اقتصاد

هذا هو السبب الحقيقي وراء الحرب الأمريكية الصينية

سهيلة التاور

 

 

الحرب الأمريكية الصينية من شأنها أن تضر العالم بأكمله، لما لها من أبعاد اقتصادية متفرعة. فبعد اعتماد الصين استراتيجية (صنع في الصين 2025)، الذي تعتبره حقها لحماية مجهوداتها، ترد أمريكا بفرض رسومات جمركية على المنتوجات الصينية الواردة إليها. وصندوق النقد الدولي يدق ناقوس الخطر، الذي سيمس كثيرا من الدول، فضلا عن الدولتين طرفي النزاع.

 

 

بعدما كانت اليابان الشريك الاقتصادي الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية في الثمانينات، تطورت الأوضاع بشكل كبير إلى أن تم الاتفاق بينهما على أن يتم تخفيض قيمة الدولار الأمريكي أمام الين الياباني، هذا الأمر جعل من اليابان دولة لها تأثير سلبي على اقتصاد أمريكا.. الأزمة نفسها مست حاليا الصين، بعد أن أصيبت بعجز تجاري وصلت قيمته إلى 375 مليار دولار، بنسبة تصل إلى أكثر من 60 في المائة من إجمالي العجز التجاري الأمريكي.

 

 

ضعف الصين وورقتها الرابحة

 

الصين تعتبر ثالث قوة اقتصادية بعد أمريكا واليابان، فاقتصادها الأساسي قائم على الصادرات بنسبة 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، حيث تقوم باستيراد المواد الأولية وتصنعها ثم تصدرها، الشيء الذي يعتبر نقطة ضعفها. ومن بين الدول التي تصدر إليها الصين منتوجاتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقدر الصادرات إليها بـ21 في المائة من مجموع صادراتها.

الحرب الاقتصادية القائمة بين أمريكا والصين تضر هذه الأخيرة أولا، وبشكل كبير. فمن خلال بعض الدراسات تم الكشف عن الخسارة التي قد تمس الصين، في حال تطورت هذه الحرب فقد يصل العجز الاقتصادي الصيني إلى 1.4 في المائة. ذلك زيادة على حجم الصادرات التكنولوجية عالية الجودة التي تصدرها الصين إلى أمريكا، التي تعتبر المستورد القوي لهذه الصناعة. إلا أن الصين في المقابل لا تزال تملك ورقة رابحة، بحيث إنها تعتبر الدولة الأولى التي تستورد ثلث إنتاج أمريكا من فول الصويا، بالإضافة إلى 25 في المائة من طائرات «بوينغ».

 

 

استراتيجية «صنع في الصين 2025»

 

لقد ساهمت أمريكا بالدرجة الأولى في تطور الصين، وذلك من خلال تغيير سياستها من الجانب الصناعي إلى تقديم الخدمات. الشيء الذي جعل إنتاج الصين يتقدم خلال 40 سنة فقط، بعد أن كان يمثل الإنتاج الصناعي الصيني العالمي 0.3 في المائة، والإنتاج الصناعي الأمريكي يشكل نسبة 38.7 في المائة من الإنتاج الصناعي العالمي، خلال الحرب العالمية الثانية.

إلا أن الصين سئمت من الوضعية التي تشغلها منذ سنة 1978، فقد أصبحت مصنع العالم الملبي للرغبات الاستهلاكية الرخيصة على حساب مواردها، يدها العاملة (سكانها)… الشيء الذي دفعها إلى طرح استراتيجيتها الجديدة، وهي طبع عبارة (صنع في الصين 2025) تحت كل منتج هي مسؤولة عن تصنيعه. وهذا مما يهدد ترامب وسياسته ويشكل خطرا عليه، لما له من مخلفات على السوق الداخلية الأمريكية. كما أن ترامب وعد قبل انتخابه بأنه سيعيد أمريكا إلى مكانتها الصناعية السابقة، وسيوفر مناصب شغل برواتب جيدة للعمال.

 

بعد أن اتخذت الصين قرار تغيير استراتيجيتها وطبع (صنع في الصين 2025)، استطاعت أن تبث شيئا من الراحة النفسية في مواطنيها، مبشرة في حال نجاح هذه الاستراتيجية التي تستهدف تطوير الصناعة الوطنية الصينية، خاصة الصناعة التي تعتمد على التقنيات المتطورة، ويتم التركيز على عشرة مجالات، إذ ستقوم الصين بالاستيلاء على جميع الصناعات المهمة في وقت وجيز. الشيء الذي سيجعلها أقوى دولة اقتصاديا، وسيهدد الدول الصناعية الأخرى ومنها أمريكا، وهذا هو السبب الذي تقوم عليه الحرب الجديدة بين الصين وأمريكا.

 

 

صندوق النقد الدولي يدق ناقوس الخطر

بخصوص الحرب الاقتصادية القائمة بين أمريكا والصين، اقترح صندوق النقد الدولي الحوار بين الدولتين، وذلك بهدف إخماد النار التي لو شبت ستأكل الأخضر واليابس في العالم كله، والمتضررون أكثر من اثنين.

وأكدت كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، وجوب مشاركة الجهود لحل الخلافات بين أمريكا والصين والبحث عن الصالح العام، دون اللجوء إلى التفكير الأناني، من خلال منصة حوار تقوم على التحليل المنطقي الهادئ، للحفاظ على التجارة النشيطة بين الـ189 دولة المشاركة في صندوق النقد الدولي.

 

عناد ترامب

لا يزال الرئيس الأمريكي ينفذ شعار (أمريكا أولا)، ليتبنى إجراءات جديدة لحماية المؤسسات والعمال الأمريكيين، حتى ولو كان ذلك على حساب علاقاته التبادلية الحرة مع أهم شركائه. فقد قام بفرض رسوم جمركية على واردات البلاد من الفولاذ والألمنيوم، في شهر مارس الماضي. كما أن إدارته حددت منتجات صينية من المتوقع أن تفرض عليها ضرائب جديدة، وذلك بعد أن فرضت الصين استراتيجيتها (صنع في الصين 2025). ولم تتأخر هذه الأخيرة في رد فعلها، إذ قامت بالتصرف نفسه وفرضت رسوما على الواردات من الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن اتهمتها هذه الأخيرة بسرقة الملكية الفكرية للتكنولوجيا الأمريكية.

فضلا عن ذلك تهدد أمريكا بالخروج من اتفاقية التبادل الحر لدول أمريكا الشمالية، الموقعة بين بلاده وكندا والمكسيك منذ سنة 1994، إذا لم يتم التفاوض من جديد حولها بشكل مُرض.

 

روسيا تنتهز الفرصة

موسكو لا تضيع الفرص، فهي تنوي الفوز من خلال هذه الحرب الاقتصادية، وتوسيع تعاونها الاقتصادي والتجاري مع بكين. حيث صرح إيغور مورغولوف، نائب وزير الخارجية الروسي، أن روسيا من حيث المبدأ تعارض الحروب التجارية ومن يلوح بعصا العقوبات، لكنها بالطبع لن تتوانى عن استغلال الفرص المتاحة.

وقد أشار الدبلوماسي الروسي في ما يخص سبل التعاون الاقتصادي بين روسيا والصين، إلى وجود فرصة ذهبية لتعزيز تجارة المنتجات الزراعية، سيما بعد أن فرضت بكين رسوما جمركية إضافية على 106 من السلع الأمريكية المستوردة، منها منتجات زراعية. وقد أكد مورغولوف بأن تجارة المنتجات الزراعية أظهرت ديناميكية نمو إيجابية، حيث كان ذلك واضحا حتى قبل زيادة حدة التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة، والآن تتوفر شروط أفضل لتنمية التعاون في هذا المجال. كما أكد نائب وزير الخارجية الروسي أن موسكو وبكين لا تخططان لإنشاء تحالفات، كون ذلك لا يتوافق مع الرؤى الروسية والصينية، لافتا إلى أن التعاون التجاري والاقتصادي مع الصين له قيمة جوهرية.

في ظل هذه الحرب التجارية بين البلدين الكبيرين، قامت واشنطن بنشر قائمة من 1300 سلعة صينية تستورد منها الولايات المتحدة سنويا «ما تقدر قيمته بـ50 مليار دولار تقريبا»، تعتزم فرض رسوم جمركية إضافية عليها بنحو 25 في المائة، لترد بكين بنشر قائمة بـ106 سلع أمريكية تستورد منها الصين سنويا أيضا «ما قيمته 50 مليار دولار»، ستفرض رسوما جمركية عليها بنحو 25 في المائة أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى