شوف تشوف

مهمة مصيرية

في خطاب ثورة الملك والشعب الأخير وردت كلمات يمكن اعتبارها أجراس إنذار يجب حمل رنينها على محمل الجد.
أولا النموذج التنموي الذي ستنكب عليه اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي هو موضوع مصيري، أي أنه مشروع لا يحتمل الفشل.
ثانيا أننا بلغنا مرحلة لا تقبل التردد أو الأخطاء، ويجب أن نصل فيها إلى الحلول للمشاكل التي تعيق التنمية ببلادنا.
هذا يعني :
أولا أن الوضع خطير ويستدعي حلولا مصيرية مستعجلة.
ثانيا أن الحلول ليست مسؤولية الحكومة فقط بل كل القوى الحية بالبلد، أي أن عملية الإنقاذ ستكون مشتركة بين الجميع من أجل الإقلاع الشامل.
ثالثا أن المرحلة المقبلة لا تحتمل التردد أو الأخطاء، مما يعني أننا ندفع اليوم ثمن أخطاء وترددات مسؤولين كثيرين في مختلف المواقع، وأن هذه الطريقة في العمل وصلت إلى نهاية صلاحيتها ويجب تغييرها بالنجاعة والمسؤولية، أي ترتيب الأثر القانوني لكل إخلال بالواجب، وهذا هو العقد الاجتماعي الجديد الذي يطرحه الملك.
ولقد وصل التنطع والتهور وتبلد الحس الوطني ببعض المسؤولين إلى درجة عرقلة شركات عملاقة تريد الاستثمار في المغرب وخلق فرص الشغل للشباب العاطل، وليس العملاق الهندي في الصناعات الدوائية بسعر بخس آخر هذه الشركات، بل هناك شركات ومستثمرون أرادوا إنشاء مشاريع في مختلف جهات المملكة تعرضوا لأنواع لا حصر لها من العراقيل.
واليوم هناك تعليمات صارمة للأجهزة المختصة بالبحث والتنقيب في جميع ملفات الولاة والعمال ورؤساء الجهات والعمالات والجماعات بحثا عن الملفات الاستثمارية التي قد تكون تعرضت للعرقلة، ورفع ذلك للجهات المختصة لكي تتخذ بشأنها المتعين.
واليوم أيضا اكتشفت المفتشية التابعة للمالية أن شركات كثيرة فازت بصفقات عمومية بطرق احتيالية ومنها شركات وهمية لم تنجز المشاريع التي فازت بها إلى اليوم، والأنكى أن بينها مشاريع دشنها الملك وقدمت له كمشاريع تنموية، وهي التقارير التي رفعت للأجهزة المختصة لكي تقوم بالأبحاث والتحريات في شأنها، مما ينذر بسقوط رؤوس كبيرة بين ولاة وعمال ورؤساء جهات وعمالات وجماعات، فضلا عن مقاولين بدؤوا «الله كريم» تحولوا اليوم إلى مليارديرات.
لقد وضع الخطاب الملكي الأصبع على مكمن الداء عندما ركز على أهمية التكوين المهني للشباب، لأنه من المستحيل أن تبقى الجامعة هي الأمل الوحيد المنشود للشباب، حتى وهم يعرفون أن أفقها مسدود بالنسبة لكثير منهم، هذا في الوقت الذي يبحث فيه المغاربة عن «بلومبي» أو تقني مصلح للآلات المنزلية أو «زلايجي» أو نجار ديال بصح فلا يجدونه، وكل ما يعثرون عليه في السوق حرفيين محتالين لا يجيدون سوى إنجاز «الخدمة المعاودة».
وهنا علينا أن نستحضر أخطر ما جاء في التقرير الأخير للبنك للدولي حول الوضعية الاقتصادية للمغرب، فأخطر ما جاء في التقرير ليس هو تأكيده على استفحال البطالة، رغم القروض والأموال الكثيرة المرصودة للاستثمار، ولكن إشارته إلى أن الشباب المغاربة بأصنافهم الثلاثة التي حددها البنك أصبحوا فاقدين لكل أمل في أن يحصلوا على عمل بالمغرب.
هذه ببساطة قنبلة موقوتة يلزم نزع فتيلها بشكل مستعجل، لكون الأمر لا يتعلق هنا بالبطالة ولكن بمادة شديدة الانفجار اسمها الحقد واليأس.
والحل ليس سحريا ولا عبقريا، إنه يتلخص في كلمة واحدة هي الشغل، والشغل لا يتأتى إلا بعد الحصول على تكوين مهني جيد ومساير لمتطلبات السوق.
وكل الحكومات في الدول التي تحترم نفسها يقاس نجاحها أو فشلها بمدى تراجع نسبة البطالة، إلا عندنا نحن، فنرى كيف أن حزبا سير البلاد لثماني سنوات عرفت الأوضاع في عهده موجة إفلاس غير مسبوقة للشركات والمقاولات وتراجعا كبيرا لفرص الشغل سيترشح مرة أخرى وقد يفوز برئاسة الحكومة.
وفي دول أوربا عندما ترتفع نسبة الشغل بصفر فاصلة صفر واحد يكون هذا الخبر سببا كافيا لكي تفتتح به القنوات التلفزيونية نشرة الأخبار، فالشغل هو الكرامة أولا وأخيرا، وبدونه يتحول المواطنون إلى قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة.
لتوفير الشغل لأبناء المغاربة العاطلين يجب على المؤسسات المالية وأثرياء هذا البلد تحمل مسؤوليتهم إزاء الوضع الحالي.
يجب على البنوك التي تراكم الأرباح أن تتحمل مسؤوليتها وأن تدعم المشاريع المدرة للدخل، وأن ترافق الشباب في خطواتهم الأولى على درب الشغل بتوفير رأس المال ومنح التسهيلات الضرورية لانخراط الشباب في سوق الشغل.
ثاني شيء يجب البدء فيه فورا هو الشروع في إصلاح ضريبي لتشجيع المقاولات والمستثمرين.
وبعد تطهير مفاصل المؤسسات المشرفة على تشجيع الاستثمار واقتلاع المعرقلين الذين يضعون العصا في العجلة يجب الانكباب على تشجيع الاستثمار الخارجي، لقد سن المغرب مدونة التجارة ومدونة الشغل، ومدونة التأمينات، ووضع قوانين تسمح للمستثمرين بتحويل العملة إلى بلدانهم، بناء على تحذير البنك الدولي بالسكتة القلبية.
الذي حدث أن الشركات الكبرى استفادت ولجأت إلى إقفال المقاولات مستفيدة من إلغاء قانون الإفلاس وتغييره بقانون صعوبة المقاولة. فيما استفادت شركات العقار الكبرى من أراضي الدولة وقروض الأبناك وحولت أرباحها نحو الخارج وأقفلت أبوابها، أما شركات النسيج فكلها هاجرت نحو تركيا ومنها بدأت تغرق السوق المغربي بالأقمشة والألبسة.
وهناك مثال تركي يجب على المغرب أن يحتذي به في مجال تشجيع المستثمرين المغاربة بالخارج على إنشاء مشاريعهم، فجميع سفارات تركيا في العالم تمنح مواطنيها في الخارج دعما ماليا لتنفيذ مشاريعهم، فلماذا لا يقوم المغرب بذلك أيضا مع أبناء جاليته، خصوصا أن الأرباح في الأخير يتم تحويلها إلى المغرب؟
وبالعودة إلى قضية خلق مناصب الشغل، يجب أن نعرف أن بعض رؤساء الجماعات المحلية يساهمون بفسادهم في فقدان مناصب الشغل عوض خلقها، فرئيس جماعة حقير يبتز رئيس شركة يشغل 3000 مواطن لكي يعطيه رشوة وعندما يرفض يسبب له احتقانا داخل الشركة وتدخل النقابات على الخط وتبدأ الإضرابات ويقرر صاحب الشركة إغلاق أبواب الشركة وإرسال هؤلاء المستخدمين الذين يعيلون 3000 أسرة إلى الشارع، ويتوجه هو إلى دولة أخرى يستطيع قضاؤها أن يحمي رأسماله من الضياع.
إن الملك في خطابه الأخير أعطى الوصفة الناجعة الوحيدة القادرة على ضمان السلم الاجتماعي في المغرب وخلق الرفاهية وتحقيق الإقلاع الشامل.
فبدون تكوين مهني لن نتوفر على شباب مكون على احتياجات السوق، وبدون خلق فرص الشغل للشباب المكونين سيبقون في الشوارع وسيسيرون مع كل من يرفع شعارا حانقا على الدولة، وكم هم كثر هؤلاء الذين هم مستعدون لاستغلال الشباب الحاقد والحانق على الوضع لشد المغرب إلى الوراء وعرقلة إقلاعه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى