الافتتاحية

موسم العطش

لا تظهر أية مؤشرات حول استعدادات حكومة سعد الدين العثماني لمواجهة خطر شح المياه الصالحة للشرب في المناطق التي تعاني من مشاكل في الموارد المائية.
ورغم التوجيهات الملكية الاستباقية وجلسات العمل المصغرة التي أشرف عليها الملك محمد السادس مع الوزراء والمسؤولين المعنيين بتدبير هاته المادة الحيوية، إلا أن الحكومة مازالت تتعامل بنوع من الارتخاء مع الموضوع وتنتظر اشتعال الاحتجاجات وخروج المواطنين في مظاهرات غالبا ما تتحول إلى وضع المؤسسة الأمنية في الواجهة.
ويبدو أن موجات الغضب السنوية تجاه شبح العطش، أصبحت أمرا شبه مألوف لدى الحكومة، وبدل أن تجد حلا جذريا للمعضلة من خلال وضع استراتيجية شمولية واللجوء إلى تقنيات بديلة لتوفير الماء الصالح للشرب، تكتفي الحكومة خلال صيف كل سنة بتقديم حلول ترقيعية وإطلاق وعود كاذبة بحل معضلة المياه.
الجميع يعلم أن المواطن لا يمكن أن يصبر في مواجهة العطش أو يتفهم أي مبررات للحكومة بالتحولات البيئية التي تسبب ندرة المياه في العالم، ما يفهمه المواطن هو أن يفتح صنبور بيته فينزل منه ماء يروي ظمأه، ولهذا فالحكومة مجبرة على إيجاد حلول جدية لأزمة العطش، وإلا ستدخل البلاد في مشاكل حقيقية قد تتفاقم وتنعكس على الوضع الأمني والسياسي.
فلسنا في حاجة أن تتكرر نفس مشاهد كل سنة.. مُواطنو زاكورة وطاطا يتظاهرون للمطالبة بتوفير مياه الشرب، سكان تطوان ومكناس يسدون الشوارع احتجاجا على انقطاع الإمداد المائي لأيامٍ.. الشرطة تضطر لفض مظاهرات في سيدي قاسم مطالبة بتوفير المياه، أو أخبار عن اعتقال عشرات المحتجين بسبب ندرة مياه الشرب، وغيرها من المشاكل التي نحن في غنى عنها.
لذلك لا ينبغي أن تكرر الحكومة على مسامعنا سمفونية ضرورة الاقتصاد في الموارد المائية وتثمين الموارد غير التقليدية، ومنها المياه المستعملة المعالجة، والمياه المالحة المحلاة. فالمواطن متعطش لسياسات فعالة وقرارات توصل المياه إلى صنبوره وآباره في كل وقت وحين وليس خطابات ونوايا تكرر نفسها كل سنة دون أن يتحقق منها أي شيء.
صحيح أن بلادنا وضعت في تقارير أممية ضمن الخانة السوداء من حيث كونها مهددة بشكل مباشر بالعطش وجفاف الصنابير، وستعاني خلال السنوات والعقود المقبلة من تراجع كبير في الموارد المائية، يمكن أن يتسبب في أزمة مياه عميقة جدا، لكن هذا ليس مبررا لكي تظل الحكومة مكتوفة الأيادي حتى تقع الفأس على الرأس، بل ينبغي أن يكون دافعا لإنتاج سياسات مائية جذرية لتجاوز تحدّي أزمة المياه التي قد تدخلنا في نفق مظلم لا نعلم كيف نخرج منه.
وأول مداخل هذه السياسة المائية هو تسريع إنجاز وحدات تحلية مياه البحر، وإعادة تدوير المياه العادمة واستغلالها، وإنشاء وحدات لاستغلال مياه الأمطار، ووضع مخطط صارم لمكافحة هدر المياه، كالسقي العشوائي والمسابح وسقي الغولف بالمياه الصالحة للشرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى