الرئيسيةبانوراما

هل يفوز بايدن على ترامب في السباق الرئاسي

سهيلة التاور
إذا فاز نائب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، جو بايدن، سيكون ثاني أكبر مرشح سنا بعمر 78 سنة، وسيحقق بذلك أمنيته التي باتت معلقة لمدة ثلاثة عقود دون تحقيق. ورغم التقدم الذي يحققه على الرئيس ترامب حسب استطلاعات الرأي إلا أن لسانه يظل مرتبطا بالزلات التي لا تغتفر، زيادة على الأفعال التي لا تزال محفورة في تاريخه لتكون نقطة ضعف بالنسبة له.

مقالات ذات صلة

ولد بايدن في 20 نونبر عام 1942، ينتمي إلى أسرة ثرية، لكنها مرت بانتكاسات مالية متتابعة هبطت بها إلى الطبقة المتوسطة. هذا التغيّر جعل من جو بايدن، بائعًا للسيارات المستعملة. ورغم أن أسرته من الطبقة المتوسطة فإن عقليته لم تكن كذلك. جو كان طالبًا متفوقًا وأكاديميًا منذ الصغر. في المدرسة الإعدادية ثم الثانوية كان رئيسًا لزملائه، ومشاركًا في الاعتصامات المناهضة للفصل العنصري. كما أظهر تفوقًا رياضيًا ليحول فريق كرة القدم بالمدرسة الثانوية من فريق دائم الخسارة إلى آخر بلا هزيمة واحدة لمدة عام كامل.
ما بعد الثانوية شهد مستوى بايدن تراجعًا حتى عام 1965، حيث أتم دراسة التاريخ والعلوم السياسية، كان ترتيبه 506 من بين 688 طالبًا. بعد التخرج بعدة سنوات عاد للدراسة عبر بوابة كلية الحقوق من خلال منحة جزئية. بعد عام واحد وصف كلية الحقوق بأنها أكبر وهم في التاريخ وأنها تجذب الطلاب الذين يريدون النوم فحسب. فترة بايدن الدراسية ستلاحقه حتى نهاية حياته. ففي عامه الأول اتُهم بسرقة 5 صفحات كاملة من أصل 15 صفحة قدمها كبحث خاص به في القانون. اعتذر بايدن بجهله بقواعد الاقتباس والملكية الفكرية، لكن اتهامات أخرى ظهرت عام 1987 أثبتت أنه يسرق متعمدًا. لم يشارك بايدن في حرب فيتنام لاستبعاده بسبب إصابته بالربو، كما لم يشارك في أي مظاهرات مناهضة لها كذلك. الربو في سن العشرينيات يبدو غريبًا، لكن عاداته في شرب الكحول بكثافة جعلت الأمر منطقيًا. ترنح في بداية مسيرته السياسية بين التوجه الجمهوري والديموقراطي، لكن استياءه من مبادئ الجمهوريين جعله يختار الترشح كمستقل في أول انتخابات له عام 1969 في نيوكاسِل، فاز بها بجدارة.
وفي ترشحه لمجلس الشيوخ عام 1972 فاز بايدن في معجزة لم يكن يتوقعها أحد. حملته قامت على أكتاف أفراد أسرته، ودعوتهم المباشرة للناخبين وجهًا لوجه، دون وجود دعم مادي من جهات أكبر، ولا حتى تغطية إعلامية كالتي كانت لمنافسه السيناتور الجمهوري كاليب بوجز.

بايدن متقدم على ترامب
تشير استطلاعات الرأي الأولية التي تقوم بها مؤسسات مدنية مستقلة مختصة بالاستفتاء الجماهيري، إلى أن بايدن يتقدّم قليلا على منافسه ترامب. ويعزو البعض هذا التقدم إلى الأسلوب غير المعتاد في الثقافة الجمعية الأمريكية الذي يدير به ترامب سياسة أمريكا المحلية والدولية أيضا. إذ يرى الديمقراطيون ومؤيدوهم ومعظم القوى الليبرالية أن ترامب قد تسبب في عزلة أمريكا عن دول العالم الغربي الذي هو حليف تاريخي لها، وكذلك قسم الشارع الأمريكي بترفّعه عن الحوار كحل للمعضلات السياسية، واعتماده لغة الهجوم والتكبّر على خصومه السياسيين، وهو نهجه الذي كان ولا يزال يعبر عنه بإطلاق عبارات طنانة ومسيئة لخصومه على حساب «تويتر» الخاص به. أما مهاجمة الإعلام ووسائطه من صحافة وتلفزيونات فحدث ولا حرج، فالإعلام الذي ينتقده دون توقّف هو بالنسبة إليه يحمل صفة واحدة لا ثانية لها لطالما أطلقها عليه كالرصاصة «إعلام مزيف». بالطبع، سيستغل بايدن هذه الثغرات، وسيبني على هذا الشعور الشعبي المتزايد والمستاء من جوانب من شخصية ترامب غير المستحبّة، بل والمستهجنة في بعض الأحيان من قبل المواطن الأمريكي العادي، وسيتخذها سببًا لأن يتوجه إلى الناخب ويحثّه على التصويت لصالحه، تاركا وراءه انعزالية ترامب وفوقيته التي لا يتقبلها الشارع الذي تأسس على التعددية وقبول الآخر المختلف في مجتمع ملوّن بالمهاجرين إليه من كل أنحاء الأرض، وهو مجتمع «كسموبولوتي» مفتوح بناه المهاجرون أصلاً، ولا تبتعد عائلة ترامب عن هذه المعادلة حيث ترجع أصول عائلته إلى جذور ألمانية واسكندنافية مختلطة، إذ هاجر جده فريديريك ترامب في شهر أكتوبر عام 1885 من ألمانيا إلى الولايات المتحدة بتذكرة سفر ذهابًا دون عودة.

برنامج بايدن
بايدن يقدم برنامجا يعد فيه المواطن الأمريكي بنظام رعاية صحية أفضل من «أوباماكير». كما سيفتح الأسواق أمام استيراد الأدوية من الخارج مما يعني تنافسيةً أكثر وأسعارًا أقل للمواطن. يتبنى بايدن موقفًا غير واضح من الهجرة، إذ يعترض على جدار المكسيك الذي يريده ترامب، وفي نفس الوقت صوّت عام 2006 لقانون السياج العام الذي يدعم بناء جدران وحواجز أكثر على حدود المكسيك، كما يرفض بايدن منح رخص القيادة للمهاجرين غير الشرعيين منذ 2007.
يعترض على قرار ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ قائلا إن اتفاقية باريس هي أفضل وسيلة لحماية الأطفال والمستقبل، لكنه لا يوافق على «الصفقة الخضراء الجديدة» لأنها ستحد بشدة من الصناعة الأمريكية من أجل الحفاظ على البيئة وتجنب المزيد من التغيّر المناخي. قدّم بايدن تصوره الخاص عن المناخ وكيفية التعامل مع التغيّر المناخي. الطريف، أنّه تعرض لانتقادات واسعة إثر اقتباسه فقرات طويلة من مصادر معنيّة بالمناخ دون الإشارة لذلك.
أما بخصوص تمويل الحملة، فبايدن قد نصح المرشح الاشتراكي بيرني ساندرز بعدم قبول أموال من جماعات الضغط الأمريكية لما تمثله من خطر على الاقتصاد الأمريكي وعلى حرية قرارات ساندرز إذا قبل دعمها، لكنه لم يذكر شيئًا بخصوص حملته هو.
موقف بايدن من الإجهاض يظهر الصراع كونه كاثوليكيًا متدينًا وسياسيًا ديموقراطيًا. هو يرى الإجهاض خطأ دائمًا، لكنه يقول، إنه لن يفرض هذا الاعتقاد على أحد. وكان من قبل يرفض التمويل الفيدرالي لعمليات الإجهاض، لكنه الآن يقبل. أما بخصوص الزواج من نفس الجنس، فبايدن كان معارضًا شرسًا له، لكنه صرّح أثناء فترة عمله نائبًا لأوباما بأنه «مرتاح تمامًا» لزواج المثليين.
وكشف جو بايدن وعدا وصف بـ «الجريء» سيحققه في حال نجح في انتزاع مقعد الرئاسة من الرئيس الحالي دونالد ترامب، حيث حاول التعبير عن الصعوبة التي تواجهها العائلة في حال فقدت أحد أفرادها بسبب داء السرطان، قائلا «أنا أعرف كيف تشعرون»، وذلك في إشارة إلى فقدان ابنه بو بايدن، الذي توفي في عام 2015 بسبب سرطان الدماغ. وقال «لهذا السبب، عملت بجد في حياتي المهنية للتأكد من أنني في حال انتخبت رئيسا، سترون أهم شيء يتغير في أمريكا، سنقضي على السرطان».
كما يرفض جو بايدن طريقة تعامل ترامب مع الإدارة السعودية، ويرى أنه يقدم تبريرات لولي العهد السعودي بعيدًا عن الحقائق، مما يضر بالولايات المتحدة وسمعتها الدولية. كما دعا بايدن إلى إنهاء دعم الولايات المتحدة لحرب السعودية في اليمن. أما إسرائيل فتبدو مرتاحةً لترشح بايدن، خاصةً مع تصاعد نغمة معارضيها مثل بيرني ساندرز. خاصةً وأن العلاقة بين نتنياهو وبايدن أكثر ودًا رغم كون بايدن نائبًا لأوباما. تقول الصحف الإسرائيلية إن بايدن كان هو من دفع أوباما لتهدئة إسرائيل أثناء توقيع الاتفاق النووي مع إيران، كما كان أيضًا السبب وراء زيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل حتى وصلت إلى 38 مليار دولار على مدار 10 سنوات.

تصريحات ترامب المسيئة
في أول تعليق على إعلان نائب الرئيس الأمريكي الأسبق جو بايدن دخوله سباق ترشيح الحزب الديمقراطي له لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في «تغريدة» على «تويتر» إنه يرحب بجو البليد كما وصفه في «التغريدة» ويأمل أن يكون لديه الذكاء الذي طالما كان موضع شك لشن حملة انتخابية تمهيدية ناجحة.
وأضاف ترامب أن الانتخابات التمهيدية ستكون قذرة وسيتعامل بايدن مع أشخاص لديهم أفكار مريضة جدا ومختلة، ولكن إذا نجح بايدن بتخطيهم فسوف يراه عند بوابة الانطلاق كما قال ترامب.

أفعال وزلات لسان
مع تزايد التكهنات بشأن ترشحه، واجه بايدن تساؤلات جديدة بشأن ميله القديم للمس وتقبيل سيدات لا يعرفهن من الفعاليات السياسية، مع حديث عدة نساء عن أنه جعلهن يشعرن بعدم الارتياح.
حيث قامت لوسي فلوريز، مُشرّعة بولاية نيفادا برفع دعوى تتحدث عن احتضانه للنساء في حملاته السابقة وأثناء وجوده في البيت الأبيض إبان حكم أوباما. ورفعت لوسي دعوتها في مارس 2019 تتهم بايدن بأنه احتضنها رغمًا عنها في 2014. ونفى مكتب بايدن هذه الدعوى، لكن النبش في الصور القديمة جعل بايدن يُعدّل بيانه من النفي إلى القول بأن الصور أُخرجت من سياقتها. بايدن صرّح بأنه طول مسيرته صافح وعانق وربت على كتف الكثيرين، من أجل الدعم والطمأنة لا أكثر.
توافقه الرأي ستيفاني كارتر، زوجة وزير الدفاع الأسبق آش كارتر، وصاحبة إحدى الصور الستة. قالت سيفاني إنها كانت متوترة أثناء تأدية زوجها للقسم، فاحتضنها بايدن ليهدئها. الصورة الثانية، مع ماجي ابنة السيناتور «كريس كونس» أثناء تأدية والدها السيناتور مراسم القسم. بدت ملامح الضيق على وجه ماجي، 13 عامًا، إلا أن أباها خرج بعد الصورة بأشهر نافيًا انزعاج ابنته من بايدن، وأنها كانت منزعجة من اليوم بكامله.
صورة أخرى وهو يضع يده بإحكام حول خصر آمي بارنز في 2013 التي عملت كمراسلة صحفية داخل البيت الأبيض. لكن بارنز لم تُعلق على الصورة سلبًا أو إيجابًا حتى اليوم. آخر الصور كانت في 2012 من سائقة دراجة في جنوب أوهايو. كان بايدن يتحدث مع عملاء أحد المطاعم، فدخلت امرأة ورجلان فسحب بايدن كرسيّين للرجلين بجواره، والمرأة أمامه ليحتضنها بعضًا من الوقت وسط نظرات غضب واضحة من رفيقيها. وواجه بايدن صعوبة في الرد على هذه المخاوف، ومزح في بعض الأوقات من سلوكه. لكنه في النهاية اعتذر وقال إنه يدرك أن معايير السلوك الشخصي تطورت بعد ظهور حركة . (MeToo)
كما وجهت إليه انتقادات لاذعة بعد المواجهة الكلامية التي شرعت بها المرشحة كامالا هاريس، الرابعة في استطلاعات الرأي (8%)، والوحيدة من أصل إفريقي بين المرشحين العشرين. وذكّرت المدعية العامة السابقة بتصريحات أخيرة لبايدن حول علاقات ودية يحتفظ بها منذ سنوات مع سناتورين مؤيدين للفصل العنصري. وأعلنت هاريس (54 عاماً) أنها تلقت تلك التصريحات «بشكل شخصي وكانت جارحة». واتهمت بعد ذلك بايدن بأنه معارض للسياسة العامة التي تتيح تنقل أطفال من أحياء للسود إلى مدارس معظمها من البيض. وتابعت وهي منفعلة «كانت هناك فتاة صغيرة في كاليفورنيا تنتمي للجيل الثاني، تستقل الحافلة كل يوم للذهاب إلى مدرسة عامة. تلك الفتاة الصغيرة هي أنا».
ورد جو بايدن نافياً أنه قال «كلاماً إيجابياً عن عنصريين» أو معارضته سياسة النقل العام، مدافعاً عن كفاحه من أجل المساواة في الحقوق. وأطلقت كامالا هاريس أيضاً تصريحات قوية بعزم وانفعال حول الهجرة والصحة.
واضطر المرشح بيت بوتيدجادج الموجود تحت الأضواء منذ بداية الحملة وأول مرشح بارز للرئاسة يعلن أنه مثلي، على الرد على اتهامات بالعنصرية تطال مدينة ساوث بند في إنديانا التي يرأس بلديتها بعد وفاة شخص أسود ضربه شرطي أبيض.
وسرعان ما استغل ترامب وحلفاؤه هذه الضجة محاولين إضعاف منافسه الرئيسي المحتمل قبل حتى أن يدخل بايدن السباق. لكنه كان مصمما على المضي قدما رغم ذلك. فقد دفع بأن خلفيته وخبرته ومسيرته تجعله أفضل من ينافس ترامب العام المقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى