الرأي

واستقل كما أمرت

تتعدد أسبابها وتبقى الاستقالة واحدة. في المغرب يبقى مفهوم الاستقالة غامضا إلى الدرجة التي أصبحت ترتبط معها بـ»الدغل» أكثر مما ترتبط بالوضوح السياسي.
هناك عينة من الذين يفهمون في كل شيء، ولا يفهمون أي شيء في الواقع، ومهمتهم الأكاديمية الوحيدة التي يأكلون بها الخبز في كل المناسبات هي طرح السؤال الآتي: «ولماذا الآن؟».
يعلقون بهذه الجملة على كل الأحداث التي تمر أمامهم ويقرؤونها بطريقة غريبة ومضحكة في الغالب. لماذا استقال صلاح الدين مزوار الآن؟ طيب ولماذا تأخر في تقديم استقالته حتى الآن؟ هذا السؤال يجب أن يُطرح أيضا، خصوصا وأن مزوار كان، قبل التعديل الوزاري في الحكومة الماضية، واحدا من الأسماء غير المرغوب فيها، قبل أن يصبح وزير الكل عندما أدخله بنكيران من النافذة بعد أن طرده الشعب من الباب، وعاد ليصبح وزيرا للخارجية، بعدما جرب وزارة المالية وأثيرت حوله ضجة كبيرة في إطار ما عُرف بأزمة «البريمات».
هناك تيار داخل حزب التجمع الوطني للأحرار، لا ندري في الحقيقة إن كان لا يزال على قيد الحياة أم أنه انقرض بانقطاع سيولة صاحبه، يتمنى موت صلاح الدين مزوار وليس فقط تقديمه للاستقالة من زعامة حزب الحمامة.
في بداية سنة 2012 دائما، ظهر تيار تصحيحي أغلب الذين انضموا إليه كانوا من المهمشين داخل التجمع الوطني للأحرار، وحضروا بعدما وُضع فندق مصنف تحت تصرفهم، بحلوياته وعصائره وغرفه المريحة، ليدرسوا تأسيس حركة تصحيحية تدعو صلاح الدين مزوار إلى مغادرة العمل السياسي وإفساح المجال، لمن أسموهم وقتها، للشرفاء ليعيدوا الحزب إلى سكته الصحيحة. لكن هؤلاء جميعا لم «يصوروا» أي شيء مع مزوار، حتى أنه ضحك منهم لأنه كان يعلم أن الحجز في الفندق الذي استضافهم لا يمكن أن يستمر طويلا، وهكذا اضطر صاحب الحجز الذي كان يتمنى أن يكون هو الاسم الذي سيعوض مزوار، إلى العودة إلى قوقعته بعدما فشل فشلا ذريعا في أن يكون مؤثرا داخل الحزب رغم أنه أنفق الملايين في تأسيس جرائد وتمويل أخرى.
هذه تبقى قصة طريفة لأن مزوار استقبلها بالضحك، خصوصا عندما علم أن أبناء حزبه الذين اجتمعوا في الفندق إياه في الدار البيضاء ليقولوا له إنه يتوجب عليه أن يعود إلى النسيج، القطاع الصناعي الذي جاء منه إلى العمل السياسي. فمزوار كان يعلم أن أقصر الطرق إلى السياسة هو عدم معرفة أبجدياتها في الأصل. فالصدفة تبقى أفضل موهبة توصل إلى زعامة بعض الأحزاب السياسية خصوصا في المغرب.
دعونا نتأمل استقالة مزوار أولا. كان في الحكومة الماضية وزيرا للمالية، واتهم بلسانه حكومة بنكيران في أشهرها الأولى بأنها سرقت منه دراسة كلفته مجهودا كبيرا لإصلاح اقتصاد المغرب. وقال إن بنكيران يستغل، عن طريق الوزير الاستقلالي الذي كان وزيرا للمالية وقتها، مجهودات الحكومة السابقة ويتبنى ما بدأته دون أن يشير إليها، ووعد في تجمع مصغر لأعضاء حزبه في بداية 2013 بأنه قادر على العودة بالاقتصاد المغربي إلى السكة الصحيحة، خصوصا وأنه لم يكن متفقا مع بنكيران في موضوع «المقاصة».
وفوجئ الجميع، في أول تعديل حكومي، ببنكيران ينادي على مزوار للانضمام إلى الحكومة وزيرا للخارجية وليس للاقتصاد. وهكذا تسبب لنا صلاح الدين مزوار في بعض المطبات الدبلوماسية التي كان سببها هو جهله بما كان يشرف عليه.
تبقى الاستقالة إذن أفضل ما قام به صلاح الدين مزوار. سواء كتبها أم كتبت له، أو كُتبت عليه. أما الذين اعتبروها صدمة.. فأفضل ما يمكن أن يقوموا به مستقبلا هو متابعة المسلسلات. لأن النتيجة الحتمية لمن اشتغل وزيرا للمالية ولم يقدم إلا البريمات لنفسه ولمن يعرفهم، هي الاستقالة في الأخير، خصوصا إذا وعد بعد خروجه من الحكومة بإصلاح الاقتصاد عندما أثير موضوع «المقاصة»، وعندما جاءته الفرصة للعودة إلى الحكومة، عاد إليها وزيرا للخارجية. وهذا بحد ذاته مبرر كاف لفهم أن مزوار لم يكن يمارس السياسة أصلا ليستقيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى