شوف تشوف

وزير التمشغيل

 

 

لطالما نبهنا عبر هذا العمود إلى خطورة استعمال الفيسبوك والتويتر من طرف المسؤولين الحكوميين، وكان ذلك عندما تطرقنا لموضوع “وزراء الفيسبوك” بل ذهبنا إلى حد رفع دعوى قضائية ضد الوزير بوليف لإغلاق صفحته بالفيسبوك، بسبب ما تضمنته من سب وقذف في حقنا، واعتبرنا حينها أن صفحة الوزير هي امتداد للمرفق الوزاري الذي يسيره، وأنها بذلك يجب أن تكون محترمة للقانون، غير أن المحكمة الإدارية بالرباط، على عهد وزير “العزل” مصطفى الرميد، رفضت قبول الشكاية، والشيء نفسه حكمت به محكمة عين السبع عندما رفعنا بمستشار الوزير عزيز رباح شكاية بالقذف عبر الفيسبوك، فجاء مصطفى بابا أمام القاضي وتنكر لصفحته الرسمية في الفيسبوك وادعى أمام القاضي أنه ليس هو كاتب تلك الشتائم موضوع الشكاية.

وقد شاهدنا بعد ذلك كيف قام رئيس الحكومة العثماني بإعطاء تصريحات متضاربة حول حادث اغتيال بمقهى لاكريم بمراكش كادت أن تربك التحقيقات الجارية، ثم عشنا وشفنا وزيرا يتقاسم عبر صفحتيه بالتويتر والفايسبوك مقالا صحفيا يتهم مدير ضيعة في ملكية ملك البلاد بسوء معاملة عمال فلاحيين، تحت عنوان “عطر الفضيحة بضيعة ملكية”، وقد وضع على صورة المقال صورة الملك رفقة وزير الفلاحة وشخصيات مدنية وعسكرية، خلال تفقده لمشاريع فلاحية وطنية.

وفي محاولة منه لتبرير ما حصل، نشر ديوان محمد يتيم وزير الشغل والإدماج المهني توضيحا رسميا مؤرخا في 3 يناير 2018 نفى من خلاله أن يكون الوزير المسؤول عن القطاع قد تقاسم مقالا منشورا على موقع “لوديسك”، الذي اشتراه الثري وعضو حزب الأصالة والمعاصرة علي بلحاج، يتضمن معطيات حول أوضاع العمال في شركة تسمى “ليزاروم دي ماروك”، بحيث وصف سحبه للمقال المذكور من صفحته على الفيسبوك بـ”الجبن” تارة و”الشجاعة السريعة” تارة أخرى.

ولم ينف يتيم أن تكون الصفحة التي نشرت المقال خاصة به شخصيا، وإن كان قد بادر، كأي متهم، إلى القول بأن وصول مقال “لوديسك” إلى صفحته قد تم بطريقة مجهولة ما زال يتحرى فيها.

“إوا يا سيدي” ما دمت ما زلت تتحرى، فلماذا تأمر ديوانك بنشر بلاغ رسمي حول الموضوع، ألا تخشى أن يكون أحد أقاربك هو من تقاسم المقال بصفحتك، وتبتلع لسانك بعدها، كما فعلت أمينة “تخراج العينين” ذات بلاغ، عندما اتهمت الأجهزة بالتحرش بها قبل أن تكتشف أن لا أحد تحرش بها سوى جهاز زوجها ؟

السيد يتيم الذي أنكر تقاسمه لمقال صحفي، ذاكرا عنوانه واسم الموقع الناشر له، دون الإفصاح عن محتواه، لم يزد الخبر إلا تشويقا وإثارة، ومنح بذلك شهرة مجانية من حيث لا يدري لموقع إلكتروني لمؤسسه ومدير نشره علي عمار المسجون سابقا بسبب الاختلاس في البنك الذي كان يشتغل فيه.

وقد بدا يتيم وهو يحاول أن يوضح شيئا لا يستطيع الإفصاح عنه، مثل تلميذ كسول خائف من أسئلة الأستاذ وسوطه.

غير أن ما فات السيد يتيم وشلة ديوانه أن يفعلوه، ليس تدبيج بيان حقيقة باللغة العربية يتبرؤون فيه من عملية النشر على صفحته على الفايسبوك وتويتر بمبررات تقنية غير مقنعة، بل كان عليهم ترجمة البيان إلى كل لغات العالم، لأن المشكل ليس في ما سيقوله المغاربة الذين يعرفون بلدهم جيدا، بل في ما سيقوله العالم بأسره، وقد قرأ تدوينة الوزير، وظن أن هناك اتهاما رسميا من وزير التشغيل في المملكة المغربية لضيعة ملكية بعدم احترام مدونة الشغل.

ولو أن السيد يتيم وضع في اعتباره أنه سيخاطب الرأي العام العالمي، الذي أصبح تويتر جزءا حاسما في توجيهه وتأطيره، لما تجرأ على القول في بيان حقيقته الغامض بأنه شخصيا وكمسؤول حكومي لا يبني مواقفه على التقارير الصحفية وإنما على التقارير والمحاضر التي يحررها أعوان التفتيش ومراسلات مناديب العمال وممثليهم النقابيين أو المركزيات النقابية التي ينتمون إليها.

بمعنى أن السيد الوزير “جا يكحل ليها عماها”، حين أنكر على الصحافة دورها في مراقبة الشأن العام، ونفى أي تفاعل له معها، فما يكتب في الصحافة عن أوضاع العمال في نظر “وزير التمشغيل” لا يصلح إلا أن يكون موضوع محاكمات ومتابعات لهم أمام غرفة قضايا الصحافة، أما أن يكون موضوع تحقيق وزاري وتتبع ومعالجة فلا، فهو لا يثق إلا في القنوات الرسمية، وبمعنى آخر فإننا كصحافيين نضيع وقتنا عندما ننجز تحقيقات أو نكتب عن مواضيع معينة، لأنها في أحسن الأحوال سترمى في سلة المهملات.

وهذا الموقف اللاديمقراطي الصادر عن الوزير، لا يراعي إلا شخص الوزير ذاته، فهو لا يراعي مكانة الملك الذي يوجب الدستور على الجميع توقيره، خصوصا وأن الملك، وهو الساهر على احترام حقوق المواطنين والمواطنات، لن يقبل أن يغض يتيم أو غيره الطرف عن حقوق عمال في ضيعته، بدعوى عدم توصل معاليه بتقارير رسمية من الجهات المسؤولة، وكان أشرف له أن يقول بأنه أوفد لجنة تحقيق إلى عين المكان أو راسل المديرية الجهوية المعنية، وتبين له زيف الادعاءات الواردة في المقال، على أن يقول بأن حذفه لمقال تم بطريقة تلقائية وانطلاقا من اقتناع ذاتي محض وعدم تبن له مضمونا وعنوانا وشكلا.

إن ما قام به “وزير التمشغيل” بواسطة النقل لموضوع صحفي في حق الملك، يشكل جريمة المساس بالتوقير الواجب لشخصه، والتي يعاقب عليها قانون الصحافة في فصله 71، وهو القانون الذي لا ينفع معه التذرع بحسن النية، مما كان يوجب على النيابة العامة، وقد تحررت من قيود السياسة والسياسيين، أن تحرك المتابعة ضده، وأن يمثل المواطن يتيم أمام السلطة القضائية لكي يقدم تبريراته كأي متهم، والتي لها كامل الصلاحية للاقتناع بها أو رفضها، بدل نشره توضيحا يدافع فيه عن ذاته، ولا يزيد الموضوع إلا تشهيرا وغموضا.

فالشجاعة الحقيقية والمسؤولية السياسية تقتضيان من “وزير التمشغيل” الذي لا مشغلة له سوى الخزعبلات الفيسبوكية الفارغة، والذي لم يحرص جيدا على حفظ وتأمين وسائل تواصله من الاختراق والقرصنة المزعومين، وتسبب في نشر تهم ضد ضيعة ملك البلاد بخرق قوانين الشغل، على نطاق عالمي أن يقدم استقالته من منصبه بكل لغات العالم، وينشغل بتأملاته الفلسفية السخيفة ومواهبه “الدفينة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى