الرئيسية

نجاح مؤقت

المصطفى مورادي
مرت امتحانات الباكلوريا في ظروف «عادية» قياسا للسيناريوهات المرعبة التي كان الجميع يفكر فيها بسبب السياسة الارتجالية التي طبقتها الوزارة في تدبير أزمة الأساتذة المتعاقدين. وفي تفاصيل هذه الظروف هناك شياطين حقيقية تظهر في مواضيع الامتحانات. حيث تأكد بالملموس بأن تبسيط الامتحانات كان جزءا من «التدبير». ولا يهم هنا أن تكون الباكلوريا هي قياس موضوعي للكفايات والمهارات التي تم اكتسابها وبناؤها في سنوات التمدرس، بل المهم والأهم هو قياس القدرة على امتصاص الغضب وتحويل مشكلة عمومية إلى مشكلة فردية تتعلق بالأسر. لذلك من المنتظر جدا أن تكون نسبة النجاح بميزات متوسطة (مقبول ومستحسن) مرتفعة. لكن ثمن هذا النجاح ستدفعه الأسر مضاعفا، لأن من يرغب من التلاميذ في التوجه لمؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المحدود، فإنه يتوجب عليه أن يستفيد من دروس دعم إضافية استعدادا للمباريات. فالحقيقة الساطعة، اليوم، هي أن طريقة تدبير الوزارة لهذه السنة وسعت الهوة بين الشهادة وبين مستوى التحصيل. لذلك لا عجب إطلاقا أن نجد أصحاب ميزة حسن جدا مجرد طلبة في شعب الجامعات يزدحمون في المدرجات مع زملاء لهم حصلوا على أضعف ميزة. فما يعتبره مسؤولو الوزارة نجاحا في تدبير امتحانات الباكلوريا هذه السنة هو في الحقيقة إفراغ لها من روحها. والدليل على ذلك هو أن الوزارة ذاتها لن تستطيع نشر نسبة التلاميذ من القطاع العام الذين توفقوا في الولوج لمؤسسات النخبة، لأن هذه هو الامتحان الحقيقي.
الوجه الأخلاقي لهذا الأسلوب من التدبير خطير بكل المقاييس. فالمسؤولون في هذه الوزارة مطمئنون، على المستوى الشخصي والعائلي، لكون أبنائهم تمَّ تقويم مستواهم هذه السنة تماما كالسنوات الفارطة في ثانوية ديكارت، حيث المناهج التربوية والامتحانات توضع في باريس ولا علاقة لها بالعبث الذي اقترفوه باسم التدبير في تعليم أبناء الشعب. فهؤلاء المسؤولون لم يعودوا يغضبون من التقارير الكثيرة التي تثبت فشلهم وضعف كفاءتهم وخبراتهم، بل يغضبهم فقط أن يتم تهديد استمراريتهم في المسؤولية. لأن الاستمرارية تعني استمرارية الامتيازات المالية الضخمة التي يتوصلون بها، سرا وعلانية، ومن ثمة استمرارية تمدرس الأبناء في مدارس لا سلطة للوزارة عليها. فهذا هو مبدأ المبادئ عندهم. والأمر لا يخلق لديهم أدنى حرج أخلاقي وأدبي، فقديما قال المغاربة «اللي كيحشمو ماتو». لذلك لابأس عندهم بأن لا يدرس طفل الابتدائي اللغة الإنجليزية إطلاقا، وأن لا يدرس المعلوميات، وأن لا يمارس الأنشطة الترفيهية والبدنية طوال أسبوع، ففي المحصلة، «اللي بقا فيه ولدو يخلص عليه»، كما يقول هؤلاء دون أن ترمش عيونهم.
هذا الاطمئنان يبقى مؤقتا فقط، لأن الذي سيحصل هو أن أطفالك أو بناتك، أيها المسؤول، لن يلبثوا أن يلتقوا مع أطفال الشعب في الحياة العامة عندما سيتخرجون ويبدؤون حياتهم المهنية والاجتماعية. سيلتقون حتما في الأماكن العامة والشوارع والحدائق والمقاهي والنوادي. سيلتقون كمواطنين متساوين من وجهة نظر الدستور، لكنهم غير متساوين من جهة الفرص التي حصل كل منهم عليها.
فعندما تمنع الأنظمة التعليمية المتطورة عبر العالم التعليم الخاص في المستوى المدرسي، فلأنها تنظر للتربية من جهة العيش المشترك، أي من جهة ما يوحد أبناء الشعب، وإن كان شغلك الشاغل أن ينجح أبناؤك فقط. نعم نجحوا وسينجحون، مهنيا واجتماعيا، لكن هل سينجحون في الصمود كمواطنين؟ هذا هو السؤال وهذه هي المشكلة التي تنساها، وأنت تدبر امتحانات الباكلوريا أو تقوم بتجديد المناهج بأسلوبك الفاشل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى