الرأي

هل أتاك حديث الهاوية؟

بينما يعلن ملك البلاد تشبثه بالمدرسة العمومية ما فتئ رئيس الحكومة يجدد إيمانه بضرورة خوصصتها. رئيس الحكومة نفسه بدل أن يضمن تكافؤ الفرص بين الشباب المغاربة، هاهو يوقع للسنة الثانية على التوالي على رسائل موجهة لوزير التربية الوطنية يطلب منه خرق القانون، وتمكين بعض المحظوظين من ولوج مهن التدريس بالرغم من تجاوزهم السن القانوني.
الجانب الآخر من الصورة، هو أن هذه الحكومة لم تفهم بعد معنى الأسبقية الوطنية لقطاع التعليم. وها هي تخرج مراسيم مواكبة لمشروع الجهوية المتقدمة ولا توجد فيها جملة واحدة تحمل مجالس الجهات والجماعات جزءا من مسؤولية تعليم الأطفال المغاربة. ويمكننا هنا العودة لمرسوم «صلاحيات الجماعات» الصادر هذه السنة، وتحديدا إلى الفصل الثاني منه، لنصاب بالصدمة عندما نجد المرسوم ينص على وجوب اهتمام المجالس الجماعية بدفن الأموات ولا جملة واحدة عن تعليم الأحياء.
أما الوزارة المعنية فبدل أن تحاسب الفاسدين الذين تورطوا في نهب المال العام للبرنامج الاستعجالي، خاصة بعد فضيحة التسجيلات، التي وثقت فساد مسؤولين سابقين وحاليين في أكاديميات ونيابات، منها أكاديمية العاصمة، هاهو البعض منهم يحصل على تقاعد مريح ويتم تعويضه بتكليفات.
وبدل أن تجد هذه الوزارة حلا لمشكلة الخصاص فقد أصدرت مذكرة لتدبيره أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها لا إنسانية تناقض سياسة تشجيع استقرار الموظفين. وطبعا السادة المتفرغون النقابيون لم ينهوا عطلتهم بعد. ووحدهم تجار أزمة المدرسة العمومية في القطاع الخاص استأنفوا هواية مص دماء الأسر المغربية، بمصاريف التسجيل التي تتزايد كل سنة بشكل صاروخي. دون أن ننسى في كل هذه المشاهد الدرامية، استمرار الصمت حول نتائج التحقيقات في حادثة تسريب الباكلوريا، واستمرار حالة الغموض في إخراج النظام الأساسي.
ولكي تزداد صدمتنا من هول الكوارث التي تقع، حيث التفشي الصادم لظاهرة الغش التي مارسها بعض «الأستاذات والأساتذة» بصفتها حقا «مشروعا»، بتواطؤ مع بعض المراقبين الذين اختاروا غض الطرف عما حدث.
والغريب أن بعض الذين غشوا للحصول على الترقية كانوا يتشددون في حراسة تلامذة الباكلوريا لمنعهم من الغش. فبدل أن تكون هذه الامتحانات مناسبة لتجديد العلاقة مع القراءة، لتحيين المعارف وتطوير المهارات المهنية، هاهم بعض حراس القيم في مدارسنا تحولوا إلى غشاشين «شرعيين».
طبعا لا نعمم، لكن ما حدث هو جزء من مشهد عام مغرق في السواد، من رئيس الحكومة الذي تخلى رسميا عن المدرسة العمومية، نزولا إلى أحدث المدرسين الذين تخرجوا للتو من مركز التكوين، ولم يكد ينجز بعضهم حصة واحدة مع أبناء الشعب، حتى أعلنوا النفير لحشد «المناضلين» للتوقف عن العمل مطالبين بالترقية بشهادة الماستر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى