شوف تشوف

الرئيسيةخاصسياسية

مطلب إلغاء تقاعد البرلمانيين والوزراء

إعداد: كريم أمزيان
تسبب تصريح شرفات أفيلال، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالماء، المتعلق بقيمة معاشات البرلمانيين، التي قالت إنها لا تتعدى «2 فرنك» خلال استضافتها في برنامج تلفزي مباشر، في فتح ملف مطلب إلغاء معاشات البرلمانيين والوزراء من جديد، في الأشهر الأخيرة من ولاية الحكومة التي يقودها عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي عادة ما يؤكد في خطاباته أنه وضع يده على عدد من الملفات الحارقة، منذ توليه منصب رئاسة الحكومة.
الكل يعيش حالة ترقب كبيرة، انتظارا لما سيفعله عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة حيال هذا الملف، الذي فتح مجدداً، وأضحى موضوعاً تلوكه كل الألسن في كل الفضاءات، والصالونات السياسية، بين من يعتبره “ريعاً” وجب القضاء عليه، ومن يصفه بـ”هدر” للمال العام، مشيرا إلى صفة برلماني، التي هي انتداب فقط، وليس مهنة، خصوصاً أن هناك من البرلمانيين من سيغادرون مقاعدهم في البرلمان، وهم في سن الثلاثين، ضامنين معاشاً دائماً، في الوقت الذي مازال عدد من الشباب في سنهم لم يجدوا بعد عملاً يحفظ كرامتهم.
جمعيات المال العام عادت إلى الساحة من جديد، بعدما طالبت منذ حوالي عقد من الزمن، في خطوة جريئة منها، بإعادة النظر في تقاعد النواب والمستشارين البرلمانيين، إذ سبق للشبكة المغربية لحماية المال العام، أن طالبت بفتح هذا النقاش منذ سنة 2005، من خلال فهم الإطار القانوني المنظم لهذه المعاشات أولا، الذي يعتبره عدد من المتتبعين غامضاً، تعمد المشرعون تركه كذلك، ليشوبه لبس، يحول دون فهمه جيداً، داعية إلى اتخاذ القرار السياسي الملائم في ما يخص ذلك، على اعتبار أن نظام المعاشات للبرلمانيين والوزراء يعد في نظرها نظاما معاشيا تكميليا، أي تقاعداً يؤدى عنه من أجرة المعني بالأمر، فيما سبق للجمعية المغربية لحماية المال العام، أن نظمت وقفة احتجاجية، تعد سابقة من نوعها، تحت شعار “جميعاً من أجل إلغاء تقاعد البرلمانيين والوزراء” أمام البرلمان، أكدت من خلالها أن جزءا مما يمنح للبرلمانيين والوزراء يعتبر تبذيراً للمال العام، وجزءا من الريع، وأنه آن الأوان لوقفها، ووضع حد لهذا التوجه الذي وصفته بـ “غير المعقلن” من خلال سياسة تسميها “مصلحية”، خصوصاً مع مناقشة إمكانية توريث معاشاتهم، لزوجاتهم وأبنائهم.
اليوم، بعد “زلة لسان” الوزيرة شرفات أفيلال، المنتمية إلى حزب التقدم والاشتراكية الشيوعي، التي دفعتها إلى الاعتذار عبر صفحتها، بموقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، تقود تنسيقية، مكونة من فعاليات مدنية وجمعوية، حملة من أجل المطالبة بإلغاء معاشات البرلمانيين في المغرب، تجمع التوقيعات عبر موقع إلكتروني عالمي، منتظرة الإفراج عن القانون التنظيمي المتعلق بتقديم الملتمسات والعرائض، والمصادقة عليه، والذي سيمكن المواطنين، من المساهمة في التشريع، وإعلان مبادرات مدنية، كما نص على ذلك دستور 2011، حتى تتمكن من فرض رأيها وتوجهها ورؤيتها في ما يخص ما يجري في المؤسسة التشريعية.
وفي انتظار ذلك، تتجه الأنظار صوب رد فعل عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، تجاه هذه المبادرات، التي تهم تقاعد البرلمانيين والوزراء، خصوصاً أنه خص الجلسة الشهرية الخاصة بالسياسات العمومية، بتوضيح خطته في ما يتعلق بإصلاح أنظمة التقاعد، المهددة بالانهيار، غافلاً تقاعد البرلمانيين، الذي يحظى باهتمام بالغ الأهمية، من قبل عموم المواطنين، الذين ينتظرون تفاعله مع مطلبهم القاضي بإلغاء معاشات البرلمانيين والوزراء. فهل سيبادر بنكيران إلى توسيع النقاش بخصوص هذا المطلب؟ وهل سيكون جريئاً سماع صوت أسماء في حزبه، ويفتح الملف قبل نهاية ولاية حكومته؟

هذه قيمة معاشات البرلمانيين الحقيقية
يستفيد البرلمانيون أعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين، من معاشات يصفها المراقبون بـ “السخية” على الرغم من أن الوزيرة شرفات أفيلال الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالماء، قالت إنها لا تتعدى “2 فرنك” خلال استضافتها في برنامج تلفزي مباشر. التقاعد الذي يحصل عليه البرلمانيون، غير قابل للتحويل للغير عند الوفاة، بموجب القانون رقم 24.92 الذي يتعلق بإحداث نظام المعاشات لفائدة أعضاء مجلس النواب، والمنشور بالجريدة الرسمية، عدد 4234-8 رجب 1414، (22 دجنبر 1993)، كما وقع تغييره وتتميمه، إذ يحدد المبلغ الشهري حالياً في ألف درهم شهرياً عن كل سنة تشريعية. وللاستفادة من هذا المعاش، فإن البرلمانيين ملزمون بأداء واجبات اشتراكهم بمبلغ 2900 درهم، شهريا،ً تقتطع من تعويضاتهم، ويتولى الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين تسيير هذا النظام، بمقتضى اتفاقيتين منفردتين، تم إبرام الأولى مع مجلس النواب سنة 1994، والثانية مع مجلس المستشارين سنة 2000. وكان هذا القانون يحدد تقاعد البرلماني، الذي زاول مهامه خلال فترة تشريعية كاملة، في مبلغ قيمته خمسة آلاف درهم، وسبعة آلاف بالنسبة إلى البرلماني الذي انتدب لفترتين تشريعيتين كاملتين، وتسعة آلاف درهم بالنسبة للذي زاول ثلاث فترات تشريعية كاملة أو أكثر، فيما تحول القانون بعد تعديله، إلى تحديد مبلغ المعاشات العمرية للبرلمانيين، في ألف درهم شهرياً عن كل سنة تشريعية، على ألا يتجاوز مبلغ المعاش 30 ألف درهم شهرياً، وتم الرفع من مبلغ واجبات الاشتراك الشهرية لكل من الدولة والمستفيدين، وتحديده في 2900 درهم عوض 2400 درهم.

برلمانيون يطالبون بتوريث معاشاتهم لأبنائهم وزوجاتهم
في سابقة من نوعها، اتفقت فرق المعارضة بالغرفة الثانية للبرلمان، على تقديم مقترح تعديل القانون المنظم لصندوق تقاعد البرلمانيين بهدف توريث تقاعدهم لأبنائهم وزوجاتهم وذوي الحقوق، في وقت توصل مجلس النواب بمراسلة من صندوق الإيداع والتدبير، عبر وزارة المالية، ينبهه من خلالها إلى أن صندوق تقاعد نواب ومستشاري الأمة مهدد بالعجز بعد ما يقارب ثلاث سنوات، على غرار باقي صناديق التقاعد..
‎ففي الوقت الذي ارتكز النقاش حول إيجاد سبل للخروج بالصندوق الوطني للتقاعد والتأمين (صندوق تقاعد البرلمانيين) إلى بر الأمان بعد اشتعال صفارة الإنذار، التي تحذر من أنه مقبل على عجز مالي، قد يتعذر بسببه الحفاظ على تقاعد «مريح» للبرلمانيين، لم يجد ثلة من البرلمانيين سوى تقديم مقترح تعديل، يطمئنون من خلاله على مستقبل أبنائهم وذويهم، لا ينسجم والمعطيات الحالية. ‎
مقترح هؤلاء البرلمانيين جاء متناسباً مع حملة تقودها جمعيات مدنية وفئات شبابية وفعاليات برلمانية، تدعو لإلغاء تقاعد البرلمانيين والوزراء، مؤكدة أنه لا يجوز لهم الجمع بين تقاعد البرلمان والأجر الشهري الذي يتقاضونه مقابل مهنتهم الأصلية، إذ إنه بإمكانهم العودة لممارسة مهامهم المهنية بعد انقضاء ولاياتهم البرلمانية، دون الجمع بين تقاعدين في آن واحد.
وعلى الرغم من قلتهم، تبقى مبادرة بعض البرلمانيين، الذين أعلنوا تخليهم عن معاشاتهم، التي ستمنح لهم مباشرة بعد انتهاء فترة انتدابهم كبرلمانيين، التفاتة حسنة لها من الرمزية حمولة كبيرة لهؤلاء البرلمانيين، الذين يعد عبد العزيز أفتاتي، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية المثير للجدل، واحداً منهم، فقد أعلن مواقفه علانية في ما يخص مطلب إلغاء معاشات البرلمانيين، مؤكدا تأييده لهذا المطلب، فيما شدد على أن ما ذهب إليه أولئك الذين يطالبون بتوريث معاشاتهم لأبنائهم وزوجاتهم، لا يمكن تصنيفه إلا في قائمة «الحماقات»، مشيراً، في حديث مع «الأخبار»، إلى أنه «لا يظن أن هناك شخصا عاقلا سيقبلها، إذ يجب على المواطنين أن ينتفضوا ضدهم لأنهم بلغوا مستوى الجنون».
ويطالب أفتاتي بإعادة النظر في معاشات البرلمانيين، ويؤكد بخصوص من يطالبون بتوريث معاشاتهم لأبنائهم وزوجاتهم، أنه لا يفهم «كيف أن المواطن ائتمنهم على مصالح الوطن، وهم يقدمون على خيانته، بتشريعهم قوانين لفائدة ذريتهم وذوي الحقوق»، فيما ينتظر المواطنون إعلان بقية إخوانه في الحزب الموقف نفسه في البرلمان، خصوصاً أنهم الأعلى عدداً في كل الفرق النيابية في مجلس النواب.
ووفق ما أكده أفتاتي في حديثه لـ«الأخبار»، فإنه «لا معنى لأن يحصل برلماني أمضى بضع سنوات في البرلمان على التقاعد، ففي بلدان أخرى هذه المعاشات مقيدة بسن ومساهمات معينة، ليس كالمغرب الذي لا يرتبط فيه حصول البرلماني والوزير على المعاش لا بالسن ولا بالمساهمات»، مستنتجا أنه «وجبت إعادة النظر في الأمر بشكل عاجل»، خصوصاً في ما يتعلق بالمعاشات التي يحصل عليها الوزراء السابقون وكتاب الدولة، التي وصفها بالمعاشات «الاستثنائية» التي أكد أن لا معنى لها، قائلا: «ليس معقولاً أن يتقاضى هؤلاء معاشات سمينة جداً، وتوريثها هو الحمق بعينه»، مشيراً- في ما يخص تقديم مقترح تعديل القانون المنظم لصندوق تقاعد البرلمانيين، بهدف توريث تقاعدهم لأبنائهم وزوجاتهم وذوي الحقوق، إلى ‎أنه استغرب لمَ لم يتقدم هؤلاء بهذا التعديل في بداية الولاية التشريعية، وأخروا ذلك إلى اللحظات الأخيرة. وشدد على أن «هذا نموذج من دفاع البعض عن مصالحهم ومعارضتهم الإصلاحات».

المسكاوي: «يجب إلغاء معاشات البرلمانيين في بلد فقير كالمغرب»
أكد محمد المسكاوي، رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، أن الشبكة طالبت بفتح النقاش حول معاشات البرلمانيين منذ سنة 2005، من خلال فهم الإطار القانوني المنظم أولا، واتخاذ القرار السياسي الملائم ثانيا، علما أن نظام المعاشات للبرلمانيين والوزراء يعتبر نظاما معاشيا تكميليا، أي تقاعدا يؤدى عنه من أجرة المعني بالأمر، مشيراً إلى أن الشبكة المغربية لحماية المال العام  تطالب بحذف تقاعد الوزراء والبرلمانيين لأن ذلك يتعارض مع قواعد القانون العام الذي ينظم عدة نصوص، ومنها أنظمة التقاعد بالمغرب. وأوضح المسكاوي، في حديث مع «الأخبار»، أن نظام التقاعد بالمغرب، سواء الخاص بالعسكريين أو المدنيين، مبني على سنوات العمل وعلى سنة معينة للحصول على المعاش بالنسبة للمدنيين 60 سنة و45 سنة بالنسبة للعسكريين، ما يعني بحسبه، أن الحديث هنا يكمن عن موظفين نظاميين، عكس الوزراء والبرلمانيين التي لا تعتبر وظائفهم وظائف نظامية وإنما تمثيلية سياسية ونيابية يتقاضون عنها أجرا شهريا وتنتهي تلك الصفة بانتهاء مدة الانتداب.
وفي ما يخص مشروعية معاشات البرلمانيين والوزراء، أكد المسكاوي أنه لا يعقل أن تصرف معاشات عن مهام تمثيلية، متسائلاً في حال ما إذا كان اعتماد ذلك أمراً عادياً، فلماذا لا يستفيد المستشارون الجماعيون من التقاعد مادامت هي مهام تمثيلية أيضا؟ مبرزاً أن التقاعد النظامي بالمغرب يستفيد منه الأرامل والأبناء القاصرون بعد وفاة المتقاعد، وهو ما لا ينطبق على معاشات البرلمانيين والوزراء، مستنتجاً أن أنظمة المعاشات الخاصة بالوزراء والبرلمانيين تعتبر من الريع في المغرب، ويجب أن يتخذ قرار شجاع بإلغائها، خاصة في بلد فقير كالمغرب.

الغلوسي: «على البرلمانيين طرح موضوع معاشاتهم لنقاش عمومي»

‎سبق للجمعية المغربية لحماية المال العام أن نظمت وقفة احتجاجية في السنة الماضية، تعد سابقة من نوعها، تحت شعار «جميعاً من أجل إلغاء تقاعد البرلمانيين والوزراء»، أكدت من خلالها أن جزءا مما يمنح للبرلمانيين والوزراء يعتبر تبذيراً للمال العام، وجزءا من الريع. وآن الأوان لوقفها ووضع حد لهذا التوجه الذي وصفته بـ«غير المعقلن» من خلال سياسة تسميها «مصلحية»، خصوصاً مع مناقشة إمكانية توريث معاشاتهم لزوجاتهم وأبنائهم. ‎
ولم ينف محمد الغلوسي، ‎رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن المعاشات التي يتقاضاها البرلمانيون والوزراء مبالغ فيها، معتبراً- في تصريح لـ«الأخبار»، أن ‎قضية حماية المال العام من الفساد موضوع يهم الجميع دون استثناء، وإلغاء تقاعد البرلمانيين يدخل في السياق ذاته.
واعتبر الغلوسي أن ‎البرلمانيين يتقاضون تعويضات وأجورا مهمة، ونسبة كبيرة منهم لهم وظائف ومهن محترمة، لذلك أكد أنه يرى أنهم لا يستحقون تقاعداً على أدائهم البرلماني، إذ يعتبر دورهم في البرلمان انتداباً فقط وليس وظيفة، مطالباً إياهم بالتحلي بنوع من الجرأة في فتح الموضوع ليصير موضوع نقاش عمومي، خصوصاً أن هناك جهات في الدولة والمجتمع تستفيد من حالات الفساد المستشري، وتريد أن يبقى الوضع على ما هو عليه، لكن – يستدرك الغلوسي- يجب على كل الضمائر الحية، وكذلك المؤسسات الرسمية أن تعلن تدابير وإجراءات وخطوات للقطع مع ظاهرة الفساد، لأنها تشكل خطورة كبيرة وتعيق التنمية في البلاد، بل وتقوض القانون والعدالة.
‎وأشار الغلوسي إلى أن الجمعية المغربية لحماية المال العام، قامت بجرد أجور البرلمانيين، ووجدت أنها خيالية، ولما قارنتها بالحد الأدنى للأجور ومعاشات بعض الموظفين والمستخدمين، وجدت أن هناك فرقا شاسعا بينها، إذ هناك أجور تساوي سبع مرات الحد الأدنى للأجور، و«سنؤكد أن البرلمان لا يقوم بدوره كاملاً في الرقابة على المال العام والتشريع بخصوص القضايا التي تهم الفساد المالي».

الرامي : «الملفات الكبرى التي يحركها المغاربة تحظى باهتمام الملك محمد السادس»

  • كيف جاءت فكرة جمع توقيعات تطالب بإلغاء معاشات البرمانيين؟

هناك فعاليات جمعوية عدة كانت تفتح نقاشاً منذ وقت سابق، بخصوص إلغاء معاشات البرلمانيين. فهذه الحملة لم تنطلق من تصريح شرفات أفيلال، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، المكلفة بالماء، والذي قالت فيه إن معاش البرلمانيين يساوي «2 فرنك» فقط، بل كانت الانطلاقة منذ 2013، من خلال مبادرات كانت تتحرك من حين لآخر، لكن تصريح الوزيرة أفيلال الذي استفز المغاربة الذين خاطبتهم بشكل مباشر، هو الذي جعلنا نقود حملة للمطالبة بإلغاء معاشات البرلمانيين، بعدما طال انتظار مبادرة فريق برلماني، أو حزب معين، لإخراج صيغة قانونية تقضي بإعادة النظر في تقاعد نواب الأمة ومستشاريها.
الفكرة لم تكن وليدة اللحظة، لكنها فكرة المغاربة، وجل الوطنيين المنشغلين بالهم نفسه، خصوصاً بعد مجيء حكومة عبد الإله بنكيران، التي أحيت أمل الكثيرين في تغيير منظومة التقاعد. فما يثير الانتباه، أن هناك حديثا عن جميع صناديق التقاعد إلا صندوق معاشات البرلمانيين والوزراء، ربما بالنظر إلى خوفهم من المساس بمعاشاتهم، فضلاً عن أن البرلماني معفى من الضريبة على الدخل، في الوقت الذي تجد أرملة لا تتقاضى أي معاش أو تعويض، تطبق عليها جميع القوانين.
الدستور المغربي ينص على أن هناك مساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، والبرلماني أو الوزير صفة انتدابية، وليست مهنة، إذ إن صناديق الاقتراع هي التي منحته الشرعية والصفة، من قبل تصويت الناخبين، الذين يعاقبون الكثير منهم، من خلال عدم التصويت عليهم مرة أخرى، لكنهم في آخر المطاف يحصلون على معاش سمين، وهي إشكالية كبيرة، يجب الانتباه إليها. ومن يقولون إن معاشات البرلمانيين ليست من المال العام، فهم مخطئون، لأن البرلمان يساهم بقسط كبير في هذه المعاشات، في إطار دعمه الدوري للصندوق الذي يستفيد منه البرلمانيون من معاشاتهم، ما يعني أن المال العام حاضر.

  • على ماذا تستندون في مبادرتكم الإلكترونية؟

نحن لا نطالب بحرمان البرلماني، لكن أن يحافظ على تقاعده العادي، في القطاع العام أو الخاص، بشرط أن تنضاف إلى مدة عمله خمس سنوات الانتداب التي قضاها برلمانياً، لكن أن يبقى المعاش كما هو عليه، فلا اسم يصطلح على ذلك سوى الريع، أو المكافأة عن الخدمة بطريقة مبالغ فيها، لأنه لا يعقل أن يكون المغرب استثناءً، ويكون في قبته التشريعية، برلمانيون في مقتبل العمر، في الثلاثينات، ويحصلون على تقاعد مريح، لا يحصل عليه آخرون إلا بعد أن يفنوا حياتهم كلها في العمل، وهو أمر لا يشرف المؤسسة التشريعية المغربية.
وبخصوص تقاعد الوزراء، الذين مكنهم الملك الراحل الحسن الثاني منه، فذلك مرتبط بخصوصية الزمان، لكن بعد دستور 2011، تغيرت البلاد، وأضحت تحكمها رؤية أخرى، من خلال منح الملك محمد السادس رئيس الحكومة صلاحيات كبيرة، ما يفرض إعادة النظر في المنظومة ككل، وفتح نقاش عمومي، إذ لا يمكن أن يفتح البرلمانيون ملف معاشات الموظفين والأجراء دون أن يفتحوا ملف معاشاتهم ويخضعوها للنقاش نفسه.
لا يمكن قبول أن يكون المغرب استثناء، ويخرج عن المنظومة العالمية التي تؤطر البرلمانات العالمية، التي يعد البرلمان المغربي عضواً فيه. بحسب علمنا فهناك قانون ينظم معاشات البرلمانيين، فيما معاشات الوزراء هناك مرسوم يؤطرها، على الرغم من أنه لم يصدر بعد في الجريدة الرسمية. فيكفي أنه مباشرة بعد انتداب البرلماني، فإنه يتمتع بامتيازات عدة وتعويضات وأحقيته في العديد من المجالات، بمبرر تسهيل أداء مهامه، وهذا لا نختلف فيه، على الرغم من بعض المبالغة التي تطوله، لكن استفادته من معاش مدى الحياة، ومطالبة آخرين بتوريثه، هو أمر غير مقبول، وانتظرنا يوم الثلاثاء الماضي، خلال حلول عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، ضيفاً على مجلس النواب، وحديثه عن إصلاح أنظمة التقاعد، أن تتم الإشارة من قبله، أو من طرف أحد النواب المتدخلين، إلى تقاعد البرلمانيين، إلا أنه لا أحد اقترب من الموضوع أو نبس ببنت شفة في ما يخص ذلك، وهو ما يبرز أن ليس هناك اهتماما بالنقاش الدائر حول مطلب إعادة النظر في معاشات البرلمانيين، أو إلغائها.

  • ما مدى تجاوب المغاربة مع حملة إلغاء معاشات البرلمانيين؟

نلاحظ أن الملفات الكبرى التي يحركها المغاربة، تحظى بدعم من قبل الملك محمد السادس، وهو الملتمس الذي نود أن يتفاعل معنا فيه، خصوصا أنه مطلب شعبي حدث على مستواه إجماع، فضلاً عن أننا نريد السير بناءً على صيغة قانونية، على الرغم من أن البعض يطالبون بالخروج إلى الشارع، لإعلان الرفض المطلق لهذه المعاشات، لكن هذه الصيغة في التعاطي مازالت مستبعدة، وننتظر إسراع البرلمان في إخراج القانون التنظيمي المتعلق بتقديم الملتمسات والعرائض، حتى نتمكن نحن كفعاليات مدنية من أن نجمع توقيعات على الصعيد الوطني، نطالب من خلالها بإلغاء معاشات البرلمانيين، كطريقة في الحق في التشريع التي نص عليها الدستور المغربي، الذي صوت عليه المغاربة في 2011، وفرض الموضوع على الحكومة وعلى المؤسسة التشريعية. وغير مستبعد أن يؤثر شعب «الفايسبوك» الذي اعترف عبد الإله بنكيران بقوته ودرجة تأثيره، في الحكومة، على الرغم من أن جهات غير متحكم في توجيهها، انساقت وراء مسار آخر من النقاش المتعلق بالموضوع، لكن نحن كفعاليات مدنية نحترم المؤسسات، ونطالب مناقشة الفكرة بالفكرة، وأخذ الموضوع على محمل من الجد، في «فايسبوك» الذي أصبحنا نعتبره «برلمان الشعب»، الذي يظهر من خلاله أن هناك تجاوبا كبيرا مع المواضيع التي تطرح للنقاش.

رشيدلزرق  : «بنكيران حول مطالب إسقاط الريع السياسي إلى قوت سياسي للاستهلاك»

  • كيف ترى مطلب إلغاء تقاعد ومعاشات البرلمانيين؟

بالنسبة إلى معاشات البرلمانيين، الأمر يطرح إشكالا ويحيلنا على مبدأ الشرعية، التي تعني مطابقة الفعل أو العمل للنص القانوني، فالمبلغ الذي يتقاضونه يكون شرعيا مادام تم إقراره بقانون صوت عليه نواب الأمة، وهو القانون رقم 04- 35 المتعلق بتغيير القانون رقم 92- 24 المتعلق بإحداث نظام المعاشات لفائدة أعضاء مجلس النواب، والذي تم تطبيق أحكامه على أعضاء مجلس المستشارين بموجب القانون رقم 99-53. أما من ناحية المشروعية، فإنه فعل غير مشروع بالنظر للرفض الشعبي، في مرحلة يتحدث فيها الجميع عن أزمة اقتصادية تستوجب تحمل الجميع لتكلفتها، وجعل الممارسة السياسية فعلا أخلاقيا وواجهة من واجهات النضال من أجل تحقيق قيم الديمقراطية والتضامن، بدل تحويلها إلى شكل من أشكال الاغتناء غير المشروع، وهو خروج أماط اللثام عن بعض الأصوات الرافضة للتخلي عن امتيازاتها ضدا عن المطالب الشعبية. وهنا أشير إلى أن المبلغ الذي يتقاضاه نواب الأمة يقتضي تكييفه قانونيا، أي بأي أساس، هل هو وظيفة أم صفة؟
فالبعض يتجهون إلى مقارنة النظام المعمول به، بأنظمة التقاعد سواء العام أو الخاص متناسين أن ممثل الأمة وصل للبرلمان، بناء على تعاقد سياسي لتمثيل الأمة وليس مهنة وهو الأمر الذي نثير معه ملاحظتين: الأولى هي تمثيل الأمة يعد تكليف وتعاقد سياسي وليس وظيفة الغاية منها الوصول إلى تحسين مستوى المعيشة على حساب الجماهير الشعبية، فالمبلغ الذي يتقاضاه هو تعويض عن تكاليف فقط. إضافة إلى تخويلهم الاستفادة من التغطية الصحية الإضافية ومن تعويضات أخرى، متعلقة بالتنقل والمبيت في الفنادق وكذا تخفيضات في وسائل النقل من قطارات وطائرات، ناهيك عن المنح التي يأخذونها إبان القيام بمهام تدخل ضمن الدبلوماسية البرلمانية، وفي وقت يظل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، يؤكد أن لديه إكراهات مالية ويعاني من أزمة اقتصادية، تفرض تضحية المغاربة، نجده في المقابل عاجزا عن إعطاء أمثلة، حتى لو كانت رمزية، لتضحيات جماعية في إطار مساواة المواطنين أمام تحمل أعباء الأزمة، بل نجد أن البعض خرج مدافعا عن هذا الامتياز بمبررات أقل ما يقال عنها، إنها تفتقد لأبسط شروط الحس الوطني الصادق في محاولة للدفاع عن مصالح فئوية للبرلمانيين، والذي يفقدهم مصداقية كونهم ممثلي الأمة، وما يفرضه هذا التمثيل من ترجمة الإحساس الشعبي العام الداعي لضرورة إلغاء معاشات البرلمانين، والمبررات التي قدمها البعض بدعوى أن البرلمانين يخضعون لاقتطاعات إجبارية تتمثل في 2900 درهم شهريا، الأمر الذي يكسبهم حق المعاش، بدل الدعوة إلى تحويل المبالغ المتواجدة في هذا الصندوق، لدعم صندوق التماسك الاجتماعي ودعم صناديق التقاعد.
كل هذه المعطيات تقوي الانطباع، بكون التمثيلية في المؤسسات باتت وسيلة لتحسين ظروف العيش الذاتية بدل الالتزام بالرسالة السياسية، على اعتبار أن ممثلي الأمة يتقاضون مبلغا يفوق 3.7 ملايين سنتيم بالإضافة للنظام التكميلي. وخطورة هذا أنه يجعل البرلمان يدافع عن مصالح فئوية مع إهمال تام لفلسفة تمثيل المواطنين.

  • ما مدى تجاوب عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، مع هذا المطلب، الذي يؤيده عدد من برلمانيي حزبه، خصوصاً أنه رفع شعارات، من قبيل «محاربة الريع»، قبل شروعه في قيادة سفينة الحكومة؟

إن الاتجاه الذي نسير فيه هو تحويل السياسية من شرف تمثيل الشعب إلى مهنة يمارسها السياسيون، ومن أبرز تجليات الانتقال من الهواية إلى الاحتراف، أن السياسيين أصبحوا يتقاضون أجورا وأتعابا مقابل أداء هذه المهمة، وبعد الانتهاء من فترة الخدمة يتم تخصيص معاشات لهم كما هو حال الوزراء والبرلمانيين.
التناقض الغريب في المسألة موضوع النقاش الحالي، أن السيدة الوزيرة تنتمي للحكومة وفريقها يمثل الأغلبية والنائب البرلماني «المدافع عن المعاش» ينتمي إلى المعارضة، والقاسم المشترك بينهما هما كونها (السيدة الوزيرة المنتدبة، والبرلماني المعني) وصلا للبرلمان عن طريق الكوطا وينتميان معا لأحزاب تقدمية يسارية تقوم مبادئها على المساواة والعدالة الاجتماعية والدفاع عن الطبقة المستضعفة والمنادية بتوسيع الطبقة الوسطى، واعتبار التمثيل في المؤسسات واجهة من واجهات النضال. الأمر الذي يتناقض مع التعاقد السياسي الذي صعدوا به للمؤسسات التمثيلة. ويفقد للسياسة نبلها، في المقابل اتجهت العدالة والتنمية كعادتها في الأمور التي تتطلب مواقف سياسية وترجمة تطلعات الشارع إلى لعبة تبادل الأدوار بين عبد العزيز أفتاتي الداعي لإلغاء معاشات البرلمانيين، وخيي الخمليشي المدافع عن الإبقاء على المعاش، في مقابل صمت رئيس الحكومة في انتظار ما ستسفر عنه الأحداث.

  • وهل يمكن لعبد الإله بنكيران أن يتعاطى مع الموضوع بجدية قبل نهاية ولايته الحكومية؟

إن ما عرفه هذا المطلب من تجاذبات بين مختلف الفرق الممثلة في البرلمان، يوضح عطب تنزيل مطالب الحراك المتمثلة في القطع مع الريع السياسي. المعاش حول التمثيلية في المؤسسات إلى استثمار على المدى المتوسط والطويل، ومن ثم لا غرابة أن نسمع أن الشخص الفلاني أعطى مبلغا من المال لاحتلاله مراتب أولى في اللائحة الوطنية، أو أن شخصا بعينه أعطى مبلغا مقابل استوزراه .
إن هذا الأمر يؤثر على النظرة للمؤسساتية ويزيد الفجوة بينها والمواطن ويجعلنا نعرف ترديا أخلاقيا ونكوصا ديمقراطيا حقيقيا.
إن التجربة أظهرت قدرة خارقة لبنكيران في تحويل مطالب إسقاط الريع السياسي إلى قوت سياسي للاستهلاك الإعلامي، وعليه لا يمكن التعويل على بنكيران الذي أبان عن استخفافه بمطالب الحراك الشعبي المستمر، في وقت يتحدث فيه عن إصلاح أنظمة التقاعد عبر تكثيف الضغط من قبل الرأي العام ووسائل الإعلام من أجل طرح الموضوع للحوار العمومي. لأن جدية الخيار الديمقراطي رهينة بقوة المؤسسات، والبرلمانيين المنتخبين هم منتخبون من أجل تمثيل الأمة لا من أجل التسلق الطبقي عبر التشريع لخدمة مصالحهم الفئوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى