شوف تشوف

من سرق الجامع وأين ذهب يوم الجمعة؟

العنوان أعلاه ليس لي، بل هو للكاتب والأديب والفيلسوف الليبي الصادق النيهوم، وجدت أنه ينطبق حرفيا على ما فعله ولد العواوشة عزيز رباح في القنيطرة.
يجتهد عزيز رباح، وزير التجهيز والنقل ورئيس المجلس البلدي للقنيطرة، في أداة الصلاة في مساجد المدينة التي يسيرها لكي يعطي عن نفسه صورة المؤمن المعلق قلبه بالمساجد.
وفي سبيل هذه الصورة يصبر عزيز رباح على أذى المواطنين الغاضبين الذين يقذفونه بالحجارة ويشتمونه ويطالبونه بالرحيل كلما خرج من مسجد من مساجد المدينة محروسا بعناصر الأمن، خوفا من أن «يشنق» عليه أحدهم مثلما وقع له مؤخرا، فخرج «باباهم» يقول إن الرجل أراد فقط أن يسلم على «سعادة الرايس» فتم منعه من هذا الشرف فتشبث بـ«جلايل» الرئيس مستعطفا قبل أن يحمله المخازنية «مرابعة».
وعندما يعطي عزيز رباح في العلن صورة المؤمن الورع الحريص على الصلوات في المساجد، فإنه في الخفاء يقوم بأشياء لا يرضى عنها لا الله ولا عبده.
ولم يعد يكتفي وزير البيصارة بلبس «تي شورت» شركة «لوطو» للقمار، بل إن نائبه في المجلس البلدي، أي هو قانونيا، أعطى موافقته لفتح محل للقمار والمراهنة على الخيل في حي سكني، مما دفع السكان إلى الاحتجاج على تقريب عزيز رباح لمحل الرهان من أبنائهم.
وربما اقتنع عزيز رباح بنظرية يتيم أخيه في الحزب الذي حلل لعب البوكير في الكازينو عندما ربح ابنه في أحد طاولاته بمراكش 50 مليونا.
وإذا كان وزير العدل مصطفى الرميد قد حول مسجدا بالوزارة إلى قاعة للاستقبال والأكل، فإن عزيز رباح وزير التجهيز والنقل حرم مستخدمي الحي الصناعي بالقنيطرة من مسجد الجمعة ومنح بقعته لـ«مول البوطات» ماسحا بيتا من بيوت الله من خريطة القنيطرة وفوت بقعتيه، مانحا قطعة أرضية قبل تعديل تصميم إعدام بقعة المسجد لصديق له توبع بالفساد.
كل شيء بدأ في التاسع والعشرين من شهر دجنبر 2011 عندما انعقد بمقر الجماعة الحضرية لمدينة القنيطرة على الساعة التاسعة صباحا، اجتماع حول الحي الصناعي البلدي الساكنية، أو ما بات يعرف باجتماع «محو بيت من بيوت الله من الخريطة»، وذلك برئاسة عزيز رباح رئيس الجماعة الحضرية، وكان وقتها لم يجلس بعد على كرسي وزارة التجهيز والنقل.
استهل هذا الاجتماع بكلمة رحب من خلالها الرئيس رباح بأعضاء اللجنة المكلفة بتوزيع البقع الأرضية بالحي الصناعي البلدي، ثم استرسل في إعطاء نبذة عن أهم المراحل التي عرفها ملف الحي الصناعي البلدي الساكنية.
وبعد مقدمة غزلية في حق واحد من أبرز أذرعه في النادي الرياضي القنيطري لكرة القدم الممتدة إلى فصيل «حلالة بويز»، سيذكر الحضور بأنه تم تعديل الحساب الخصوصي الخاص بهذه التجزئة الصناعية التي تسيل لعاب حيتان المال والأعمال والعقار بالمدينة.
وسيكشف رباح في هذا الصدد أيضا، أن ثمن المتر المربع لاقتناء بقع من الحي المذكور بات يساوي 200.00 درهم، مضيفا أن هذا الحساب الجديد حاز مصادقة سلطة الوصاية بتاريخ 23 غشت 2010، وأن دفتر الشروط والتحملات المعدل الخاص بالحي الصناعي، تمت المصادقة عليه كذلك من طرف السلطة ذاتها.
في غمرة انتشاء رباح بـ«رضى» سلطة الوصاية على ما تقدم به سيعلن، بحضور ممثل باشوية مدينة القنيطرة عضو اللجنة المكلفة بتوزيع البقع الأرضية بالحي الصناعي، عن مشروع إعداد تصميم تعديلي بتجزئة هذا الحي بحجة تدفق الاستثمار.
لم يمنع تأكيد رباح وقتها «أن الجماعة الحضرية لمدينة القنيطرة بصدد دراسة مشروع الحي الصناعي على مساحة تقارب 46 هكتارا»، من مسح مشروع التصميم التعديلي بيتا من بيوت الله بهذه التجزئة الصناعية الاستراتيجية الكبرى، وهو التصميم الذي أعده مهندس معماري خاص قدمه محضر هذا الاجتماع عدد01/ 12، كعضو باللجنة المكلفة بتوزيع البقع الأرضية بالحي الصناعي.
ويبدو أن الدعوة إلى محو بيت من بيوت الله مخصص لصلاة الجمعة من التصميم الأصلي للحي الصناعي البلدي الساكنية بالقنيطرة، وتحويل بقعته إلى قطعتين أرضيتين بنية منح إحداهما لشركة تربط مسؤولها علاقة قوية برباح، كانت قد أصابت عددا من أعضاء لجنة التوزيع بالذهول، لكن دون أن يعترض أي واحد منهم على التوقيع على محضر هذا الاجتماع، وهو المحضر الذي يتسلح به الرئيس لمواجهة كل من يتهمه باتخاذ قرار محو المسجد من التصميم.
قرار «محو» المسجد المعد لصلاة الجمعة على مساحة تناهز 1800 متر مربع على أربع واجهات في ملتقى شارعي 20 متر و30 متر وسط أكبر حي صناعي بلدي بالقنيطرة، وقع عليه رباح ومن معه بدم بارد، دونما مراعاة لحاجة الساكنة العمالية والمصانع الكبرى تتقدمهم المحطة الحرارية للمكتب الوطني للكهرباء، المعرفة شعبيا بـ«وزين الطالياني»، لمسجد من هذا الحجم، كما سطرت لذلك رؤية معدي التصميم الأصلي لهذه التجزئة الصناعية.
في خضم الحراك الشعبي لحركة 20 فبراير 2011، سينزل فصيل «حلالة بويز» بمشاركة موالين لرباح من أبرزهم مستشار جماعي عن حزب العدالة والتنمية ببلدية القنيطرة إلى الشارع، مطالبين حكيم دومو رئيس النادي القنيطري لكرة القدم بـ«الرحيل».
وخلال هذه الأحداث التي توجت بتدخل السلطة لإسقاط دومو الابن وفرض المقاول محمد شيبر بمباركة بلدية رباح وفق شرط «التغيير مقابل المنحة»، سيكون اسم «عائلة واسمين» قد برز بقوة في أروقة صنع القرار داخل ما سمي الحركة التصحيحة داخل النادي القنيطري ووسط فصيل «حلالة بوزير».
ظل صقور حزب العدالة والتنمية، ممن يشكلون الحلقة الضيقة المحاطة بعزيز رباح، ينظرون إلى سقوط دومو بمنطق الربح الانتخابي، بينما كانت على أبواب انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وهم يسخرون من أجل ذلك كل القوى المتاحة في صفوف أنصارهم المتحلقين بـ«الكاك»، خصوصا أولئك الذين يجيدون تنفيذ الخطط السرية، على أساس قاعدة «نتا قصي وأنا نقصي»، تجلت في توقيع رئيس بلدية القنيطرة عزيز رباح على صفقات وتفويتات، مثل فوز شركة «تاغرت غاز» لممثلها القانوني مصطفى واسمين المعروف بلقب «مول البوطات»، ببقعة بالحي الصناعي البلدي كان ضعف مساحتها مخصصا في التصميم الأصلي قبل تعديله بتاريخ 2012/12/25، لتشييد بيت من بيوت الله.
كما كان لافتا بحسب الوثائق الرسمية لملف مشروع التصميم التعديلي لتجزئة الحي الصناعي البلدي حصول شركة «تاغرت غاز» على موافقة رسمية من رباح يوثقها محضر الاجتماع عدد 01/ 12 المنعقد بتاريخ 2011/12/29، دون أن يكون المجلس متوفرا على قطعة أرضية شاغرة لتلبية طلب الطالب، أي أن رباح «باع» جلد الدب قبل صيده.
وهو ما يجد سنده في قول رباح في ذات المحضر: «وبخصوص طلب شركة «تاغرت غاز» التي تتوفر على حكم إفراغ مستودع قنينات الغاز الذي تستغله بحي العصام، فقد تم منحها قطعة أرضية بالحي الصناعي البلدي».
بين التاسع والعشرين من شهر دجنبر 2011 وتاريخ توثيق وعد رئيس البلدية لشركة «آل واسمين»، القيادي بمكتب النادي القنيطري، ببقعة الحي الصناعي، و25 /12/ 2012 تاريخ التصميم التعديلي لتجزئة الحي الصناعي البلدي، كان «ولد العواوشة» قد أصبح وزيرا للنقل والتجهيز في حكومة عبد الإله بنكيران على ظهر أصوات القنيطريين في انتخابات رياح ما سمي «الربيع العربي»، أما «مول البوطات» فقد وضع يده رسميا على نصف مساحة الأرض التي كانت مخصصة أصلا لتشييد المسجد.
لم يكن تورط عزيز رباح، رئيس بلدية القنيطرة وسليل حركة الإصلاح والتوحيد، ومرشح الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية «الإسلامي» قائد الائتلاف الحكومي، عن سبق إصرار منه في التوقيع بدم بارد على قرار فضيحة محو بقعة بناء مسجد لصلاة الجمعة بالحي الصناعي البلدي يتيمة في ذلك الاجتماع «الأسود».
لقد برز من خلال الوثائق التي بحوزتنا، أن رباح في الوقت الذي كشف كما هو موثق في محضر الاجتماع عن كون مشروع إعداد تصميم تعديلي بتجزئة هذا الحي جاء بسبب الطلبات العديدة الواردة على الجماعة الحضرية لمدينة القنيطرة من أجل الاستفادة من قطع أرضية لإنجاز مشاريع استثمارية، سيخرق ويناقض قراراته في الاجتماع ذاته وذلك بتمكين صديقه من نصف بقعة المسجد قبل تعديل التصميم، ما يفتح الباب أمام سؤال ملح، هل شركة «مول البوطات» سبق أن تقدمت بمشروع استثماري للاستفادة من بقعة كانت مخصصة لتشييد مسجد الحي الصناعي المعدمة؟
وهذا السؤال يجرنا إلى سؤال آخر بات يفرض نفسه بقوة، وهو ألم يكن حريا بمسؤول الحزب الإسلامي رباح إجبار صديقه «مول البوطات» على الانتظار، حتى توسيع الحي الصناعي على مساحة تقارب 46 هكتارا لقبول أو رفض طلب استفادته، بدل المغامرة بتعديل التصميم الأصلي للحي ومحو مشروع بناء مسجد للصلاة الجمعة من أجل عيون شركة «تارغت غاز»؟
ثم لماذا أصر رباح على القول إن الطلبات الجديدة التي وردت على الجماعة الحضرية لمدينة القنيطرة ستتم دراستها من طرف اللجنة المكلفة بعملية التوزيع، وأنه تقررت في هذا الشأن مراسلة جميع المعنيين بالأمر من أجل سحب ملف المعلومات الخاص من قسم الممتلكات الجماعية، ثم عاد ليناقض ذات القرار في نفس الاجتماع بخصوص طلب شركة «تارغت غاز» التي تتوفر على حكم إفراغ مستودع قنينات الغاز الذي تستغله بحي العصام، ولذلك تقرر منحها قطعة أرضية بالحي الصناعي البلدي.
كيف للرئيس رباح أن يقول بصريح العبارة إنه تم منح قطعة أرضية بالحي الصناعي البلدي قبل أن يخرج التصميم التعديلي للحي الصناعي ومصادقة الوكالة الحضرية عليه؟ وهل ضمن توقيع النائب السادس لرباح عن حزب العدالة والتنمية المكلف بالتعمير والبناء بتاريخ 25 دجنبر 2012 على التصميم المعدل الذي أجهز على بقعة تشييد المسجد وحولها إلى قطعتين أرضيتين تحملان على التوالي رقم 117 بمساحة 1005 أمتار مربعة و118 بمساحة 806 أمتار مربعة، كان كافيا لمنح «مول البوطات» إحدى القطعتين؟
ثم ما علاقة توفر شركة «تارغت غاز» على حكم إفراغ بالحصول على بقعة المسجد؟ وهل ذلك الحكم يجبر رباح على منح مسؤول الشركة مصطفى واسمين، أمين المال بالمكتب المسير للنادي القنيطري حاليا، والمتهم سابقا بالتورط في فضيحة فساد كروي بين الكاك ورجاء بني ملال الشهيرة، القطعة الأرضية بالحي الصناعي على هذا النحو؟ وهل إفراغه من حي العصام جرى بملك جماعي؟ وهل كل هذا التساهل كان فقط في سبيل تشجيع الاستثمار أم في سبيل شيء آخر؟
الأيام القادمة ستكشف لنا ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى