الرئيسيةسياسية

ندوة «مهن التربية» تفضح اللوبيات المتحكمة في اختيارات المجلس الأعلى للتعليم

ينظم المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، يومي 24 و25 ماي 2016 بالمدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط، ندوة في موضوع «تأهيل مهن التربية والتكوين والتدبير والبحث.. أساس الإصلاح التربوي»، وهي محطة من سلسلة ندوات موضوعاتية نظمها المجلس لتعميق النظر في المقترحات التي تضمنتها الرؤية الإستراتيجية الصادرة في ماي الماضي.
وحسب بلاغ صادر عن المجلس، فإن اختيار هذا الموضوع هدفه هو التفكير الجماعي في «سبل الارتقاء بأدوار ومهام ومكانة الفاعلين التربويين، باعتبارهم القلب النابض لإصلاح المنظومة التربوية»، عبر «الوقوف على الإشكاليات الأساسية المرتبطة بمهن التربية والتكوين والتدبير والبحث»، وكذا «فتح آفاق واعدة مستشرفة لتجديد هذه المهن»، و«تعزيز التعبئة المستدامة حول أوراش الإصلاح، والتعرف على التجارب الدولية الناجحة، واستخلاص بعض التوجهات، وإبراز واستلهام بعض الممارسات البيداغوجية الجيدة والمبتكرة»، على أن تشكل التوصيات التي ستفضي إليها، والمساهمات الكتابية، وتعبئة الفاعلين والخبراء حول هذا الموضوع، رصيدا خصبا لإغناء أشغال المجلس، في أفق تقديم تصوره الاستراتيجي في هذا الشأن.
المجلس الأعلى وبداية الانحدار
في برنامج ندوة الرباط، يظهر جليا أن «الجهة المنظمة» لم يكن يهمها كل الأهداف المعلن عنها، إذ تم الاحتكام لاعتبارات شخصية وحزبية في اختيار المتدخلين، وأغلبهم لا علاقة له بموضوع التكوين في مجال مهن التربية والتدبير، الأمر الذي يعتبر صدمة حقيقية لمسؤولين وزاريين، وكذا أساتذة مكونين وإداريين في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، حيث عبر المئات من الأساتذة المكونين، فضلا عن عشرات الإداريين العاملين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، عن كون هذه الندوة تعد بداية انحدار في تاريخ هذه المؤسسة الدستورية، فبدل أن يتم تعميق النظر في مضامين الرؤية الاستراتيجية، بخصوص تكوين الأطر التربوية والإدارية والتدبيرية، بالإنصات لعشرات الخبراء المتمرسين العاملين بهذه المؤسسات، فضلا عن الإنصات لأعضاء اللجنة الدائمة المختصة في هذا الموضوع، فإن «اللجنة المنظمة»، اختارت تهميش كل هؤلاء بالرغم من عضويتهم الرسمية في اللجنة، وكذا تهميش الأجهزة الوزارية ذات العلاقة بتكوين الأطر، وعلى رأسها الوحدة المركزية لتكوين الأطر بوزارة التربية الوطنية، وهي المسؤولة فعليا عن تدبير ملف تكوين الأطر، وكذا مديرية الموارد البشرية، والتي ستعمل على تفعيل كل توصيات المجلس، لكون كل هذه التوصيات تحيل بالضرورة للقانون الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، فضلا عن تهميش مديرية المناهج والبرامج والتقويم والحياة المدرسية، فإن اللجنة المنظمة اختارت أن يتدخل عضو ديوان رئيس الحكومة، المدعو خالد الصمدي في موضوع لا علاقة له به، هو «التكوين الأساسي والتكوين المستمر»، علما أنه يشغل عضوية لجنة أخرى في المجلس هي «لجنة البرامج والمناهج والوسائط التعليمية». الأساتذة المكونون والأطر الإدارية بالمراكز الجهوية، رأوا في تطاول هذا الشخص على موضوع التكوين الأساس والمستمر، نسخة جديدة من برنامج يقوده المدعو الصمدي لإرجاع المدارس العليا للأساتذة من نافذة التكوين بعد خروجها من بابه سنة 2009، سيما أن توقيف الحكومة للتكوين المستمر في وزارة التربية الوطنية منذ مجيئها قبل خمس سنوات، يجعل مستشار رئيس الحكومة، وأي شخص يمت لها بصلة، غير مخول أخلاقيا لتقديم محاضرة في الموضوع.

المجلس ومنطق جبر الخواطر
مصادر الجريدة من داخل المجلس أكدت أن المجلس أضحى «لعبة» حقيقية في أيادي أقلية، تعتبره وسيلة للترقي الشخصي وكذا وسيلة لترضية الأصدقاء والمحسوبين على أحزاب بعينها، وهذه الندوة فضحت بوضوح هذا اللوبي، والذي يسعى الآن، لفرض أجندته من خلال بوابة القانون الإطار، الذي سيحول رؤية المجلس الأعلى إلى مرتبة القانون الملزم لكل الحكومات. لذلك فاختيار الشخصيات المتدخلة في الندوة، كان بهدف توجيه توصيات المجلس نحو وجهة تخدم مصالح هذا اللوبي الممثل للمدارس العليا للأساتذة. لوبي يرعاه الأمين العام للمجلس، عبد اللطيف المودني، وعدد من «زملائه» في المدرسة العليا للأساتذة بمكناس، والذين استقدمهم للمجلس بصفتهم «خبراء»، وجعلهم يتحكمون في منشوراته، وخاصة مجلتين تصدران اسمه، لذلك فاختيار المتدخلين في هذه الندوة يعتبر فرصة سانحة لهذا اللوبي لفرض توجهات معينة على المجلس، بعد فشله في فرضها من خلال الرؤية الاستراتيجية.
عبث اللجنة المنظمة لم يقف عند هذا العبث الواضح، والمتمثل في تغليب مصلحة اللوبي الذي يمثله مستشار رئيس الحكومة ويترأسه الأمين العام للمجلس عبد اللطيف المودني، ويعمل على تنفيذ أجندته كلما أتيحت له الفرصة، بل وصل ذروته باختيار أحد أعضاء المجلس الوطني للحزب الذي يقود الحكومة، ويدعى «رشيد الجرموني» وتم تقديمه بصفته «أستاذا لعلم الاجتماع»، لكن لن يحاضر بصفته هذه، بل سيتدخل في موضوع بعيد كليا عن تخصصه، هو «مقترحات النقابات المغربية من أجل تحسين جودة مهن التربية والتكوين والتدبير والبحث»، دون إشراك للنقابات الخمس الأكثر تمثيلية، والحاضرة بقوة في مختلف اللجان الدائمة للمجلس. وهذا معناه أن ممثلي النقابات سيحضرون الندوة، ليستمعوا لشخص يتكلم باسمهم ولا علاقة لهم به من قريب ولا من بعيد، اللهم إلا كونه عضوا في مكتب نقابي محلي عندما كان أستاذا للتعليم الثانوي في مدينة سلا. ثم اختيار مدير أكاديمية سابق، هو «عبد اللطيف اليوسفي»، وهو أحد المدراء المتقاعدين والأعضاء السابقين في المجلس الأعلى في صيغته الأولى، اختياره ليتدخل في موضوع لا علاقة له بـ«تجربته التدبيرية» هو «مقترحات جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ للارتقاء بمهن التربية والتكوين»، علما أن ممثل جمعيات الآباء حاضر في المجلس بصفة رسمية، ولكن تم تهميشه هو أيضا، ثم اختيار أستاذ جامعي في الفلسفة، هو عبد الحق منصف للتدخل في موضوع لا علاقة له به إطلاقا، هو «دور الجمعيات المهنية»، مع تهميش عشرات الجمعيات المهنية ذات العلاقة بموضوع، وعلى رأسها جمعية الأساتذة المكونين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين»، وهي جمعية تشتغل بفعالية منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة، أي أنها جمعية واكبت تطور منظومة تكوين الأطر.

المجلس في طريقه لفقدان صفة الإجماع
متتبعون لأشغال المجلس الأعلى للتربية والتكوين، استغربوا أن يتضمن بلاغه هدف «تعزيز التعبئة المستدامة حول أوراش الإصلاح»، لكون هذه الندوة لا يمكن إلا أن تعزز العزوف الذي تشهده كل مكونات منظومة التربية والتكوين، بسبب توالي اخفاقات التعليم بالمغرب، ذلك أن تغييب الفاعلين الأساسيين في مجال التكوين عند ندوة تفرز توصيات ملزمة للقطاع، سيكرس عزلة المجلس عن ما يجري في الميدان، وما تغييب رئيس اللجنة الدائمة المختصة في مجال مهن التربية والتكوين، وكذا باقي أعضائها، وهو المدير الحالي لأكاديمية فاس مكناس، وكذا ممثل 15 مديرا جهويا لمؤسسات التكوين، وهو المدير الحالي للمركز الجهوي للقنيطرة، إلا دليل قاطع على أن اللجنة المنظمة لم يكن الهدف في تنظيمها للندوة بلورة حلول فعلية تعززي المكتسبات الموجودة حاليا في تجربة المراكز الجهوية، وكذا تتجاوز التعثرات التي تتخبط فيها، وإنما لتوجيه مخرجات الندوة وجهة تخدم اللوبي السابق الذكر. ففي الوقت الذي انتظر فيه الجميع أن تعكس توصيات المجلس توجهات جميع مكونات المجتمع المغربي، فإن مصيره بعد عام واحد فقط على صدور الرؤية الاستراتيجية، عكست بجلاء تحوله إلى أداة طيعة في أيادي غير بريئة، تاركا القضايا الكبرى دون حسم، بما في ذلك قضية لغات التدريس، وكذا مسألة التمويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى