شوف تشوف

الرأي

ممارسة التدريس(6 /10)

لباس المُمَارس
ينتبه له و في أدق تفاصيله و متغيراته المتمدرسون، كما هو الحال بالنسبة للطاقم الإداري و التربوي عند الالتحاق الأول بالمؤسسة. له اعتباره في تحديد معالم الشخصية و له تأثيره في جلب الاهتمام و تحديد نوعية العلاقة المرجوة مع المحيط. و هو عموما يدخل في الحرية الشخصية و في الذوق الفردي و تختلف تَبِعَاتُه حسب السن و الجنس و البيئة المحيطة و كذا سن و صنف التلاميذ. لكنّ هناك معالم عامة تحدّده و تحيط به:
* باعتبار مفهوم القدوة بالفعل، فاللباس عنوان لها و مظهر فعّال لها بكلّ تفاصيله و بالتالي فهو سيعكس نوعية اللباس و شكله، و المعنى واضح لا داعي للتفصيل فيه.
* هناك شكل عام و عرف سائد و تقليد مرعيّ في كل بيئة اجتماعية و هنا لا بدّ التكيف معه في العموم و عدم الخروج عن الذوق العام السائد و ما يرونه عاديا، و أقصد هنا تجنّب الأمور الشاردة و التي تنفر منها البيئة التي يعمل فيها المُمارس مع المحافظة على الحرية الشخصية.
* النظافة أمر ضروري و عوامل العمل تجعل اللباس يتعرض لأنواع كثيرة من الأوساخ ( الغبار و الطبشور و حالة الحجرات و غير ذلك ) و الوزرة تساعد في التخفيف من تبعات ذلك كما أنها تعطي طابعا عاما للممارس متّسما بالهيبة و الجدية في العمل و خروجا من الحالة العادية خارج الحجرة الدراسية إلى حالة العمل و الانهماك فيه كما تُعفي من تبعات تتبع تفرّعات الجسد و مشاكل الانحناء في الحركات الكثيرة و المتنوعة التي يقوم بها الممارس أثناء مزاولته لعمله، كما أن لها دورا في إعطاء صورة مشرقة للمهنة قد تغيب عن أذهان البعض ممن لم يجرّبوها.
* اللباس أو الهندام يدخل في إطار المظهر الخارجي و هو أحد مكوّنات السلوك العام مع المحيط القريب و البعيد لكنّ مشاكل الحياة و تكاليفها و زحمة الأشغال و إكراهاتها و التفكير في الآخرين و شواغلهم قد تؤدّي بالممارس للتدريس إلى إهمال حالته و مظهره، و هذا أمر طبيعي و عادي يستوجب فقط الانتباه له بين الحين و الآخر حتى لا يقع تفريط كبير يؤثر على صورة الممارس و على صورة الأستاذ عموما و هنا نشير إلى أن هذا الإهمال وصل بالبعض إلى درجة مقزّزة منفّرة كيف سيستقيم معها الإقبال على التعلم فلا تفريط و لا إفراط.
* يخرج الطقس عن الاعتدال في مناطق كثيرة و فترات مختلفة من السنة و اللباس هو الدّرع الواقي و المحافظ على صحة الممارس لذلك يجب الاحتياط في ذلك و اعتبار الجانب الصحي جانبا غالبا على كل الجوانب الأخرى و مراعاة هذا العامل بشكل أساسي.
* هناك لباس التلاميذ وهو يتأثر بلباس الأستاذ و سنفصل في ذلك إن شاء الله في مقال مستقلّ.

الساعات الإضافية
موضوع شائك مركب و ظاهرة استشرت و انتشرت في مختلف المواد و الشعب و المستويات و على اختلاف أنواع المؤسسات العامة و الخاصة و يتقاطع تأثيرها في مسار الممارس للتعليم بالضرورة.
قد ينخرط فيها المُمارس في فترات من مسيرته المهنية إما لضرورة مادية أو ضغط من تلاميذ أو آباءهم أو مسايرةً لما هو سائد و حبّ للتباري فيه أو حب للعمل و العطاء و تقديم الخدمة أو اقتناع داخلي بضرورتها و جدواها في تحسين جودة التدريس و توسيع هامش المدخول. كما يمكن أن يرفضها بشكل مبدأي قطعي و لا يستسيغها في أي مجال أو حال.
إلا أن البداية قد تكون سليمة و خفيفة ثم يوغل فيها الممارس بحيث يصبح له ما يشبه الإدمان سواء من حيث عدد الساعات اليومية الذي قد يتضخّم أو من حيث العائد المادي الذي يصبح كأنه دخل قار ضروري لا يمكن الاستغناء عنه. و بعد مُضيّ أشهر أو سنوات تتغيّر ملامح المُمارس و تتغيّر القناعات و يتغير أسلوب التعامل و تُصاب المصداقية بقصد أو دون قصد خاصة إذا كان المستهدفون منها هم تلامذته في القسم، و قد تتوالى عملية الانحدار و الاندحار، إلى درجة المقايضة بالنقطة الممنوحة أو الإلزام الجبري المباشر أو بيع مكونات الفرض المحروس و غير ذلك مما يقزّز أسماع كل ذي ضمير حيّ من الممارسين للتدريس و يشوّه رصيد الأسرة، أسرة التعليم.
تظهر حملات لمحاربتها تارةً و تقنينها تارةً أخرى و محاولات أخرى لتفعيل الدعم المجاني في المؤسسات العمومية لكنها قليلة التأثير فيما أصبح عادة عند جلّ المُمدرسين و حاجةً نفسية ماسّة و لو لم تكن هناك حاجة ضرورية. و أصبحت تداعيات ما أصاب المجتمع من تفشّي لظواهر الرشوة و الزبونية و المقايضة بالمال أو السلطة أو المصلحة و التي تعم مجالات كثيرة و قطاعات واسعة في فلسفة التعامل البيني بين الناس، أقول أصبحت تداعيات ذلك حتى في التعامل مع التعليم و هنا نجد تلاميذ يطلبون من أستاذهم ساعات إضافية في الحصة الأولى من السنة وقبل أي تعثّر دراسي و نجد أستاذا يخصّص ساعات للدعم في المؤسسة لا يحضرها كل التلاميذ لكنهم يطلبون منه تعويضها بساعات إضافية مدفوعة الثمن و نجد أن هناك من يصف الأساتذة الذين يمتنعون عن الساعات الإضافية بأن مستواهم المعرفي التعليمي ضعيف أو أنهم متكبرون مستغنون و هذه الأمور كلها عايشناها و سمعنا بها من غيرنا.
إنها معضلة كبيرة مركّبة لا تُحلّ بمذكرات و قوانين لكن بدراسة و إصلاح عميق يعمّان منظومة المقررات و مناهج و ساعات التدريس و كذا قيم المجتمع و قيم المهنة.
هناك تعثّرات حقيقية تحصل للمتمدرسين في فصول معينة و مواد معينة و يحتاجون لدعم حقيقي لا يجدون سبيله إلا في ساعات إضافية و هناك تعثّرات حقيقية تحصل بسبب طرق و تعامل غير سليم لبعض الممارسين للتدريس تجعل المُمدرسين مضطرّين للبحث عن البديل خاصة في المواد المتبوعة بامتحان إشهادي و هناك تعثّرات في التعمق و التمكن الكامل من الدرس أو المادة لا تتيحه عدد الساعات الرسمية المقلصة في مقررات مضخّمة و يحتاجون إلى دعم ضروري.
و هناك تعثّرات ناتجة عن بنية التلاميذ الحالية و أقصد بذلك بنية الشخصية التي نقص فيها جانب الاعتماد على النفس و البحث و التقصي عن الحل و بناء الفهم بالمجهود الشخصي و هذا كان في الأجيال السابقة و أصبح نادرا الآن لعوامل كثيرة لا مجال هنا للتفصيل فيها ( وليست بالضرورة لعيب فيها )، فالتلميذ الحالي يطلب التقنية الجاهزة للحل و الطريقة المباشرة للتعامل مع كل الحالات و يطلب المواكبة في كل المراحل و يقتصر عمله الفردي عموما على إعادة ما أُعطيَه حرفيا.
إن الممارس الحيّ للتدريس عليه أن يمتنع عن إعطاء ساعات إضافية مدفوعة الثمن لتلامذته في الفصل تلافيا للشبهة الدينية و إقرارا لراحة الضمير في العدل بين التلاميذ و لو في النظرة أو الابتسامة فكيف بما قد يترتّب من طرق مشابهة للفرض المحروس أو اهتمام أكبر في الحصة أو تطوّر ذلك دون شعور ( أو به ) إلى ما أشرنا إليه أعلاه من أمور قبيحة يندى لها الجبين.
إن المُمارس الحيّ للتدريس يمكنه إعطاء ساعات إضافية لتلاميذ من غير تلامذته أو لا يدرسون عنده حاليا أو العمل في مؤسسة خاصة بترخيص معلوم و هذا أمر جيد لأنه يزيد في الكفاءة و المردودية لأنه يتدرّب أكثر و يقابل وضعيات جديدة متجدّدة و له فرصة حسنة لتطوير المستوى و تجديد طرق الشرح و الإفهام، كما أن مدخولا ماديا إضافيا يعطي راحة نفسية و اجتماعية، تساعد على العمل و العطاء الأفضل. كما أن هناك من له طاقة إضافية و جسدية في العطاء و كفاءة جيدة في التدريس لا ضير أن يستفيد منها آخرون في نطاق ما أشرنا إليه من قيود نعتبرها ضرورية وفق ما نؤمن به و نعتقده، نضيف إليها ضرورة الانتباه إلى الإجهاد الصحي الذي قد يؤثر على التعاطي مع التلاميذ الرسميين و عدم الإفراط في عددها و تقسيمها على الأسبوع.

حراسة الفروض
أشرنا في مقال مستقل للفرض المحروس، و تبقى حراسته شكلا مختلفا من أشكال ممارسة مهنة التدريس. ففيها يكون الممارس في وضعية خاصة و يكون التلاميذ في وضعية و حالة خاصة و هذا يتطلب حضورا يتّسم بالتركيز و اليقظة و طول البال و برودة الأعصاب و حركية مضبوطة و تقنيات محورية و أخرى متغيرة متجدّدة، و كلّ ذلك وفق مبادئ عامة نراها أساسية:
* العدل بين التلاميذ و عدم التغاضي عن بعض و التشديد على آخرين.
* الابتعاد عن الاستفزاز بالقول أو الفعل أو الحركة، فظروف المُمتحَن و ما يصاحب الامتحان من ضغط نفسي و عصبي يقتضي التنبه لذلك لكيلا يحصل تشنج أو ما بعده مما لا تحمد عقباه.
* توطين النفس على التحكم في الأعصاب و برودة الدم مظهراً و أعماقاً لإنجاح الحصة و محاصرةً للمشوّشين الذين يبحثون عن الفوضى التي تساعدهم في غشهم.
* التقليل من الكلام و عدم مخاطبة التلاميذ إلا بالنزر القليل الضروري إشاعةً للهدوء و بعثاً للطمأنينة المرجوة.
* التعامل مع كل طارئ أو حادث مفاجئ بحكمة و تبصّر و رويّة و رزانة حمايةً للممتحنين الآخرين.
* اعتماد ورقة ترتّب فيها وضعية جلوس التلاميذ في الصفوف حسب أرقامهم أو أسمائهم و هي معينة كثيرا في التصحيح بحيث تجلّي بعض مظاهر الغش كما هي معينة أثناء الحصة حيث يمكن تسجيل الملاحظات عليها على كل تصرف غير سليم دون حديث مع التلاميذ و هذا يعطي هيبة مفيدة.
* اعتماد جوّ مساعد على إجراء الامتحان بعيد عن الفوضى و الخوف و يعطي انطباعا بالجدية و الاعتدال و هذا تلعب فيه شخصية الممارس دورا كبيرا كما علاقته القبلية مع التلاميذ.
* قد يلاحظ الممارس تغيرا مفاجئا في تصرفات بعض التلاميذ لم يشهدها في الحصص الدراسية العادية و هذا أمر طبيعي فعند الضغط أو الخوف أو التخوف تتولد أمور لم تكن حتى في حسبان صاحبها.
* يخطّط بعض التلاميذ لوصفة قبلية للجلوس أثناء الفرض و هنا يستحسن تركهم يأخذون مقاعدهم ثم القيام بالتغييرات الضرورية.
* كما قد يخططون لطلب مساعدة من خارج القسم باستعمال النوافذ أو الهواتف و يصنعون لذلك حدثا يشغل الأستاذ ليتمكنوا من إخراج نص الفرض ثم حدثا آخر لتلقّي الأجوبة و هي أمور متوقعة.
* لا يجب على الممارس أن ينخدع بمظهر خارجي لمجتهد أو قليل الحركة أو مُظهِرٍ للجدية فقد يكون تمثيلا لمآرب غير سليمة و سنفرد إن شاء الله مقالا خاصا حول الغش.
* قد يصاب بعض التلاميذ بحوادث نفسية أو تعثر كبير و هنا يجب تقديم المساعدة بالكلمة الطيبة و البحث عن متنفّس لإراحة الممتحن لاستكمال فرضه.
* يمكن الاتفاق القبلي على شكل العقوبة حين تسجيل غش واضح و هو تعاقد جيد في العلاقة بين الطرفين.
* يلعب الفرض المحروس الأول و طريقة حراسته دورا كبيرا في تحديد معالم العلاقة بين المدرّس و التلاميذ و في التعرف عليهم و عليه، فالنجاح في الحراسة المتزنة العادلة الجدية و في خلق جو جيد لإجراء الفرض يكسب الممارس ثقة تلامذته و يعطيه مكسبا كبيرا في التحكم الضروري في الحصص الدراسية و يعطيه مصداقية في التعامل.
* المرور بين الصفوف بين الحين و الآخر لمراقبة أوراق الغش و الهواتف و غيرها.
* التموضع الجيد المريح المساعد على المراقبة الجيدة .
* هناك تقنيات كثيرة للتقليل من الغش و التقليل من آثاره و هي تتجدّد مع الزمن: فمنها اعتماد عدة مواضيع متشابهة المضمون مختلفة المعطيات و تقتضي هذه التقنية جهدا كبيرا من الممارس و هي ناجعة لحد كبير في الفصول المكتظة أو الشعب التي تكون فيها المادة بمعامل صغير، و منها إجلاس التلاميذ بحيث كل واحد في طاولة منفردا أو تفويج القسم إلى فوجين كل واحد يجري الفرض في حصة و هي أيضا تقتضي يقظة و حرصا كبيرا في التنظيم و لها تبعات إدارية قد لا تكون إيجابية، و منها تقسيم التلاميذ في الحجرة إلى مناطق أو صفوف حيث يتمّ تجميع المجتهدين في جهة منعزلة عن الآخرين. و منها جعْل شكل الفرض كما هو في بعض المباريات حيث يجيب الممتحن في ورقة المعطيات و قد تكون الأسئلة متعدّدة الإجابات و هناك طرق كثيرة أخرى حسب طبيعة المادة أو الشعبة أو بيئة التلاميذ أو المستوى الدراسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى