الرأي

نجم القنطور وكوكبه الواعد بأرض جديدة

إذا كان ثمة حياة وأرض خارج الكرة الأرضية التي نعيش عليها فهو أمر عجيب. وإذا لم يكن ثمة حياة سوانا في هذا الكون الممتد فالأمر أعجب. هكذا يقول الفلكيون إلا أن خيال الإنسان كما يقول (إسحاق عظيموف) أو (فرانسيس كريك مكتشف الكود الوراثي مع جيمس واتسون) أنه لابد من وجود حضارات وكائنات سبقتنا في الحضارة، ولكن لماذا ترسو مراكبهم على أرضنا بعد؟ في القرآن إشارة خفية إلى احتمال اجتماع من هذا النوع، في قوله ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير، فالاجتماع ممكن إذن.
المفاجأة الجديدة التي سماها البعض حدث القرن أن أقرب النجوم إلينا (القنطور Proxima Centauri) يدور حوله كوكب هو أخ الأرض حذو القذة للقذة.
بالطبع سيكون اكتشاف أرض جديدة موازية أعظم كشف عرفه الجنس البشري حتى اليوم، مثل من ينتقل من بيت قديم إلى جديد، وأهمية العثور على كوكب يتم الانتقال إليه سعة أو ضرورة هي من الضرورة بمكان، أمام احتمالات نهاية العالم والحياة عندنا إما بحماقة نووية يقودها أمثال بوطين، أو ضرب الأرض بمذنب كما حدث قبل 66 مليون سنة في يوكوتان، شمال المكسيك الحالية فانقرضت الديناصورات وبقيت الثديات تدب وتتناسل وتتطور.
كوكب القنطور الأقرب (بروكسيما سينتاوري) ما يبث من ضوء هو جزء من الألف مما يأتينا من أمنا الشمس، ولكنه على ما يبدو كاف لتوفير الحياة على ظهره، هذا إذا توفر الماء، فالماء سر الحياة، وليس غريبا أن القرآن يعتمد هذه الحقيقة، كما جاء في سورة الأنبياء (وجعلنا من الماء كل شيء حي).
كتبت فيما سبق ـ وهو اهتمام كبير لي ـ قبل سنوات عن احتمال الحياة على كوكب يبعد عنا خمسين سنة ضوئية، يدور حول نجم أو نجمين، أطلق عليه (بيجاسوس) كشف عنه عالمان من سويسرا. يومها أعلن الفلكيون عن ظاهرة الكشف عن وجود كواكب ـ بشكل غير مباشر ـ تدور حول الشمس، بدراسة أثر جاذبية الكوكب في حركة الشمس، فالجاذبية مبتادلة بين أي كتل في الملكوت.
ثم كتبت قبل فترة عن احتمال وجود حياة على كوكب يبعد عنا 20.5 سنة ضوئية. أما الكشف الحالي هذه المرة فيتضاءل البعد فيه إلى 2.24 سنة ضوئية (السنة الضوئية هي التي يمشيها الضوء في سنة وهي في حدود 9 مليون مليون كم؟) وهي مسافة تشكل شبه استحالة في الوصول إليها بقوانين الفيزياء الحالية.
يا ترى كيف هي الحياة على ظهر الكوكب الجديد؟ يتوقع العلماء أن تكون خضرة الشجر (مدهامة) أقرب إلى السواد بفعل ضعف التركيب الضوئي، الذي يشكل اليخضور. ولأن عمر الكوكب أكبر بملايين السنين عن عمر أمنا الأرض فالاحتمال أن تكون الحياة دفعت إلى الوجود بكائنات مختلفة بما فيها الذكية.
حتى الآن لم يتفق الفلكيون على اسم للكوكب الجديد، أما الشمس (النجم) الذي يدور حوله فهو معروف، وتم اكتشافه منذ عام 1912م، ويرى بشكل جيد من تلسكوبات نصف الكرة الأرضية الجنوبي.
وهذه التقنية في الكشف عن الكواكب قادت في الفترة السابقة إلى الكشف عما يزيد عن 3000 كوكب جديد، سوى أن المسافات مخيفة، تقاس بمئات السنين الضوئية، مما أطفأ الرغبة بالبحث في طبيعتها، خلاف الكشف الجديد الواعد بأرض هي أقرب إلينا من كل ما نعرف، وهو أمر مثير لتوقع رؤية أرض جديدة غير كوكبنا الأزرق.
أما الطاقم العلمي فقد اعتمد تسمية نفسه بالبقعة الباهتة الحمراء (Pale red Dot) تيمنا بما سماه العلماء حين عبرت المركبة فويجر واحد (Voyager 1) النظام الشمسي منذ عام 1990م إلى غير رجعة عبر سدم الملكوت، وفي لحظة وداعها الأخيرة ألقت نظرة إلى الخلف لترسل رسالتها الأخيرة لنا، تصف فيه أمنا الأرض بالبقعة أو النقطة الباهتة الزرقاء (Pale blue Dot). ولأن الأرض الجديدة مرتبطة بالنجم القزم الأحمر فقد بدلوا كلمة أزرق إلى أحمر.
أما من أماط اللثام عن الكوكب فقد تم بواسطة التلسكوب الأوربي (العملاق ESO) الذي نصب في أمريكا الجنوبية في سفح جبل (لا سيلا Berg La Silla) على ارتفاع 3000 متر عن سطح البحرk بعدسة قطرها 39 مترا في صحراء أتاكاما في تشيلي، حيث تكون السماء أصفى ما يمكن.
هنا يلعب الذكاء الإنساني دوره في معرفة حركة الكوكب (انتبه الكوكب غير المرئي وليس النجم المرئي) من خلال دراسة حركة (رقص) النجم وترنحه، بفعل جاذبية الكوكب لحركة النجم، فالجاذبية هنا متبادلة، ولكن هذا يتطلب دراسة طويلة شاقة، أيضا من خلال نوع الأشعة المستقبلة بين أحمر وأزرق؛ فنحن نعلم منذ أيام الفلكي (إدوين هابل Edwin Hubbel) الذي كشف بواسطة الزحزحة الحمراء للضوء، أن النجم حين يولي الأدبار يعطينا ذنبه بلون أحمر، وهو يلتمع بوهج أرزق حين يتقدم نحونا بالسلام والتحية. وهكذا بملاحظة نجم القنطور وهو يبدل إرسالاته بين أزرق وأحمر عرفوا من خبره خبر الكوكب الدائر، ومنه عرفوا خصائص كوكب يدور في فلكه بل حددوا بعضا من صفاته.
وما هو أكثر إثارة أنه قريب من النجم بمقدار يسمح بتشكل الماء، وحيث وجد الماء فثمة حياة (الأرض ثالث كوكب يبتعد عن الشمس بمقدار يسمح بالحياة = 90 مليون ميل حوالي 150 مليون كم). أما الهدف الثاني للفريق العلمي فهو معرفة هل الكوكب الجديد واحة في صحراء الفضاء؟ إلا أن التقدم لهذا اللون من المعرفة يتطلب استقبال أشعة الكوكب مباشرة إلى الأرض، وتحليل شعاع الضوء لمعرفة تركيب المادة المتشكل منها، فلو تم الكشف عن غاز الميثان مثلا والأوكسجين فهو يعني قرينة للحياة، لأن تفاعلهما يولد غاز ثاني أكسيد الكربون والماء، وإذا كانت النسبة عالية فمن المتوقع العثور على وحيدات خلية مثل الباكتريا والفطور البدائية، وهذه بدورها تنفث غاز الفحم وهو بصمة الحياة.
هذا الكشف قد يكون ضربة القرن الكوسمولوجية، وهو يحفز شهية العلماء للوصول إلى معرفة وجود الحياة من عدمها؟ وهل هي في رحلة تطور خاصة بها؟ ولكن المشكلة كما ذكرنا هي الأبعاد السحيقة في الكون التي لا تنفك عن متابعة تمددها وابتعادها عن بعضها البعض مثل نفخ البالون (تمدد الكون حسب نظرية الانفجار العظيم).
وحسب قوة الصواريخ الحالية فإن رحلة إلى كوكب نجم القنطور الأقرب تحتاج 80 ألف سنة، وهي أطول من عمر الحضارة الإنسانية برمتها بعشرة أضعاف، منذ أن بدأ الجنس البشري بالثورة الزراعية في جنوب العراق المنكوب حاليا، حسب تقديرات المؤرخ البريطاني توينبي في كتابه الإنسانية من أين وإلى أين؟
أما حسب خيالات الفيزيائي فريدفارت فينتربيرج (Friedwardt Winterberg ) على افتراض تجهيز مركبة فضائية بقنبلة هيروجينية صغيرة للطاقة، بحيث تدفع المركبة إلى سرعة خيالية، تقترب من عشر معشار سرعة الضوء (30 ألف كم في الثانية)؛ فأمام فريق الرحلة خمسون عاما من السير في الظلمات، حتى يحطوا الرحال على ظهر الكوكب المجهول، الذي قد لا يروا فيه سوى الرمال التي تسف الوجوه بما يذكر برمال الربع الخالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى