الرأي

هل يمكن أن تلتهم إيران البحرين؟

الجواب على هذا يكمن ليس بالإمكان بل بالإرادة والتوقيت، فبلد صغير مغر على حافة مياه الخليج مثل البحرين يمكن أن يكون أسرع من ذوبان موزة في حلق قرد جائع في ساعات معدودات، ثم إن قسما من شيعة البحرين يحلمون بهذه الولادة؛ فيرجعوا إلى حضن الأم بعد فراق، كما عاد موسى إلى أمه بعد أن أصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به.
من هنا نرى أن الأحلام الخطيرة هي أكبر من كوابيس للأمم، ولكن أكثر الناس لا يعقلون، كما أن قصص الالتهام والقرض والبلع في التاريخ متواترة؛ هتلر يلتهم النمسا والسوديت، ستالين يلتهم الشيشان ولاتفيا وبولندا، صدام يبتلع الكويت بلقمة سائغة، والسفيرة الأمريكية أبريل جيبسبي تقول له هنيئا مريئا، فلماذا لا تكرر إيران حماقات التاريخ، والتاريخ ناد مليئ بقصص الحمقى، كما في قصة القطين والقرد الناسك وقطعة الجبن.
حلم إيران الآن يمشي على نحو استراتيجي بفعل الفراغ العربي. فالقوم دهاة يتقنون حياكة السجادات والمؤمرات منذ أيام أبو مسلم الخراساني، والقصة تقول أن الطبيعة تأبى الفراغ، والعرب هم في حلكات الظلمات يسبحون مبلسين، ليس لهم من الظلمات من خروج. وحاليا المنطقة تسبح في تفكك وتكوين جديدين، قوة آل عثمان الصاعدة، وقوة بني صهيون الضاربة، وحاليا إيران انبعثت من عمامة الفقيه وعباءة خضراء تدعي الحسينية. والحسين مستريح في تربته لا يعرف شيئا عن الصراع الدائر حول قبره المزعوم.
قناعتي العميقة أن إيران سوف تمشي بمخطط علو في السنوات العشرين القادمة، قبل أن يصيبها داء التاريخ والأنتروبيا فتهلك بعد قوة واقتدار، كما حصل مع دولة آشور في أقلرن السادس قبل الميلاد، ولذا وجب علينا تعلم اللغتين الروسية والفارسية لاستقبال الأسوء القادم، وربما معها الصينية فنتأتئ فيها ما نستيطع، بعد أن غلبتنا لغة ريتشارد قلب الأسد وفرنسوا ومعها الجرمان.
نحن نعلم في التاريخ أن المفتي والملك هما في خندق واحد. في القرآن يأتي ذكر الجبت والطاغوت، ولكن هل نعلم ماذا تعني كلمة الجبت مثلا؟ قد تكون كلمة طاغوت وطغيان مفهومة قليلا، ولكن مشية بوتين مع رئيس الأساقفة جنبا إلى جنب في كارثة الطائرة الروسية معبرة عن هذا التلاقي الخفي المنحوس، تلك التي سقطت في سيناء بانفجار مروع، دفع إلى الموت جميع الركاب الـ 217 ولحقهم 7 من الطاقم الفني؛ فاكتملوا 224 راكبا في عدد غير منقوص، واجتمعوا في فناء الموت ودار الحق يبكون، وخلفهم تبكي روسيا وبوتين.
لا أدري ما الذي ذكرني بموت رفاق أوديسوس في أسطورة اجتياح طروادة، حين أرادوا النجاة من قبضة الساحرة سيرسا فغرقوا، ليتحولوا خنازير يضربهم أوديسوس بقدمه وهو لا يعلم، كذلك الحال مع مغامرات بوتين الروسي في الوحل السوري.
الجبت هو الممثل الديني من مفتي ورجل دين، يلبس قلنسوة وطربوشا وعمامة جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، كلهم يدعي الفضيلة والنطق باسم الواحد الأحد. شكله بشري من كرش وشحم، ولسانه إلهي لا يقترب منه النقد والخطأ والزلل.
والطاغوت هو الوجه السياسي يحكم بالخنجر والطبنجة وجيوش المخابرات السرية والعلنية، وهما متعانقان دوما، ولكن في جمهورية الفقيه المزعومة تبرز عمامة الجبت مجللة بالسواد.
التهام البحرين ليس نهاية الرحلة بعد ازدراد سوريا، وغصة الحلق في ابتلاع اليمن، وهضم لبنان في الأمعاء الطرية، وتحول العراق إلى حلاوة وبقلاوة في فم القرد الإيراني الشره.
الحلم يقول إن بترول المنطقة كله شيعي، فالمنطقة الشرقية من السعودية حتى الإحساء كلها شيعة، وهناك عقلاء بينهم، وعندي أصدقاء كرام من صفوفهم، يعرفون تماما أن الدخول تحت عباءة إيران سيدخل البلد السرداب الأبدي الذي لن يخرج منه هادي ومهدي وعسكري! ولكن المجانين أكثر من رمال الربع الخالي. وبيننا وبين عصور التنوير والتسامح فجوة عقلية تحتاج إلى جسور عريضة متينة من فكر الحداثة والتنوير حتى يمر القوم فوقها آمنين.
نحن نعلم أن مرض الزهري (الأفرنجي) ضرب مفاصل القوم وأهلك أجيالا لمدة أربعة قرون قبل أن يصل فلمنج إلى اكتشاف البنسلين، وكذلك الحال مع عفونات الأدمغة.
حاليا أمامنا النموذج الكندي حيث عين (جستن ترودو) نصف الكابنيت من النساء، وحين سئل لماذا فازت النساء بخمس عشرة وزارة كان جوابه ضاحكا: لأننا في عام 2015. ورأينا وزير الدفاع السيخي بعمامته يؤدي القسم، ويقود وزارة رجل مقعد مشلول ويشرف على وزارة رائد فضاء وتقود وزيرة من أفغانستان الديموقراطية في الوزارات وتأخذ وزارة العدل امرأة من الهنود الحمر (السكان الأصليون Native).
سؤال خطير للطرح أين شرع الله بالله عليكم؟ أحيث يكتب على العلم الله أكبر والله لا علاقة له به؟ أم قطع الرقاب عند داعش بدعوى التطبيق الفعلي للشريعة؟ أم حيث إنشاء مبان هائلة لمجالس شورى لا يشم منها رائحة شورى ونقد ولو من بعد أربعين خريفا.
جاء في كتاب الخرافات أن قطين نهشا قطعة جبن مسروقة فاختلفا على القسمة، حتى دلهم رجل ناصح على قرد ناسك بجنب البحر، فهرعا إليه، فلما رآهما مشتدين عدوا إليه؛ قام إلى صلاته فأطال؛ فلما فرغ أقبل على القطين الملهوفين وقال قد وطئتم أرض العدالة، ثم قام إلى القبان فوزن بعد أن قضم طرفا جيدا من قطعة الجبن، وإذ تأرجح الميزان قام فقضم من القطعة الثقيلة أكبر ما يسعه فمه عرضا، كما فعل بوتين مع القرم ثم أوكرانيا، وفي النهاية لم يتبق إلا قطعة صغيرة فالتهمها بلذة وقال: هذا جزاء أتعابي!! والقطين زائغي العينين يريان اختفاء الجبنة في كرش القرد الناسك الناصح، فهذه هي قصة البحرين وبوتين وإيران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى