المحامين التقدميين بأن إعلان لام لا يلبي مطالب المحتجين. وأضاف «بالإضافة إلى ذلك، رفضت تحمل مسؤولية الإفراط في استخدام العنف من جانب الشرطة بحق المتظاهرين». وكان جيمس تو النائب من معسكر الديمقراطيين، دعا أيضا رئيسة الحكومة إلى الاستقالة. وقال «إن مصداقية رئيسة حكومتنا فقدت، وباتت حكومة لا يمكن أن تحظى بمصداقية للحكم بعد الآن ».
ويقول منتقدو مشروع القانون إنه يضع السكان تحت قبضة النظام القضائي في الصين، الخاضع لنفوذ الحزب الشيوعي، وتخشى أوساط الأعمال أن يسيء ذلك إلى صورة هونغ كونغ العالمية وقدرتها على اجتذاب الشركات. وفي المقابل تعتبر حكومة هونغ كونغ أن النص يسد فراغاً قانونياً ويمنع أن تصبح المدينة ملجأ لبعض المجرمين، وتؤكد أن تطبيق القانون سيكون متوافقا مع ضوابط حقوق الإنسان ولن يستهدف المعارضين السياسيين للصين.
بعد أسبوع من احتجاجات غير مسبوقة ومشاركة الملايين من سكان المستعمرة البريطانية السابقة، أعلنت هونغ كونغ أنه سيتم تعليق مشروع القانون، في تغيير بارز لموقف الإدارة. وبدأ التأييد لمشروع قانون التسليم يتراجع الأسبوع الماضي مع حث كثير من الساسة المؤيدين للصين ومستشار كبير للام على ضرورة تأجيل مناقشة مشروع القانون في الوقت الحالي.
وبحسب سلطات هونغ كونغ، فإن النص يسد فراغا قانونيا ويمنع أن تصبح المدينة ملجأ لبعض المجرمين. وتؤكد أن تطبيق القانون سيكون متوافقا مع ضوابط حقوق الإنسان ولن يستهدف المعارضين السياسيين للصين. ويشمل مشروع القرار سكان هونغ كونغ والأجانب والصينيين الذين يعيشون فيها أو يسافرون عبرها، وقد يهدد سيادة القانون التي تعزز وضع هونغ كونغ كمركز مالي دولي.
شكلت هذه المسيرة الاحتجاجية تحديا كبيرا للام التي لم تنتخب بل تم تعيينها، لكنها أكدت مع ذلك أنها لا تنوي تعديل جوهر النص ولا حتى سحبه، وقالت إن دراسة النص في قراءة ثانية ستجري في 12 يونيو. ورفضت الاتهامات بأنها لا تأخذ في الاعتبار الرأي العام، مشيرة إلى أن حكومتها قدمت تنازلات عديدة لضمان حماية الحريات الفريدة من نوعها في هونغ كونغ وتكييف القانون مع الشروط الدولية في مجال حماية حقوق الإنسان. وقالت «أنا وفريقي لم نتجاهل الآراء التي عرضت بشأن نص هذا القانون المهم جدا». وأضافت «استمعنا إليها باهتمام كبير»، مؤكدة في الوقت نفسه «لم أتلق أي تعليمات أو تفويض من بكين لوضع هذا القانون».
ومن جهتها، استدعت وزارة الخارجية الصينية مستشار سفير الولايات المتحدة لدى بكين، روبرت فوردن. وقالت الخارجية الصينية، في بيان، إن نائب وزير الخارجية الصيني لي يوتشينغ استدعى فوردن إلى مقر الوزارة، وأبلغه أن ما يحدث في هونغ كونغ شأن داخلي صيني، وعلى الدول الأخرى عدم التدخل فيه.

غضب شعبي
فجر مشروع القانون غضب سكان هونغ كونغ الذين يعتبرون أن القضاء الصيني غامض ومسيس، ويشعر جزء كبير من سكان المنطقة بقلق متزايد من نوايا الحكومة الصينية وخصوصا في عهد الرئيس شي جينبينغ والسلطة التنفيذية في هونغ كونغ. ويرون أن هذا القانون يسيء إلى صورة هونغ كونغ الدولية والتي تتمتع بسيادة شبه ذاتية. ودعا وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت هونغ كونغ إلى الإصغاء للقلق الذي يعبر عنه سكانها. وبموجب اتفاق لعام 1984 بين لندن وبكين، تتمتع هونغ كونغ بسيادة شبه ذاتية وبحريات غير موجودة في الصين نظريا حتى عام 2047، ومنذ عشرات السنين، تشهد المدينة تحركات سياسية قوية تخوفا من التدخل المتزايد للصين في شؤونها الداخلية، وبسبب الشعور بعدم احترام مبدأ «بلد واحد، نظامان» الشهير. وأعلنت أكثر من 100 شركة ومتجر إغلاق أبوابها تضامنا مع المعارضين لمشروع القانون. ودعت النقابات الطلابية الأساسية إلى مقاطعة الدروس ليشارك الطلاب في الاحتجاجات. وانضم مدرسون وممرضون وموظفون اجتماعيون أيضا للإضراب عن العمل، وهو أمر نادرا ما يحصل في هونغ كونغ. وقام مشجعون لكرة القدم من هونغ كونغ بأداء النشيد الوطني الصيني خلال مباراة في المدينة أمام تايوان.
ولم تكن أول مرة يغضب الشعب في هونغ كونغ، فقد سبق وأن عطلت «حركة المظلات» لأسابيع وسط هونغ كونغ المالي في خريف 2014 في إطار تعبئة واسعة للمطالبة بانتخاب رئيس السلطة التنفيذية بالاقتراع العام. لكن بكين لم ترضخ للمطالب. ومنذ ذلك الحين أوقف عدد من الناشطين المطالبين بالديموقراطية ومنعوا من الترشح للانتخابات أو حرموا من مناصبهم الاستشارية في المجلس التشريعي.

قلق أجنبي
أثار مشروع القانون الذي أعدته حكومة هونغ كونغ قلق حكومات غربية وأعربت حكومة تايوان عن دعمها للمتظاهرين في هونغ كونغ. وقال وزير خارجية تايوان جوزف وو، في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «أقف جنبا إلى جنب مع مئات الآلاف في هونغ كونغ، الذين يتصدون لمشروع قانون التسليم. من فضلكم اعلموا أنكم لستم وحدكم. تايوان معكم! إرادة الشعب ستسود!». وبموجب اتفاق لعام 1984 بين لندن وبكين، تتمتع هونغ كونغ بسيادة شبه ذاتية وبحريات غير موجودة في الصين نظرياً حتى عام 2047.
وفي بكين، أكدت الحكومة الصينية مجدداً دعمها لكاري لام، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية لو كانغ، إن الحكومة المركزية ستواصل دعم رئيسة السلطة التنفيذية لهونغ كونغ، وتابع أن التظاهرات لا تمثل كل الرأي العام في هونغ كونغ.
وردا على سؤال عما إذا كانت الصين ما زالت تعتبر أن الاحتجاجات هي نتيجة مؤامرة دبرت في الخارج، قال إن «حكومات ومسؤولين سياسيين أجانب صبوا الزيت على النار منذ تقديم مشروع القانون».
ومن جهته، قال متحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إنها ستثير قضية الاحتجاجات خلال اجتماعها مع نائب رئيس الوزراء الصيني هو تشون هوا الذي يزور لندن لتعزيز التعاون الاقتصادي والمالي بين البلدين. وأضاف المتحدث: «الاحتجاجات إشارة واضحة إلى المعارضة الشعبية، وتُسعدنا استجابة الحكومة».

تدخل الشرطة
بعد نزول حوالي مليوني شخص إلى شوارع هونغ كونغ، نزلت في وجههم شرطة مكافحة الشغب لفض الاحتجاجات باستخدام الغاز المدمع والرصاص المطاطي. وأصيب نحو 80 شخصا بجروح خلال الاضطرابات بينهم 22 شرطيا، بينما توفي متظاهر بعدما سقط من مبنى لدى مشاركته في مظاهرة.
وبهذا الشأن، ادعت الشرطة أنه لم يكن أمامها خيار سوى استخدام القوة لمواجهة المتظاهرين في محيط البرلمان، وأشارت جهات عدة، بينها مجموعات قانونية وحقوقية، إلى أن عناصر الشرطة تذرعت بتحركات مجموعة صغيرة للغاية من المتظاهرين العنيفين لإطلاق عملية أمنية ضد متظاهرين معظمهم سلميون ومن الشباب.
وحض قادة الاحتجاجات الشرطة على إسقاط التهم بحق أي شخص تم توقيفه لأسباب مرتبطة بالمواجهات الأخيرة. ويخشى المعارضون تنفيذ الحكومة عمليات انتقامية ويرغبون بالحصول على تطمينات بأن الشعب في هونغ كونغ والمتظاهرين لن يتعرضوا لمضايقات ولن تتم ملاحقتهم سياسيا من قبل هذه الحكومة.

اعتذارات لام
تعرضت رئيسة حكومة هونغ كونغ الموالية لبكين كاري لام لانتقادات كثيرة ودعوات متزايدة من معسكرها السياسي الخاص بما يشمل برلمانيين موالين لبكين من أجل الرضوخ لغضب الشارع والتخلي عن مشروع القانون حتى من حلفائها السياسيين ومستشاريها. ويشكل قرارها تنازلا نادرا من قادة هونغ كونغ. وقالت لام «إن الحكومة قررت تعليق مشروع القانون، وبدء التواصل مع كل شرائح المجتمع من أجل فعل المزيد والعمل والاستماع إلى مختلف آراء المجتمع». وأضافت: «لا ننوي تحديد موعد لهذا العمل ونعد بالتشاور مع أعضاء لجنة الأمن في المجلس التشريعي وإبلاغهم، قبل أن نتخذ قرارا حول الخطوة المقبلة».
وقدمت رئيسة حكومة هونغ كونغ كاري لام أصدق اعتذاراتها عن الأزمة الناجمة عن مشروع قانون يمهد الطريق أمام تسليم مطلوبين للصين. وقالت لام «أتحمل شخصياً أكبر قدر من المسؤولية عما أدى إلى إثارة جدل وخلافات وقلق في المجتمع». وأضافت: «أقدم أصدق اعتذاراتي لكل شعب هونغ كونغ». لكن اعتذارها لم يهدئ من غضب المتظاهرين. ولم تعط لام أي إشارة على أنها مستعدة للتنحي قائلة في المقابل إنها تريد مواصلة العمل بجهد كبير لتلبية تطلعات شعب هونغ كونغ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى