شوف تشوف

مهمة مستحيلة (2/2)

لا يعقل أن نجد مغاربة يدرسون في ظروف تشبه ظروف تمدرس أطفال أوروبا، في حين أن فئة عريضة لا يختلف وضعهم عن أطفال الدول التي تعيش عدم الاستقرار، فهذه المعطيات تؤكد بالملموس أن عشرية الإصلاح وكذا المخطط الاستعجالي لم يحققا المنتظر منهما في تحقيق المساواة والإنصاف في الحصول على التعليم، بدليل، تقول الدراسة نفسها، أن 8.5 في المائة فقط من المغاربة يتمكنون من الوصول إلى التعليم العالي. وعربيا، يحتل المغرب الرتبة 11 من بين 13 دولة عربية، في مؤشر سنوات التمدرس، إذ يسبق فقط موريتانيا التي تحتل الرتبة 12 واليمن التي تتذيل سلم الترتيب بنسبة لا تتجاوز 4 سنوات، في حين تحتل الأردن الرتبة الأولى وتليها فلسطين بنسب 10 و9 سنوات على التوالي.
هذا عن الأطفال الذين لا يجدون فرصة للتعلم، أما عن المحظوظين الذين درسوا لسنوات فوضعهم ليس أفضل حالا، فحسب آخر دراسة أخرى أصدرتها الهيئة الوطنية للتقييم قبل أسابيع، وهي بالمناسبة هيئة رسمية، حتى لا نتهم هنا بالمبالغة، نجد أن 53 في المائة من التلاميذ يعتقدون أن النظام التعليمي غير عادل وغير منصف، و56 في المائة لا يشعرون بالأمن، و57 في المائة لا يشعرون بالانتماء لمؤسساتهم التعليمية. ونستفيد من هذه الأرقام أن أكثر من نصف التلاميذ المغاربة يعترفون بانعدام الثقة والاحترام بينهم والمدرسين والإداريين، وأن التواصل الإيجابي في المدارس منعدم. كما تؤكد الدراسة ذاتها أن 45 في المائة من التلاميذ يعترفون بأن أساتذتهم يتغيبون دون مبرر، وأن ثلث هؤلاء التلاميذ يتطبعون مع الغش في الامتحان ويبررونه، بل ويعتقدون أن نصف الأساتذة يشجعون عليه. أما بخصوص العنف، فخمس التلاميذ المغاربة، أي ما يفوق مليون تلميذ تقريبا، اعترفوا بكونهم لجؤوا إلى العنف إما ضد زملائهم أو ضد المدرسين أو الإداريين، والأمر لا يتوقف عند التلاميذ، بل إن 45 في المائة من الأساتذة يمارسون العنف، إما المادي أو اللفظي، حسب الدراسة نفسها.
الكارثة التي تعيشها المؤسسات التعليمية لا تقف عند هذا الحد، بل إن ما نسبتهم واحد من كل عشرة تلاميذ يعترفون بأنهم تناولوا مادة مخدرة أو كحولية داخل المؤسسات التعليمية، وأن 20 في المائة منهم مدمنون على السجائر و13 في المائة على المخدرات، وهؤلاء لا يترددون في تناولها داخل المؤسسات التعليمية، وأن 20 في المائة من التلميذات يتعرضن للتحرش الجنسي، وأن 15 في المائة من الأستاذات يتعرضن هنا أيضا للتحرش سواء من طرف تلامذتهن أو زملائهن.
كوارث التعليم لا تقف عند المناخ التربوي الذي لا علاقة له إطلاقا بالتربية وقيمها الحقيقية، بل تمتد إلى التحصيل الدراسي أيضا، فالدراسة تؤكد أن تلاميذ الجذع المشترك الذين قضوا تسع سنوات على الأقل في الفصول الدراسية، ليس لهم الحد الأدنى من المؤهلات المعرفية والمنهجية، فاللغة العربية لا تتعدى نسبة تحكم هؤلاء التلاميذ فيها 39 في المائة، علما أنهم يدرسونها طوال تسع سنوات ويدرسون بها، بل إن كل التلاميذ لا يستطيعون أن يقرؤوا نصا دون خطأ لغوي، بمعدل النصف، أي أنهم يخطئون في نصف ما يقرؤونه، هذا كمعدل فقط، ونسبة إتقانهم للتعبير والكتابة باللغة العربية لا تتجاوز 29 في المائة.
أما الفرنسية فحدث ولا حرج، إذ إن نسبة إتقانها لا تتعدى 23 في المائة، حيث لا يستطيع التلميذ المغربي فهم 49 في المائة مما يقرؤه في النصوص الفرنسية المقررة، وتصل نسبة العجز في الكتابة إلى 36 في المائة. أما الرياضيات فلا تتعدى نسبة تحكم هؤلاء فيها 38 في المائة، وأن 84 في المائة من تلاميذ العلوم لهم مستوى دون المتوسط في الرياضيات، أي أن وجودهم في الشعب العلمية خاطئ منذ البداية. والكارثة هنا هي أن مؤشرات التعليم الخاص ليست أفضل، إذ تبقى هي أيضا متقاربة مع مؤشرات التعليم العام، أي أن الأسر المغربية تهرب من القطاع العمومي إلى القطاع الخاص متحملة التكاليف المرتفعة، ومع ذلك لا تكون نتائجها في مستوى الانتظارات، حيث سجلت الدراسة أن تلاميذ القطاع العام يتفوقون على تلاميذ التعليم الخاص في اللغة العربية، في حين أن تلاميذ التعليم الخاص لا يتفوقون على تلاميذ التعليم العام إلا بنسب ضعيفة جدا في اللغة الفرنسية والعلوم بنسبة لا تتجاوز 6 في المائة، بمعنى أن الأزمة تتعلق بالتعليم عموما ولا فرق بين الخاص والعام، فتلاميذ الشعب العلمية لا يتجاوزون نسبة 32 في المائة في إتقانهم للغة الفرنسية، ووضعهم في المواد العلمية المرتبطة بهذه الشعب ليس أفضل حالا، حيث لم يتمكنوا إلا من ثلث المقررات الدراسية التي تلقوها طوال تسع سنوات.
هذا هو الوضع الحقيقي للتعليم، والذي ترفض الحكومات المتعاقبة الاعتراف بأزماته الحقيقية، فعندما نجد أن 81 في المائة من تلاميذ الآداب لا يحصلون على المعدل في اللغة العربية، وأن 2 في المائة فقط هم من يستطيعون الحديث بلغة عربية سليمة بدون أخطاء، علما أن هؤلاء التلاميذ قد درسوا اللغة العربية 1617 ساعة في التعليم الابتدائي، و408 ساعات في التعليم الإعدادي، وهو ما يفوق 2000 ساعة دون أن يكون لها أي أثر، وأن 6 في المائة من تلاميذ العلوم يمكنهم الحصول على معدل 10/ 20 في الفيزياء، عندها نعرف أن تعليمنا ليس فقط مريضا بل ويحتضر، ولنا أن نتصور التكلفة التنموية الحقيقية لهذه الكوارث، فعندما نتكلم عن عدم الإنصاف وعدم المساواة في ولوج المدرسة بالنسبة إلى الأطفال، وأن نسبة سنوات التمدرس لا تتجاوز كمعدل 5 سنوات، فهذا يعني أننا نعيد إنتاج الأمية، ولا قيمة لكل برامج محوها لأن المدرسة تعيد إنتاجها كل سنة، والأمر نفسه بالنسبة إلى مستوى التلاميذ، إذ ما قيمة أن يحصل تلميذ على الباكلوريا دون أن يتقن لغة واحدة؟
هذه هي المعطيات التي ينبغي لحصاد أن يضعها أمام عينيه وليس شراء الطاولات، وإلا سنعيد الكلام نفسه مرة أخرى بعد سنوات من الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى