الرأي

من يعيد الاعتبار لأبطال الحرب؟

يونس جنوحي
في الوقت الذي ينشغل فيه أبناء البلد بتتبع الحياة الخاصة للآخرين ويفتحون منازلهم وجلساتهم لكي يتابعها من هب ودب ويستهزئون بصور مواطنين أبرياء وجدوا أنفسهم، بدون سابق إنذار، مادة للتندر والسخرية، حيث تُتداول صورهم للتنكيت فقط، لأن أحدهم ذهب إلى البحر ذات صيف بسروال من الثوب وحذاء جلدي ليجد أن اسمه أصبح «مدير البحر» ويعرفه الجميع..
في الوقت الذي يجري فيه كل هذا إلى أن «تميّع»، ينشغل الإعلام الجاد بالتحقيق في واقعة شكاية وضعتها سيدة إيطالية تطالب فيها بإنصافها، لأنها تعرضت للاغتصاب في الحرب العالمية الثانية على يد جنود مغاربة. نعم، هذا ما تقوله السيدة في شكايتها. إذ تؤكد أنها تعرضت للاغتصاب على يد فريق من الجنود المغاربة، الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية في صفوف فرنسا لكي يحاربوا النازية والفاشية واحتفلت بهم فرنسا احتفال الأبطال، لأنهم لعبوا دورا كبيرا في دحر الألمان لكي يخرجوا من باريس ولاحقوهم في نقاط أخرى ليشاركوا في صناعة تاريخ أوربا المعاصر.
لو أن هذه التهمة وُجهت إلى أبطال حرب سابقين في بلد يحترم تاريخه ورمزيته، لقامت الدنيا دون أن تقعد، لكن هذا وقع فقط في المغرب، حيث لا أحد يكترث وحيث الأكاديميون منشغلون بالبحث في دولاب البحوث القديمة لكي ينالوا بها الدكتوراه ويصبح من حقهم قانونا الترقية الإدارية بفضل تلك الدكتوراه إياها.. هناك استثناءات. هذا صحيح، لكن لا أحد ينصت إلى ما يكتبه هؤلاء الناس ولا أحد يكترث لاجتهاداتهم أصلا. وحتى لو التفت إليهم أحدهم، فإن الأمر يكون بغرض السرقة الفكرية فقط لا غير.
لحد الآن، لم يصدر من رئاسة الحكومة أي رد فعل، ولا حتى تغريدة في «تويتر» للتساؤل عن سر صمت هذه السيدة كل هذه السنوات، أي منذ منتصف الأربعينيات إلى اليوم، ولماذا لم تتحرك أي جهات رسمية للمطالبة إما بالاعتذار لما في التهمة من خدش لكرامة أبطال حرب، يصعب بكل تأكيد إثبات نسبة التهمة إليهم بعد كل هذه السنوات في ظل غياب دليل مادي يدين أحدهم.
نفس السيدة قدمت الشكاية مرتين، علما أنه لم يُذكر اسمها في وسائل الإعلام الإيطالية التي تداولت الخبر السنة الماضية، وهذه السنة حيث أعيد تفعيل الشكاية نفسها خلال الشهر الجاري.
الذين روجوا هذا الخبر في الإعلام الدولي، حاولوا أن يصوروا المغاربة على أنهم قتلة مأجورون دفعت لهم فرنسا المال وحاربوا من أجلها في الحرب العالمية الثانية، وقتلوا مواطنين أوربيين واغتصبوا نساءهم. وهذا ليس صحيحا بطبيعة الحال، فقد كانت أغلب فرق الجنود المغاربة المشاركين تتمركز في مواقع القتال في الصفوف الأمامية لمواجهة النازية، ولم يجدوا أمامهم سوى الثلوج والأشجار والخراب لكي يلاحقوا الألمان ويجبروهم على الانسحاب. والمرات القليلة التي اختلط فيها الجنود المغاربة بالأوربيين كانت عندما انتصرت فرنسا ونظمت لهم الاحتفالات لأيام بلياليها. لماذا لم يُقدم هؤلاء الجنود على اغتصاب النساء الفرنسيات بعد الانتصار؟ لماذا يوجد اليوم أوربيون هم نتاج علاقة بين مواطنات أوربيات وقعن في حب الجنود المغاربة لكن ظروف أولئك الجنود أجبرتهم على العودة إلى المغرب واستحال عليهم تدبر أمر العودة إلى أوربا، إما بحكم الفقر وإما بسبب الأحداث التي عرفها المغرب بعد سنة 1956، حيث انضم أغلبهم إلى الجيش المغربي، خصوصا أصحاب الرتب العسكرية العليا، فيما بقي الجنود العاديون يصارعون الحياة من أجل الرغيف.
هل واقعة سيدة واحدة تعطي الحق في تعميم تهمة على عشرات الآلاف ممن فقدوا حياتهم وهم يحملون السلاح في الصف الأمامي للجيش الفرنسي، تاركين خلفهم أمهات وربما زوجات في دواوير منسية خلف الجبال؟ الذين وجب عليهم طرح السؤال مشغولون جدا هذه الأيام. كان الله في العون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى